Pixabay CC0 PD

المناخ يتغيّر…. وأنت؟؟

البيئة والأخلاق

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

مقدّمة

كلّنا نسمع أنّ المناخ يتغيّر، ولكن ربّما لا نسمع كثيراً هل أنت تتغيّر أو هل أنا أتغيّر ؟ هل من الضروريّ دائماً أن تحدث الكارثة كي أشعر بأنّ عليّ أن أعمل شيئاً أو أن أغيّر طريقة إستعمالي للأشياء ؟ هل أنا واع لما يحصل من حولي على صعيد البيئة ؟ الكلّ يريد أن يدافع عن الطبيعة وعن المناخ وعن كلّ الخليقة، ولكن لا تزال الخطوات بطيئة وخجولة لإيجاد الحلول الناجعة والمفيدة. ما هي مسؤوليتنا الأخلاقية تجاه العالم حيث نعيش ؟ على أيّ أساس نوجّه عملنا البيئي ؟

لا شكّ أنّ الأمور لا تسير على ما يرام في عالمنا اليوم. كلّ العلامات تشير أنّ هناك أزمة بيئيّة، وعدم توازن في الطبيعة له تأثيراته على حياة الإنسان وعلى كلّ المخلوقات الحيّة. لكنّ الأزمة بحدّ ذاتها ليست كارثة أو شرّاً، على الرغم من خطورتها. إنّها بالمعنى الدقيق للكلمة عارضاً يسلّط الضوء على أنّ هناك أموراً لا تسير على ما يرام. إنّ بيتنا المشترك، أي عالمنا وبيئتنا، يمرّ بمشكلة يتحمّل الإنسان فيها قسماً كبيراً من المسؤوليّة من خلال ممارسات لم يخضعها لرقابة الضمير والقانون، ممّا يستدعي تغييراً جذريّاً في سلوك الإنسانيّة.

مفهوم الأزمة

إنّ كلمة أزمة krisis  لها عدّة معان. فهي تعني الفصل، التمييز الإختبار، القرار. باللّغة اللاتينيّة لها معنى القرار، أمّا في الفرنسيّة فهي مصطلح طبّي أصبح يُستعمل فيما بعد في المجال الأخلاقي ليدلّ على موقف حرج. من هنا كان التركيز على فكرة الفوضى وعدم التوازن العميق في مجال معيّن. إنّ الأزمة تعني الوقت المحفوف بالمخاطر واللّحظة الحاسمة. فيما يخصّ موضوعنا، الأزمة البيئيّة هي مرحلة خطيرة فيها إضطرابات كثيرة وعدم توازن.

ولكن كلمة krisis لها معان أخرى : الحكم، التحدّي، التقييم والحلّ. بمعنى أنّ هناك مرحلة صعبة نمرّ بها على المستوى البيئي ممّا يتطلّب منّا حكماً على طريقة عيشنا وتقييماً لما نقوم به من أفعال. إنّ سلوكيّاتنا الغير منطقيّة تجاه الطبيعة تفرض علينا إحترام قوانينها الخاصّة. وكلّ محاولة لتخطّيها هو إنتحار وموت للطبيعة ولنا. إذاً عندما نتكلّم عن الأزمة البيئية نفهم بأنّ الإنسانية هي في مرحلة حاسمة من مسيرة نموّها وعلى مفترق طرق يفرض عليها أن تأخذ المواقف الواضحة والحاسمة وتقول في أيّ إتجاه تريد أن تذهب. فقد أكّدت الإختبارات بأنّ التقدّم الحاصل على المستويات كافّة، بدون حدود واضحة، يتطلّب إعادة توجيه المسار من أجل إعادة التوازن الحي منعاً لأيّ إضطرابات مؤذية للحياة.

أعتقد بأنّ الأزمة البيئيّة تدعونا إلى مسيرة توبة أي إلى قراءة واقعيّة وشجاعة وبدون مغالاة ولا رياء لما قمنا به حتّى اليوم من خطوات وإنجازات لمحاولة فهم العوامل التاريخية التي ساهمت بإيصالنا إلى هذه المرحلة والقيم التي استعملناها لنحصل على الثمار الحالية، من أجل التطلّع إلى آفاق جديدة واستنباط طرق جديدة تساهم في إعادة التوازن. تدلّ الأزمة البيئيّة على ضرورة التغيير وتحمل لنا وعداً بمستقبل أفضل وبإمكانيّة شفاء. إنّها فرصة لنا  لإكتشاف ضعفنا وسوء إدارتنا ومعرفة ذاتنا أكثر وموقعنا في هذا العالم لكي نتعلّم كيف نكون أكثر حكمة في حياتنا.

المحافظة على البيئة

  • إنّ أساس إيمان شعب الله هو الإختبار الحيّ لحضور الله والوعود المرتبطة بالعهد الإلهي. نظر الشعب الإسرائيلي للعالم على أنّه هبة من الله ومشروع موكل لمسؤوليّة الإنسان. بحيث يمكن للإنسان أن يحوّل العالم بعمله.
  • إنّ علاقة الإنسان بالعالم تلِد كثمرة علاقة الإنسان بالله. ولا يمكن للإنسان أن يجد حقيقته الذاتيّة إلّا بحوار مع الله. الخليقة هي محطّ مديح في صلاة الشعب (مز 104/24) والخلاص مفهوم كخليقة جديدة (أشعيا 65/17)
  • يطلب الرب يسوع من تلاميذه الثقة بالله الآب (لو11/11-13). فالتلميذ ليس عبداً للأشياء بل يستعملها ليتشارك وليعيش الأخوّة (لو 26/9-13). أسّس يسوع لعالم جديد، لمصالحة بين الله والإنسان والطبيعة (كول 1/15-20).
  • يمكن للإنسان أن يتسلّط على الخليقة بذكائه ولكن بشكلٍ مسؤول. فكلّ ما تزداد سلطته تزداد مسؤوليّته. الكنيسة ليست ضدّ التقنيّات التي تساهم في المعالجات وهي تشجع على العدالة في التنفيذ وعلى الإنتباه إلى الطبيعة وإلى غاية كلّ تقنيّة التي هي خدمة البشريّة والمبادئ الأخلاقيّة. النقطة الرئيسة في كلّ تطبيق علميّ هي إحترام كرامة الشخص وكلّ المخلوقات الحيّة.
  • إنطلاقاً من هذه المبادئ تفهم الكنيسة أنّ التطوّر ليس فقط مسألة إستهلاك وأنّ الموراد ولو كانت غنيّة تبقى محدودة. فلا يمكن تفضيل الفعل والكسب على الكائن ولا يمكننا محو مسؤولية الإنسان. كما لا يمكننا أن نقضي على الإختلاف الكيانيّ والعمليّ بين الإنسان وبقيّة الكائنات. فالنظرة إلى الأمور دون أيّة مرجعيّة سامية تبقى ناقصة. إنّ هويّة الإنسان الذاتيّة، ولو كانت مستقلّة فهي ليست بمعزلٍ عن الخليقة التي لا يجب ولا شكّ تأليهها. إنّ البيئة هي خير جماعيّ وواجبٌ عامّ يجب إحترامه. من هنا ضرورة الوضوح في القرارات المأخوذة وإحترام مبدأ أخذ الإحتياط أمام إكتشافات وطرق تصرّف لا ندري تماماً نتائجها. كلّ هذا يتطلّب إحترام rythme الطبيعة، خاصّة وأنّنا بِتنا نعرف أنّ بعض الثروات محدودة والبعض منها متجدّد، وتشجيع تبادل المعرفة العلميّة والنفسيّة بين الشعوب لما فيه خير الجميع.
  • إن هذه الأزمة البيئيّة هي فرصة لنا لإعادة إكتشاف الطابع المقدّس للطبيعة وبعدها الروحي. من خلالها يتجلى أيضاً سمو الله وعمل روحه القدوس. الكلمة صار جسداً : أخذ الرب جسداً من هذا العالم فهو إذاً سرّ ينجلي من خلال المحسوس والمنظور وهو اللامحسوس واللامنظور. فيصبح العالم مكان ظهور وفسحة لقاء.
Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

الخوري شربل شلالا

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير