wikipedia.org

بين الوحي المسيحيّ والثقافة المعاصرة. بنوّة يسوع أم أسطورة الجنس الثالث لأفلاطون!

تصلني إنتقادات كثيرة عن : لماذا تستعمل تعابير لمقالاتك تكون محيّرة ، وأكثر الأحيان ، صعبة ! بحيث يحتارُ القارئ فيها ، بما تملكه من لاهوت ثقيـــــل !! في الحقيقة ، لقد تعبنا من ” السهولة المفرطة ” ! . ولقد تعلّمت […]

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

تصلني إنتقادات كثيرة عن : لماذا تستعمل تعابير لمقالاتك تكون محيّرة ، وأكثر الأحيان ، صعبة ! بحيث يحتارُ القارئ فيها ، بما تملكه من لاهوت ثقيـــــل !! في الحقيقة ، لقد تعبنا من ” السهولة المفرطة ” ! . ولقد تعلّمت ، منذ بدأت الكتابة ، أن أضعَ ، فيما بين الأسطر وما بين الكلمات سرّا ، على القارئ إكتشافه . ولهذا ، لا أحبّذ أبدًا المواضيع والمقالات السهلة وكأننا نقرأ ” صحيفة اليوم ” !! .
في هذا المقال الجديد الذي اخترته لكم .. ترونَ بون شاسع بين التعبيرين أعلاه ” بنوّة يسوع – اسطورة الجنس الثالث لأفلاطون ” . لكن ، بعد القراءة ، سترون كم أنّ إستعمال تعابير تحرّك العقل والفكر والبواطن ، هو مفيدٌ جدّا . وكم أنّ القضيّة ليست صعبة كما ترون .
ما هي أوّلا أسطورة الجنس الثالث التي تعود إلى ” وليمة أفلاطون “؟
هي التي تميّز بين ثلاث فئات من البشر : جنس الرجال وجنس النساء وهما قليلا العدد ، وجنس ثالث يجمع الاثنين في كائن واحد (باليونانيّة : Androgune) . كان يتميّز ذلك الجنس الثالث بقوّة مهولة وبعجرفة بالغة ، حتى إنّه كان يُهدّد الآلهة ، ما دفعَ زِفس ، إله الآلهة ، إلى قطع كلّ كائن بشريّ شقين حتى تقلّ قوّته ؛ وعليه ، كان هاجس كلّ شقّ أن يبحث عن نصفه الثاني الذي يكمّله : الرجال المزدوجون أصلا ينجذبونَ إلى النساء ؛ والنساء المزدوجات أصلا ينجذبنَ إلى الرجال ؛ وأما الرجال أصلا فينجذبونَ إلى الرجال أو إلى الأطفال الذكور إنجذابــــًا جنسيّا (مثليّا) ؛ والنساء أصلا ينجذبنَ إلى النساء إنجذابـــًا جنسيّا مثليّا. ما الذي تعبّر عنه فعلا ” اسطورة الإنجذاب الجنسيّ هذه ؟ ”
أوّلا : إنّ ” الكليّة ” عنصر هامّ في الحضارة المعاصرة ، وهي تعني (الإكتفاء الذاتيّ ) بدون الإعتراف بــ ” النقص الانطولوجيّ – أي الكيانيّ ” ، وبدون قبول العوز ِ إلى الآخر المختلف ، سواء أكان ذلك الآخر المختلف الإنسان الذكر أو الأنثى ، أم الله نفسه .
ثانيا : إن الأسطورة توحي بأنّ البنية العاطفيّة مزدوجة الأصل – ذكريّة وانثويّة معًا في كلّ كائن بشريّ – لا واحدة – إمّا ذكريّة وإمّا انثويّة – ؛ ومن ثمّ ، فإن الإختلاف المُجنّس غير أصيل . وذلك يشرح بالفعل في عالمنا المعاصر التيّارات ” المِثليّة الجنسيّة ” التي لا تفرّق بينها وبين ” الغيريّة الجنسيّة ” ؛ إذ إنهما ، في نهاية الأمر ، نسبيّتان لا أساسيّتان.
ثالثا : إنها توحي بأنّ ” لكلّ كائن نصفه المفقود والموجود في مكان ما من العالم ” ، فيبحث عنه إلى أن يجده ؛ وإن ارتبطَ بغيره ، فإن ذلك الرباط يفشل حتمًا ، حتى يجد نصفه المفقود . وذلك يشرح بالفعل الإرتباطات الجنسيّة المتعدّدة والطلاقات الكثيرة في عالمنا المعاصر .
إنّ تأثير تلك الاسطورة في  الثقافة المعاصرة ، بالغٌ ، حتى إنّ بعض علماء الإجتماع وصفوه بــ ” ثورة الجنس المزدوج ” التي تسعى لتلاشي الفرق بين الجنسين ، لأنّ الإختلاف الجنسيّ ثقافيّ أخلاقيّ وإذن ، نسبيّ ، لا طبيعيّ دفين ، وإذن لا جوهريّ أصليّ . وعليه ، فإنّ العالم المعاصر الذي يغايره (الوحي المسيحيّ ونظرة يسوع ) ، يستبدلُ أدوار الجنس الواحد بالآخر ، والموضة الواحدة للجنسين معًا ، والمرأة تترجّل ، والرجل يتأنّث.
إنّ تأثير تلك الاسطورة بالغٌ في القدم ، حتى إنه لم تخلُ بعض التيّارات المسيحيّة المتطرّفة – كالغنوصيّة السريّة أو المنحولة – من التأثّر بتلك الأسطورة ، إذ كانت تُظهر الكائن البشريّ يتألم من الوضع المجنّس ، ما يدفعه إلى اشتياق الكمال الأوّليّ المفقود قبل التمييز بين الذكر والانثى .
وجوديّة الوضع البنويّ
إن الشخص ، كونه ابنا أساسًا (على صورة الله) ، يختبرُ منذ سني طفولته الآولى الإزدواجيّة التجنّسية والتكامل بين الجنسين الذي تتضّمنه . نرى في صورة الثالوث الأقدس ، تبادلٌ وعطاء وإقتسام وغيريّة وبذل للذات . هناك رقصة دائريّة ، أو سير دائريّ ، أو حضورٌ بتداخُل متبادل ، إنه يعطينا سرّ التمييز / الوحدة.
تبادُل العطاء ، سمةٌ انطولوجيّة (كيانيّة) متأصلة في الكائن البشريّ ، ودفينة في أعماقه  . في سرّ ” بنوّة يسوع للآب ” ، يكشفُ لنا سرّ البذل والعطاء والتبادل في العلاقة بينه وبين الآب ، وبينه وبين تلاميذه (خاصّة في العشاء الأخير ) ، إنه عندما ” ينزِلُ ويغسل الأرجل ” ، فإنه يعطينا حقيقة الكيان الأصيلة (إنها حقيقة التخلّي والعطاء الكامل الوجوديّ ) ، فهذا هذه اللحظة التاريخية التي تتحوّل إلى ” لحظة إلهيّة ” ، ينكشفُ سرّ الله وسرّ الإنسان .
عبّر يسوعُ عن تلك الحقيقة الأنطولوجيّة والوجوديّة في آن واحد ، عندما دعا الإنسان إلى أن يفقد حياته – أي أن يبذلها ويعطيها – ليجدها ( لوقا 17 : 33 ، يوحنا 12 : 25 ) . عندما يدعو يسوع إلى ذلك التخلي والعطاء ، هذا يكشفُ أنّ له علاقة أصيلة – وجوديّة وأنطولوجيّة – مع الآب . وهو في ذلك ، بكر لأخوة كثيرين . إذن ، يكسرُ يسوع ، في سرّ بنوّته ، صدى الاسطورة الأفلاطونيّة ، التي يغرقُ فيها عالمنا المعاصر إلى الآن .

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير