الصوم والمشروع التوافقي بين الأديان

بقلم حبيب محمد هادي الصدر، سفير جمهورية العراق لدى الفاتيكان

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

روما، الأربعاء 24 أغسطس 2011 (Zenit.org) –     كلما حل علينا (رمضان) بزخمه الايماني أرخى على العباد جدائل أشواقه ووداده. فترى الخلائق تنشق الحب في اجوائه وتجتني اللقمة الرضية على موائده وتتجاذب الهدي القويم في مجالسه. وموسم الصوم هو موسم للتواصل والحوار والالفة الحقيقية مثلما هو فرصةً لترويض النفوس وتنوير البصائر وامتدادات هذا الشهر المعطاء وبركاته قد تجاوزت حدود الجغرافية والعرق والدين ليضم بين جنباته كل المؤمنين ممن فرض الله عليهم فريضة الصيام كل حسب الطريقة التي أوردتها الكتب المقدسة وبناء على هذا المنظور فإن الصيام يمكن أن يشكل أرضية مشتركة ينطلق منها لايجاد المقاربات المطلوبة بين اتباع الديانات السماوية كبديل حضاري منطقي عن كل أشكال التشاحن والتنابذ الذي عوّل عليه المتطرفون زمناً طويلاً في تدمير الجسور العديدة التي أوجدتها شرائع الله للتفاهم والتوافق بين المؤمنين. فمن غير الحوار الرصين المستوحى من المنابع الالهية الاصيلة ليس بمقدور البشرية اليوم أن تنفض عنها غبار الجهل والتعصب وبدونه سيبقى هذا العالم الفسيح مأزوماً جالساً على فوهة بركان. وكل يوم يمر بدون حوار معناه أننا نمنح ذوي الغرض السيء فرصة لتسويق مخططهم التفريقي الخبيث وما ينجم عنه من سفك لدماء بريئة يتوجب إدخارها لأجل تقدم الأنسان ورخائه واستقراره. الأمر الذي يفترض أن يحفزنا على الاسراع بإجراء تفاهمات على مستوى العالم لصياغة منظومة قيم اخلاقية ترسم إطاراً للسلوك والتعامل الانساني والتعايش السلمي بين مختلف الامم والاجناس والاديان والحضارات . اي تأسيس نظام أخلاقي عالمي متطور للتفاهم الانساني الذي هو ضرورة ملحة لمواجهة تحدياتنا الراهنة وفي مقدمتها التهديد الذي يجسده الارهاب والتطرف وكذلك الازمات الاقتصادية والتحللات القيمية والتفككات الاسرية وتداعيات التدهور البيئي وغيرها. وحسبي أن مواسم الصيام وما توفره من مناخات روحية هي مناسبات مثلى لتبني مشاريع رائده كهذه.      

  سنطوي رمضاننا هذا وسنرقب رمضاناً جديداً ودولاب الزمن يدور. وأنت ايها العراق الشامخ المقدس ما برحت مستقرك في مواطيء الروح وإذا ما باعدت بيننا المسافات يظل إسمك الزاهي يعطر كل الشفاه ويحتل أول السطور ويبقى مرآك البهي تنتشي به كل العيون فو الله إن راهن أعداؤك على تمزيقنا شيعاً وتفريقنا نحلاً فليكن صومنا المشترك هو الذي يجمعنا تحت خيمتك الواسعة.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير