Pixabay CC0

تسلّل العصر الجديد في الكنيسة (31)

رأي كاثوليكي في التنمية البشرية (8)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بعض معايير التمييز Discrimination Criteria

يطرح موضوع تنمية القدرات البشرية عدّة إشكاليات، خصوصًا عندما يكون مخترقًا من تعاليم غريبة تتناقض مع الإيمان المسيحي. ما يجعلنا أيضًا نطرح عدّة تساؤلات منها: إذا مارسنا تقنيات التنمية البشرية، هل نحن نسعى إلى ملكوت الله أم إلى ملكوت الإنسان؟ هل نحن خُلقنا على صورة الله أم على صورة الإنسان؟؟  

وهل نحن نستبدل “البشرى السارة” أيّ بشرى الإنجيل، عن غير قصد منّا، بـ”المعرفة السارة” التي بشّر بها نيتشه؟

ضرورة التمييز

 درج في السنوات الأخيرة، ما يُسمّى بحركة التنمية البشرية في الأوساط الكاثوليكية، وأصبحت بعض تقنياتها منتشرة في الرياضات والنشاطات الرعوية ويُدرَّس بعضها في معاهد التنشئة اللاهوتية. منها ما له علاقة بمهارات التواصل وإدارة الوقت وتحفيز المواهب والقدرات وتنمية الذكاءات أو تفعيل إنتاجية العمل. كذلك في فنون القيادة وعمل الجماعة وفن الإلقاء والوساطة أو ما له علاقة بالمهارات التفاعلية والتواصل إلخ… لا شكّ أنّ مجمل هذه التقنيات مفيد للغاية ويساعد في الإدارة والتنشيط الرعويّيْن وفي الإرشاد الرعوي والعائلي وما شابهها.

نقرأ في كتاب “الكاثوليك والعصر الجديد” [1]Catholics and the New Age، للأب اليسوعي ميتش باكوا Mitch Pacwa, S.J عن اختراقات كثيرة للعصر الجديد في فكر وممارسات عدد من الإكليريكيين والمكرّسين في الكنيسة الكاثوليكية. ويعطي أمثلة عديدة عن انتهاكاتٍ تحصل في كنيسة أميركا الشمالية وغيرها.

كما يحدّثنا عن أنماط كثيرة من العصر الجديد تحاول التسلّل إلى الفكر الكنسيّ منها:

-ما يُسمّى بـ“الوعي الكوكبي” Planetary Consciousness الذي يعتبر كوكب الأرض نموذجاً جديداً للروحانية. ويقترح تغييرًا جذريًا للنماذج بهدف فهم أفضل للعالم. من هذا المنطلق، يرى أنّ كوكب الأرض هو أمّنا[2] بما أننا كبشر أُخِذنا من ترابه، وكوكب الشمس هو جدّتنا و”الكون” هو جدّتنا الكبرى!

مثلاً تطلق الأخت غبريال أوهلين Sr Gabe Uhlein[3], OSF[4] فرضيّة لا أساس علمي لها، كما يؤكّد الأب باكوا، تتكلّم فيها عن “وعيٍ إنسانيٍ جديد” وتدّعي قائلةَ:

“عندما يُعيد عددٌ كافٍ من البشر النظر في موقفهم تجاه كوكب الأرض، السلام، التناغم والعدالة، سيؤدّي هذا الأمر إلى أنّ كلّ شخص على الأرض، سيغيّر فجأة طريقة تفكيره. فالتغيير له علاقة “بنُخبة” من البشر تتقدّم في الطريق.”[5]

وتعتبر الأختُ غبريال نفسها هي و10 بالمئة من أخواتها، أنها تنتمي إلى تلك “النُخبة المغيّرة لنموذج العالم”. يعتبر الأب باسكوا أنّ ما تعرضه الأخت غبريال هو مزيج من الغنوصية والحلولية والعلم الكاذب. ويضيف أنّه بتأثير من هذا الفكر، نصحت بعض الأخوات طلّابهنّ بتأمّل الكريستالات من أجل تنمية قواهم الماورائية!

قوة الكريستالات والأحجار الكريمة Crystal power هذه مستوحاة من الإعتقاد بأسطورة قارّة الأطلنطس، تلك القارّة المفقودة التي ابتلعها المحيط، بحسب ادّعاء الإيزوتريكيين وأتباع العصر الجديد، والتي كان شعبها متطورًا جداً بفضل المعرفة الباطنية ومنها نشأت الحضارات القديمة كحضارة الفراعنة وبلاد ما بين النهرين. يعتبر عالم النفس الشاماني (الذي يمارس سحر الشامان) Harley Swiftdeer، بأنّ الكريستالات هي “الخلايا الدماغية والذاكرة للأم الأرض”[6]. لا شكّ بإنّ الحجارة الكريمة جميلة جدًا وهي مذكورة في سفر الرؤيا ( 21 / 18-21 ) كيف تزيّن أورشليم السماوية، إلّا أنّها ليست مصدرًا لأيّة قوّة ماورائية ولأيّ ذبذبات طاقةٍ كونيةٍ مزعومة كما يروّج العصر الجديد. يقول الرسول بولس في خطابه لأهل أثينا: “إذ نحن ذرية الله، لا ينبغي أن نظنّ أنّ اللاهوت شبيه بذهب أو فضة أو حجر نقش صناعة واختراع إنسان” (أع 17 / 29).

إعادة إحياء للأرواحية Spiritism تحت مسمّى الوسطاء الروحيون Channeling قد تكون بحسب رأيهم، روح ست Seth أو روح رمتا Ramtha  أو لازاريس Lazares أو غيرها من الأرواح المرشدة التي تستحوذ على الشخص ليُصبح في حالٍ من شبه الغيبوبة فينطق الروح فيه. وهذه ممارسةٌ ينهى عنها الله في الكتاب المقدس “لا تلتفتوا إلى الجان ولا تطلبوا التوابع فتتنجّسوا بهم أنا هو الرب إلهكم” (لا 19/ 31) وتعليم الكنيسة الكاثوليكية واضح بهذا الخصوص (بنود 2115-2116-2117). وقد تتسلّل هذه الممارسة من خلال رؤى خاصة لبعض المسيحيين أو من خلال الكتابة الأوتوماتيكية لدى من يدّعي الوساطة الروحية أو حتى من خلال جماعات صلاة مسيحية. مثلاً يذكر الأب باسكوا جماعة من الأرامل تمارس الأرواحية في مكتبة كاثوليكية في منطقة سكوكي، إللينوي.[7]

تسلّل المعتقدات الغريبة

أخذت حركة التنمية البشرية من العلوم النفسية التي محورها الإنسان وبعض العلوم الإنسانية الأخرى. ونجح تيّار العصر الجديد في السنوات الأخيرة، بإضافة معتقدات وممارسات مشبوهة إلى أغلب تقنياتها، كما ينفث السمّ في العسل. فاخترقتها معتقدات غريبة مثل: إنّ في الإنسان قدرات لا متناهية يستطيع بواسطتها التحكّم بالكامل في مصيره ومصير الخلائق والكون. وبإمكانه تحقيق كلّ ما يريده من خلال توجيه أفكاره بشكل إيجابي أو متى جذب إليه طاقة كونية ما ورائية هي أساس الحياة في الإنسان، وهي قادرة أن تستجيب لكلّ طلباته، الخ. في الحقيقة، إنّ كلّ هذه الأفكار تدعو إلى عبادة إله جديد لا شخصي، ألوهة مبهمة، طاقة كونية تتخلّل كلّ شيء. وهذه استوحاها العصر الجديد من عقائد مأخوذة عن ديانات الشرق الأقصى كالطاقة “تشي” Chi (أو كي أو برانا أو غيرها من التسميات) ومبدأ وحدة الوجود والحلولية. أو من تعاليم خفائية بخصوص الأجسام الباطنية في الإنسان وقنوات ومراكز للطاقة فيه وارتباطها بطاقة ما في الكون كما قلنا، أو من تعاليم باطنية إيزوتيريكية أسّست لها بشكلٍ كبير، التيوزوفية هيلينا بلافاتسكي، الملهمة الأساسية لتيّار العصر الجديد.

بالفعل، لقد نجحت هذه الحركة ابتداءً من سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، في استقطاب أشخاص وجماعات كثيرة في جميع أنحاء العالم، واستطاعت أن تجد لها أرضًا خصبة في مجال الأعمال وطموحات رجالاتها بتفعيل الإنتاجية والمهارات المهنية، لقوّة الشخصية، وتحسين الماركة الشخصية والتعاون الإيجابي في الجماعة. رُوّج لها بواسطة كتب بيعت بآلاف النسخ. ومن خلال مؤتمرات ومحاضرات وورش عمل في عطل نهاية الأسبوع، في مراكز العمل أو غيرها. هدفها أن تستبدل هوية ورؤية الأشخاص للعالم بنموذج جديد للواقع والهوية الشخصية أساسه فلسفات هؤلاء المنشّطين لهذه البرامج.

في الحقيقة هي برامج غسل دماغي وإعادة برمجة للعقل.

تقول الباحثة والتابعة السابقة للعصر الجديد، مارسيا مونتينيغرو Marcia Montenegro على موقعها Chistian Answers for the New Age، في موضوع تسلّل العصر الجديد في التنمية البشرية، إنّ في الولايات المتحدة مجموعة مشهورة اسمها Est هي إحدى النماذج الأصلية لحركة التنمية البشرية، تأسّست على يد شخص اسمه فرنر إيرهارد Werner Erhard مستوحيًا من مبادئ الديانات الشرقية ومن تعاليم بدعة كنيسة السيونتولوجي Scientology Church . عُرفت فيما بعد باسم Forum والآن هي تعرف باسم Landmark . وتقول إنّ هناك جماعات أخرى مشابهة مثل Lifespring التي أعلنت أنّ من أهدافها إعادة تصميم المسلّمات الحياتية الأساسية لكلّ إنسان، وأنّ هذا الإختبار، بحسب رأيها، قد يكون تحدّيًا مقلقًا على مستوى عالٍ. وتضيف “مونتينيغرو” أنّ من الروّاد الأكثر شعبية لهذه البرامج، ستيفن كوفي Steven Covey التابع لبدعة المورمون الذي اشتهر كتابه: “العادات السبع للأشخاص الأكثر نجاحًا”The seven Habits of Highly Successful People وابنه فرانكلين كوفي. وأنطوني روبنز Anthony Robins الذي روّج لبرنامج بعنوان: “أطلق الطاقة الكامنة فيك” Unleash The power Within ومؤلّف كتاب “أيقظ العملاق الذي فيك”.

  • يتبع –

لمجد الرب يسوع

[1] Mitch Pacwa, S.J., Catholics and the New Age, Servant Publications, Ann Arbor, Michigan,1991

[2] Gaia هذا ما يعرف في العصر الجديد بعبادة الأرض الأم وهي عبادة وثنية قديمة ويسمونها غايا

[3] الأخت غابريال أوهلين فرنسيسكانية، عالمة نفس ولاهوتية عضو في مركز كريستين وسكونسين. وهو مزار طبيعي للتعمّق الروحي والتغيير المتكامل.

[4] OSF: Open Society Foundation وهي مؤسسة تدعم جماعات من المجتمع المدني حول العالم، تسعى إلى العدالة وتحسين التعليم والصحة العامة والميديا المستقلة. مركزها في مدينة نيويورك

[5] Mitch Pacwa , Catholics and the New Age, p 153

[6] المرجع السابق، ص 155

[7] المرجع السابق، ص 156

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

جيزل فرح طربيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير