Prof. Dr. Franz Vesely [CC BY-SA 3.0 de (http://creativecommons.org/licenses/by-sa/3.0/de/deed.en)], via Wikimedia Commons

الحرية الحقة تكمن في هذا…

ينقلنا فروست، المتخصص في لاهوت الكرازة، إلى فيينا – أوروبا، في الفترة التي سبقت الحرب العالميّة الثانية: ثلاث أطباء نفسيين من أصل يهودي أرادوا التبحر في المحفّز الرئيسي الذي يدفع الإنسان نحو الحياة.إثنان منهم كانا معروفين و شهيرين أما الثالث فكان شاب […]

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ينقلنا فروست، المتخصص في لاهوت الكرازة، إلى فيينا – أوروبا، في الفترة التي سبقت الحرب العالميّة الثانية:
ثلاث أطباء نفسيين من أصل يهودي أرادوا التبحر في المحفّز الرئيسي الذي يدفع الإنسان نحو الحياة.إثنان منهم كانا معروفين و شهيرين أما الثالث فكان شاب مبتدىء في أول طريقه.
و بعد دراسة، خلص الأول، و يدعى سيغموند فرويد، الى إستنتاج مفاده أن المحرّك الأساسي في البشر هي اللذة، و حاجتنا لها تفسر كيف نعيش و لماذا نفعل ما نفعله.
أما الثاني، و هو ألفريد أدلر، كان قد أمضى أيضاً سنوات في دراسة السلوك الإنساني.وقد وصل الى خلاصة يخالف فيها وجهة نظر فرويد. فقد إقتنع أدلر أن بيت القصيد في شرح السلوك البشري هو القوة. وأن كل واحد منا يكبر مع عقدة نقص و يشعر أنه عاجز… لتصبح الحياة مسرح لعرض القوى، و إكتساب الشعور بأننا على قدر من الأهمية.
كان الطبيب الثالث شاب اسمه فيكتور فرانكل، يأمل أن يسير على خطى معلميه. ولكن قبل أن تبدأ مسيرته بكسب أي زخم بدأت الحرب العالمية الثانية. و إستدراكاً للخطر النازي على اليهود إستطاع العالمين فرويد و أدلر، بفضل شهرتهما، الهروب قبل غزو هتلر للبلاد. لكن فرانكل لم يحالفه الحظ، وألقي القبض عليه و رمي في معسكر اعتقال نازي لمدة أربع سنوات كانت طويلة و شاقة.
بعد انتهاء الحرب، تم تحرير السجناء من معسكر الاعتقال ، وإستأنف فرانكل مسيرته كطبيب و محلل نفسي. و لكن خبرة السجن قلبت جميع المقاييس… فكسجين، لاحظ فرانكل شيئاً غريباً جداً: إن الناس الذين إستطاعوا النجاة لم يكونوا ممن توقعهم من أصحاب الصحة الجسدية الصلبة !! فكثير ممن كانوا بدنياً أقوياء ماتوا و الأكثر ممن كانوا هزيلين و ضعفاء من حيث البنية إستطاعوا النجاة.و كان الطبيب الشاب يتساءل و يبحث عن سر هذا الصمود و المحرّك لحفظ الحياة في هذا الجحيم الذي لا يطاق!!
وأخذ فرانكل يفكر في نظريتي معلميه: مبدأ اللذة لفرويد لا يمكن أن يفسر هذه الواقعة :ففي هذه الأربع سنوات اليائسة والرهيبة في المعسكر لم يعرف السجناء سوى الألم و المعاناة و التدهور . تغيب “اللذة” من مفردات عيشهم اليومية و لا يمكن أن تكون السبب في بقائهم على قيد الحياة.
ثم إنتقل فرانكل محلّلاً نظرية أدلر عن القوة و السلطة على إنها حاجة إنسانية أساسية. و لكنها لم تبلي حسناً في هذه الحالة: ففرانكل وزملائه السجناء كانوا عاجزين تماماً خلال فترة وجودهم في معسكرات الاعتقال. كل يوم كانوا يواجهون فوهات البنادق الملقمة ، يعاملون كالحيوانات… لم يكن لديهم لا القوة و لا السلطة للتحكم في أدنى حقوق حياتهم!!
و عليه خلص فيكتور فرانكل الى نظريته الخاصة.فالفارق بين أولئك الذين نجوا، وأولئك الذين لقوا حتفهم كان الرجاء . أولئك الذين نجوا لم يتخلوا أبدا عن اعتقادهم بأن حياتهم تلك في المعتقل، وعلى قسوة شروط إستمرارها، تحمل معنى. كان الناجون مدفوعين بشكل رئيسي ب”السعي لإيجاد معنى لحياتهم”، وأن هذا الحس بالمعنى هو الذي يمكّن الإنسان من التغلب على التجارب المؤلمة.
و كثيراً ما تختلط علينا الأمور…. وغالباً ما نعتبر أن اللذة و المتعة أو السلطة هي المحرّك الأساسي لعيشنا. و غالباً ما تأخذ تلك حجم الألوهة في حياتنا!! فيصبح كل شيء مباح لأرضاء إله اللذة. و تسقط الإنسانية على قدمي إله السلطة وتكثر الأضاحي من “أخوة يسوع الصغار”…. و ليس من المستغرب أن نرى يوماً وجوهنا الشخصية بين الأضاحي تلك!!!
أوصى فرانكل الذي أصبح مدرسة في التحليل النفسي ، بأن يُقابَل تمثال الحرية، الموجود على الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية، بتمثال المسؤولية على الساحل الغربي!! لقد أصاب الطبيب… فلا تقوم حريّة الإنسان على القيام بما يريد!! إنما الحرية الحقة هي القائمة على مواجهة الموت، لا الموت الأخير، بل ذلك الموت اليوميّ الذي تفترضه علينا أصنامنا. الشيء الوحيد الذي يعطي قيمة لحياتنا هو البحث، لا عن سلطة أو لذة بل عن معنى!! و تبقى أعمق معاني الحياة هي بإختبار البركة حيث يسمع الإنسان نداء الله له بأن يكون واقعاً مخصباً بحبه الأبدي …. يقول كتاب أعمال الرسل أن ” الله صنع من دم واحد كل أمة من الناس لكي يطلبوا الله لعلهم يتلمسونه فيجدوه، مع أنه عن كل واحد منا ليس بعيدا…ففيه حياتنا و حركتنا و كياننا” (أع 27:17-28 ). فعلّ كل منا يجد المعنى في النموّ في معرفة الله والاستجابة له، لأنه بهذا تنطلق مسيرة حياتنا من اللعنة إلى البركة….

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

أنطوانيت نمّور

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير