العذراء مريم بين البشارة وحب الثالوث

لقد أهدى الله العلي للعالم والبشرية والكنيسة بشكل خاص أماً حنونة عطوفة هي العذراء مريم،ولقد أهدت مريم العذراء البشرية وللعالم وللكنيسة شخص يسوع المسيح الإله المتجسد المخلص والفادي.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

والحديث عن قيمة الهدية المعطاة من قبل الاثنين لا يوصف بالكلام ولا توجد لغة على الأرض تستطيع أن تعبر عن قيمة الهدية المعطاة لنا سواء من قبل العذراء للعالم أو من قبل الله للعالم.

والكتاب المقدس به نصوص قليلة تتحدث عن العذراء مريم ولكننا نشتم رائحتها في كل تعليم أو تصرف ينبع من المسيح،  كما نرى تأثيرها في شخصية الرسل الاطهار ، وفوق ذلك علينا أن نكتشف الكثير من هذا القليل، لأن هذا القليل يحوي في طياته الكثير من المعاني.

  البشارة بحسب لوقا 26:1-32

البشارة هي خلاصة فكر طويل وعميق من قبل الثالوث الأقدس، لحظة ناتجة عن تفكير أزلي بين الأقانيم الثلاثة، وبعد هذا جاءت لحظة تنفيذ خطة الله الخلاصية بالتجسد، وحينئذ كان لابد من إرسال الملاك ليبشر العذراء.

البشارة هي خلاصة واكتمال الزمان

أن البشارة بهذا الشكل لم تكن وليدة اللحظة أو الساعة ولم تأت بشكل عشوائي، ولكنها جاءت في زمن النضوج والاكتمال الذي رآه الثالوث الأقدس.

“ولما جاء ملء الزمان أرسل الله أبنه مولوداً من امرأة ليكون تحت الناموس ”   غلا 4:4.

معنى هذه الآية هي أن البشارة جاءت في زمن مناسب ومعين ومحدد من قبل الثالوث الأقدس، جاءت في زمن نافع لعمل الخلاص، وعلينا أن ندرك أن الله لا يُفرض وقتاً معيناً، لأنه يرى الوقت والزمن المناسب والذي يختاره ويحدده للقيام بأعماله العظيمة لأجل الإنسان،

البشارة هي ناتجة عن اختيار.

حقيقة أن مبدأ الاختيار هو مبدأ كتابي لا شك فيه فالله اختار إبراهيم وليس غيره، ونسله من بعده أختار موسى، إيليا، يعقوب، وأشعياء الخ.

أختار الله من بقية الباقية أسرة حنة ويواقيم التي تأتي منها العذراء مريم أم الخلق أجمعين .

لا نتسرع ونلوم الله لأنه لديه مبدأ الاختيار، لأنه لم يحرم أحد ولم يمنع أحد من أتباعه أو أن يكون ضمن المختارين.

وكما أن إبراهيم دُعيّ أبو المؤمنين لأنه آمن بوعد الله فالعذراء مريم هي أم المؤمنين” فطوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب “( لوقا 1/ 45 ) ولأنه فيها تحقق وعد الله والقديس بولس يوضح لنا مبدأ الاختيار فيقول :

“أولئك الذين دعاهم حسب قصده، فالذين سبق فأختارهم سبق فعينهم ليكونوا على مثال صورة أبنه حتى يكون الأبن بكراً لأخوة كثيرين” رو 28:8-29.

البشارة تُظهر مدى ومقدار محبة الثالوث للعذراء.

(لو 1: 35): فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ.”  فالآب استخدم قدرته والتي هي قدرة الحب، وقوة الحب، والروح القدس، استخدم قداسته  ونعمته ليجعلا من العذراء مريم مسكناً طاهراً نقياً لائقاً بالإله المتجسد ولكي تصير مريم السماء الثانية للمسيح.

الثالوث يهتم بالعذراء مريم ويُظهر لها حبه منذ اللحظة الأولى من الحبل وليجعلها سماء ثانية تليق بالأقنوم الثاني المتجسد الذي هو المسيح، فحبل بها بلا دنس، فالعذراء ليست مجرد فردوس أرضي، بل سماء ثانية حقيقية هي وطن حقيقي لله لأنها تحتوي في أحشائها أبن الله الحي. السماء تعني في تفكيرنا هي المكان المتسامي اللائق بالحضرة الإلهية وهكذا العذراء مريم تكون بنفس المفهوم لأنها موضع أبن الله المتجسد.

البشارة تُظهر لنا مدى الحرية التي منحها الثالوث للعذراء.

رغم اهتمام الله بها اهتماماً خاصاً وجيداً فجعلها بريئة من الخطيئة الأصلية، ولكن هذا لم يمنع أبداً من احترام الله للإرادة والحرية لمريم وذلك إذا أرادت مريم أن تقول لا  تقول.

الحب يتسم دائماً بالاحترام والتقدير لشخص وكيان الآخر وهذا ما يتسم به الله لأنه محبة، ولا إكراه في المحبة، قد لا تكون مريم حرة الاختيار فيما صارت عليه من براءة وطهارة ونقاء وقداسة، ولكنها حرة الاختيار في أن تكون أماً للمسيح أم لا، والقديس أغسطينوس قد عبر عن هذا المبدأ في قضية متشابهة وهي أن الذي خلقك بدون إرادتك لا يستطيع أن يخلصك إلا بإرادتك .

البشارة تُظهر لنا دور العذراء مريم الحقيقي.

إن دور العذراء مريم في البشارة مزدوج، فهي تتخذ جانب الله لأنها تعمل معه بقبولها هدية تجسد المسيح منها، وفي نفس الوقت تمثل الجانب البشري، حيث أن البشرية جمعاء تصرخ متألمة منتظرة الخلاص والتي لابد أن تساهم من جانبها بشيء لأجل خلاصنا.

إن مريم أعطت الإجابة التي كان يجب على كل إنسان أن يعطيها، أن العذراء مريم ظهرت في الوقت الذي كان فيه الإنسان لا يستطيع أو يقدر أو أن يفهم ماذا يريد؟  وماذا يرفض؟ وما قيمة هذا الشيء المفروض أو المطلوب من قبل الله؟

يجب أن نحترم ونكرم ونطوب طوال الاجيال العذراء مريم لأنها باسمنا تحدثت مع الله وباسمنا أعطت الإجابة المطلوبة منا لله. وكأن الله كان يعرض مساعدته على بشرية يائسة غارقة في أوحال الخطيئة والظلمات ويعرض عليه ذاته هل محتاجين إلىّ أم لا؟ هل تقبلوني لديكم أم لا؟

البشارة هي أن المصالحة بين الله والإنسان تمت في أحشاء العذراء مريم قبل أن تتم على الصليب.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

الأب بيوس أدمون فرح الفرنسيسكاني

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير