اليوم العالمي لحقوق الإنسان

الإنسان ينتهك حقوقه!

اليوم العالميّ لحقوق الإنسان: أين هي الحقوق؟ ولماذا تبقى منتَهَكة؟

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

    تمرّ الأيَّام ويبقى الإنسان رهن التجاذبات والخلافات والصِّراعات السياسيّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة والعلائقيّة. بالرُّغم من التطوّرات والتغييرات الإيجابيّة، الَّتي حصلت منذ أعوام (بعد الحرب العالمية الأولى) على كافة الصُّعد، يبقى الإنسان عدّو نفسه، مع أنّ الخالق أعطاه كلّ المقوّمات والمقدّرات، من أجل بناء مجتمعٍ سليمٍ وعائلة متضامنة.

     أقرّت المواثيق والمعاهدات العالميّة بكرامة الإنسان وحقوقه، لا سيّما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الَّذي صدر عن الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة في ١٠ كانون الأوّل من العام ١٩٤٨ (أوّل إعلان عالميّ لحقوق الإنسان).

   حين نتكلّم على الحقوق، لا بُدَّ من ذكر أمرين بديهيّين: تواجدها عرفًا وقانونًا، وتطبيقها فعليًّا. وهذان الأمران ليسا متوفّرين بالإجمال؛ وإن وُجد أحدهما فيكون منقوصًا وغير ناجح. وإن وُجدا معًا، إنَّما يكون ذلك بنسبٍ متفاوتة، حتّى أنَّهما يُطبَّقان أحيانًا، وفي بعض الظُّروف، بطريقة مجتزأة تُلغي القسم الأكبر من فعاليّتها!

    هل فقد إنسان هذا العصر الحسّ الإنسانيّ وبات غير مُدرك لحقوقه؟ أم يتوجَّب علينا أبدًا تذكيره بحقوقه الأساسيّة والأوليّة؟! هل علينا إعادة تلاوة بعض الحقوق: الحاجة إلى مأكل ومَلبَس وتعليم ومسكن وطبابة؟ أَليس علينا مطالبته باحترام: حقّ السَّلامة الشَّخصيّة، والحقّ في الحياة والحريّة والدِّين والفكر، وحقّ التنقّل والزَّواج والمُشاركة في الحُكم؟ مَن المسؤول عن المحافظة على حقوق الإنسان وتطبيقها؟ أَوليس الإنسان هو المسؤول؟ لماذا ينتهك إذًا ويتعدّى على حقوقه ويتعرّض على حقوق غيره؟ لماذا يُهين كرامته بالتَّغاضي عن حقوقه المشروعة؟ أَلا يملك العطيّة والموهبة الإبداعيّة الَّتي خلقها الله وأعطاه القدرة على المشاركة في الخلق والإبداع؟ كم يعاني إنسان هذا العالم، لا سيّما في شرقنا؟ نعم، هناك تراجع واضح وفاضح لحقوق الإنسان. أَلا نلاحظ الذّل والإستهتار والإزدراء لكرامة الناس؟ تعيش “مجتماعاتنا” بتجاهل تامّ لضمانة حقوق الأفراد، حيث عمليّات التعذيب على أنواعها، والخطف والإغتيال، والإختفاء والإعتقال التعسّفي، والإرهاب المُمَنهج، والإستغلال والدونيّة، وعدم المساواة والتسلّط وغيرها، من عوامل وتصرّفات تحطّ من قيمة الإنسان، وتجعل منه سلعة رخيصة بيد “أخيه الإنسان في الإنسانيّة”. لماذا هذا الاحتقار المتمادي للإنسان؟ أَليس هو على صورة الله؟ “وقال الله: لنعمل الإنسان على صورتنا ومثالنا…” (تك ١:٢٦). ليتنا نُدرك حبّ الخالق لمخلوقاته.

    نعم، إنسان اليوم بحالة مُزرية للغاية. لذا عليه أن يناضل مع أصحاب الإرادة الصَّالحة والمُحافظين على القيم والمبادئ، بنشر “حقوق ثقافة الإنسان”، من خلال التوعية والتَّربية، والتَّعليم والثقافة، واحترام الآخر والتَّعاليم السماويّة، والمُحافظة على المبادئ، وتفعيل القوانين والاتّفاقات والمُعاهدات.

   لنتابع مسيرة النِّضال والكفاح من أجل “قضية” الإنسان المقهور والمعذّب والمنبوذ والمظلوم. لنتقيّد بالأنظمة والقوانين الَّتي ترعى حياة المواطن، من أجل تحسين مستوى حياته، مع المُحافظة على حقوقه كاملةً ومع تأدية واجباته تجاه البشرية. لنحافظ معًا على كرامة الإنسان، أي إنسانيّتنا الَّتي تجمعنا مع سائر أفراد البشريّة جمعاء. لنحاول القضاء على التمييز والجَهل والفقر، والشرّ والحروب، وتعزيز السَّلام والأمن، لا سيّما العدالة والرَّحمة والمُساواة، وحقّ التَّعبير والعيش بكرامة وحرّية، وتأمين الأشياء الأساسيّة، للعيش بالكرامة والعزّة وكِبَر النَّفس.

     أَلَم يخلق الله فينا روح التعاون والتَّعاضد والمُناصرة؟ لنُسهم في عالم تسوده العدالة واحترام كرامة الإنسان. هذا يعزّز إضمحلال الكراهية والكيديّة، والتسلّط والعنف، والفساد والأنانيّة، والتعصّب و”الإرهاب المشرّع”، وارتكاب الجَرائم على أنواعها. لنعمل معًا على تحسين “صورتنا” الإنسانيّة، من خلال النَّزاهة والصِّدق والمَّحبّة والأخلاق الحميدة.

     بالرُّغم من الأيّام السوداء التي تلفّ عالمنا وشرقنا، لا بدّ من التغلّب على الظُّلم والاستبداد، من خلال العمل المُتواصل والمُستمرّ، من أجل تثبيت “الحقوق”، من خلال الحوار والنِّضال والأمل، والرَّجاء والمُثابرة، بالمُطالبة “بالحقوق”، نابذين اليأس والإحباط.

      لنتكاتف معًا من أجل “إنسانٍ” يحافظ على “إنسانيّته”، كما أرادها الخالق بهيّة وجميلة. هل نحن على قدر الموهبة والمسؤولية؟ لنضغط على المسؤولين السياسيّين، والعاملين في كافة الدَّوائر الرَّسميّة التَّابعة للدَّولة، من أجل تطبيق القوانين وإعطاء الحقوق المُستحقّة لكلّ أفراد المُجتمع. علينا أن “نناضل” و”نناضل”.

      كفى إذلالاً… كفى تهميشًا…                                         

  الأب د. نجيب بعقليني

رئيس جمعيّة عدل ورحمة

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

الأب د. نجيب بعقليني

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير