Geralt - Pixabay - CC0

أيهما تفضل العالم الحقيقي أو عالم خيالي؟

عندما تشاهد أفلام اليوم ستجد العديد من الأفلام التي يتحدث فيها الحيوانات، أو أفلام أبطالها أنصاف بشر والنصف الآخر إما حيوانات أو نباتات أو آلات … شخصيات بعين واحدة وآخرى بأرجل وأيادي عديدة، شخصيات ينقصها جمال التصميم، وأحداث تسرقنا من واقعنا وتغيبنا […]

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عندما تشاهد أفلام اليوم ستجد العديد من الأفلام التي يتحدث فيها الحيوانات، أو أفلام أبطالها أنصاف بشر والنصف الآخر إما حيوانات أو نباتات أو آلات … شخصيات بعين واحدة وآخرى بأرجل وأيادي عديدة، شخصيات ينقصها جمال التصميم، وأحداث تسرقنا من واقعنا وتغيبنا عن مستقلبنا. أنا شخصيا أعشق سينما الخيال العلمي، ولكني بكل صراحة بدأت أقلق من نوعية هذه الأفلام الحديثة، فأنا ليست مُشاهد فقط إنما أشارك في مجال الإعلام والتكنولوجيا أيضا، ومن خبرتي في هذه المجالات أشعر بتخوف شديد على اضمحلال واقعية الحياة، وانقراض مبادي وقيم إنسانية الغد.
بجانب الأفلام يأتي عالم التكنولوجيا من إنترنت وألعاب الكترونية …، ألاحظ شيء مشترك وأعتقدك أنك لاحظت هذا أيضا، أن أطفالنا وشبابنا يعيشون في عالم آخر عالمي الكتروني غير موجود، عالم غير واقعي. فبالقيام بعمل بعض الأبحاث على مستخدمين شبكات التواصل الإجتماعي ألاحظ أن أكثر من 40% من الأشخاص يشاركون معلومات غير حقيقية عن انفسهم، البعض يفعل هذا من باب الحفاظ على خصوصيته والبعض الآخر يرغب في الهروب من العالم الواقعي، فمثلا إذا فشل احدهم في العمل لا ينشر هذا في العالم الأفتراضي بل تجده يكتب أنه مدير شركة خاصة. وتجد أشخاص يشاركون صورهم وهم متواجدون في أماكن غالية، هناك من يفعلون هذا لتعويض نقص نفسي وهنالك من يشاركون هذه اللحظات مع اصدقائهم بنيَّات صافية. توجد المئات من الأمثلة التي نشاهدها يوميا على شبكات التواصل الاجتماعي تؤكد كلامي.
عندما نتحدث عن الألعاب الالكترونية نجد أن اغلب الألعاب المنتشرة اليوم ليست ألعاب ذكاء وتنمية المهارات البشرية، إنما أغلب الألعاب تدفع الإنسان ليعيش في عالم وهمي غير واقعي، وهذه الألعاب تصاحب الإنسان أينما وجد لان المستخدم يستطيع الدخول من هاتفه سواء كان في الطريق أو في المدرسة، وأيضا يدخل من حاسوبه كما يمكنه تشغيل اللعبة على اجهزة التليفزيون الذكية ليعيش الحدث وكأنه بطل هذه اللعبة. توجد بعض الألعاب التي تستوجب دخول المستخدم يوميا على الإنترنت ليطعم الحيوانات الموجودة في مزرعته أو يُعد الطعام لضيوفه الذين يحضرون إلى مطعمه الذي أسسه داخل أحد الألعاب، وهناك العديد من الألعاب ترسل تنبهات لكي تخبر المستخدم بما حدث للعبته وتدفعه للدخول باستمرار لمتابعة ماذا حدث في.
لهذه الألعاب الالكترونية الخيالية وجهان: وجهه إيجابي ووجه سلبي. فعلم النفس يذكر فوائد الألعاب وأهميتها للشخص الذي يعاني من ضغوط في حياته اليومية فمن خلال الألعاب سواء كانت الإلكترونية أو الحقيقية الملوسة يخرج الإنسان من دائرة الضغوط والمشاكل اليومية، مما يحسن من حالة ومزاج الإنسان. كما ذكرت العديد من الدراسات بأن الإلعاب الإكترونية تساعد على تحفز عمليات الإبداع، وتدعم القدرة على اتخاذ القرارات، وتحسن الفهم بشكل عام. إذا تم استخدامها بشكل معتدل وصحي.
إذا وجدت عشرات النقاط الإيجابية لهذه الإلعاب فهناك مئات بل ألاف النقاط السلبية لهذه الألعاب على الإنسان، ودعني أخص بالذكر فئة الأشخاص الذين لا يستطيعون التميز بين الأشياء والتحكم في رغباتهم. هناك فئة من الأطفال والشباب عندما يلعبون يندمجون في الألعاب بشكل مخيف بحيث يعيشون بكل كيانهم داخل هذه اللعبة لدرجة أنهم لا يميزون بعض الأوقات بأنها مجرد لعبة عندما تغلقها تنتهي متعتها. والفئة الأخر هم من لا يستطيعون التحكم في مشاعرهم وردود أفعالهم، فعلى سبيل المثال ألعاب الأكشن والمصارعة وغيره، يجد هؤلاء انفسهم مدفعون بعنف تجاه الآخر لتنفيذ ما تم رؤيته أثناء اللعب ، لإن نسبة كبيرة من ألعاب الأكشن تعتمد على التسلية والاستمتاع بقتل الآخرين وتدمير أملاكهم والاعتداء عليهم بدون وجه حق. إذا هذه الألعاب تأثرعلى سلوكيات المستخدم بشكل سلبي وخطير وتدفعه ليكون إنسان عنيف أناني وتعلمه فنون الجريمة .
سواء كانت الأفلام أو الألعاب التي ذكرتها أعلاه، يتضح أن هناك من يأخذنا من عالمنا الواقعي لنعيش في عالم وهمي. فقد بدأ جيل اليوم ومستقبل الغد بإدمان هذا العالم الوهمي الإفتراضي، هذا العالم الخالي من المشاكل وتحديات الحياة الحقيقية، وينعزلون عن المشاركة في الحياة الاجتماعية ويشعرون بالضعف أمام أي عائق حياتي صغير. فمدمن هذه الألعاب لا يدرك بأنه لن تخرج يد من الحاسوب أو الهاتف الذكي وتقدم لي سندوتش لذيذ عندما يشعر بالجوع. ربما يحدث هذا في المستقبل البعيد ولكن حتى حدوث هذا علينا الادراك بأننا نعيش على أرض ملموسة وجسدنا له احتياجات بيولوجية حقيقية وليست وهمية ثلاثية الأبعاد.
إن الإنسان كائن اجتماعي يحتاج للبشر والمجتمع (فمجتمعاتنا بكل سالبياتها إلا أنه مجتمعات موجودة وليست مجتمعات رقمية وهمية)، فالإنسان ليس جهاز رقمي يستقبل الاشارات وليس واحد من لغات البرجمة الحديثة. الإنسان وجود ملموس مرئي حي ويتكون من روح وجسد وعقل، يشعر وله رغبات تفقدتها الأجهزة الالكترونية الحديثة التي صنعناها لمساعدتنا في أعمالنا اليومية، ولم نصنع هذه الأجهزة لتأخذ مكاننا وتنهي الحياة البشرية إنما لتساعدنا على استمرار الحياة البشرية بطريقة أفضل وأحدث.
أنتِ وأنت وأنا، جيل يعيش بين عالمين عالم واقعي حقيقي نعمل فيه ونحاول التغلب على تحديات الحياة اليومية الحقيقية، وبين عالم رقمي وهمي كل ما فيه خيالي غير حقيقي وغير ملموس. فنحن حلقة الوصل بين عالمين ولذلك علينا مسؤولية كبيرة في توعية مستقبل الغد والتحذير من الافراط بالعيش في العالم الوهمي. فالجميع يدرك الخلفية التجارية لربح الملايين بل المليارات من وراء هذه الاجهزة الإلكترونية الحديثة والألعاب الإلكترونية الخيالية، ولكن البعض يتجاهل أن هذا يحدث على حساب الإنسان وإنسانيته.
ليس من أجل النقود نحول الإنسان من صانع إلى مصنوع، من فاعل إلى مفعول ، من لاعب إلى ملعوب به، من إجتماعي إلى انفرادي، من متحدث إلى أخرس. على الجميع أن يعي خطر اللعب والعبث بإنسانية المستقبل. وكارثية وضع الإنسان في خطط المستقبل على أنه فقط مُستَهلَك (مَن أستهلك) فقط. فأصحاب الخطط التجارية عليهم التفكير إذا أصبح الإنسان مُستَهلِك ( استعمِل) فمن سيكون هدفكم؟ ستصبح حسابتهم في البنوك ضخمة، ولكنهم لن يستمتعوا بهذه الأرباح لان الوقت سيكون متأخر.
على كلّ مُعلم، وكلّ أسرة وكلّ رجل دين أن يساعد في التوعية والتنبيه على اختيار نوعية الأفلام والالعاب الّتي ينشيء عليها ابنائنا، مازال بإمكاننا أن نتحكم في مستقبلنا ولكن إذا تأخرنا فمستقبلنا هو الّذي سيتحكم فينا.
يا أخي الإنسان الواعي الناضج لا تسمح أن نكون أهداف تجارية،
لا تسمح أن نصبح فقط ُمستَهلَكين لأننا في يوما ما سنصبح مُستَهلِكون.
لا تلهث خلف احداث المودلات لهذا الجهاز الحديث وتلك اللعبة الإلكترونية
لا تعيش في عالم وهمي لا تمتلكه في حين آخرين يسرقون عالمك الحقيقي الذي تمتلكه
لا تتخاذل عن دورك الإنساني، لان بتجاذلك تشارك في هدم إنسانية المستقبل
لا تنسحب من معركة بقاء الإنسانية خائفا جبانا، بل أظهر بسالتك في معركة البقاء.
يا خالق الإنسان لا تسمح أن يستخدم الإنسان أخيه الإنسان لأهداف فانية دنيئة،
يا مبدع الإنسان لا تسمح أن تنتهي الحياة الإنسانية بمهارات وإبداع الإنسان،
يا الله أنت خلقت الإنسان ليكون سيد وليس عبد، فساعده أن يعيش ويموت سيد وليس عبد.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

مايكل عادل أمين

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير