صلاة العشار

تأمل في قراءات القداس بحسب الطقس الملكي الكاثوليكي

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بقلم الأب سميح رعد

بروكسيل، 5 شباط 2011 (Zenit.org). – رجلان يصليان لإله واحد، وفي معبد واحد… ومع ذلك، كم هو الفرق شاسع بين معرفة كل منهما لنفسهما وللإله الحقيقي، و للصلاة الحقيقية!

         في بداية هذا الزمن الاستعدادي للصوم الكبير ، تضع الكنيسة أمامنا هذا النص المقدس لكي نفحص صلاتنا.

         لنتأمَّلن في صلاة الفريسي، لعلَّه يساعدنا في تصحيح نظرتنا لله ولأنفسنا ولصلاتنا.

         بالنسبة إلى الفريسي، الصلاة لها دور واحد ووحيد وهو أن يرضي الإنسان نفسه وأن يؤمِّن على نفسه. هذا الرجل يعتقد أنَّه رجل كامل وقديس ووقور. قد فعل كل شيء لكي على هذا القدر من القيمة والمكانة. بينما الآخرون في نظره يجازفون في تعاطيهم مع المال، لاسيما المال المحرَّم. الآخرون برأيه منغمسون في الأعمال اللا شرعية. لذلك فقد انعزل عنهم، ليحافظ على ما يعتبره طره ونقاءه.

         هذا الفريسي اختلطت عليه الأمور جيدًا، فلم يعد يميِّز بين سلام القلب والخلاص الحقيقي الذي يقمه الله. بالنسبة إليه إن القداسة هي مكافأة لصورة تتطابق مع ما صورها لنفسه عن نفسه وعن الله وعن الصلاة. القداسة هي عملية تجارية مربحة.

         بالنسبة إليه، هو الشخص الوحيد الذي يستحق محبة الله، أو هو الوحيد الذي يمكنه أن يصل إلى هذه المحبة. لذا عليه أن ينعزل عن الآخرين ويبتعد عنهم. هو وحده المحبوب من إلهه. إلهه ليس إلهًا للجميع. كما أن الآخرين ليسوا إخوة له، هم أشخاص علينا أن نراقبهم، فهم مذنبون لأنهم لا يطبقون الشريعة. لكي يشعر بامتيازه المصطنع أخذ يراقب ويراقب وكأنه رجل مصطفى، أتى من خارج الجماعة لكي ينقذها. هكذا وضع الله في خدمته لكي يمجد نفسه، لكي يمجده الله ويمجده الآخرون.

         يضع هذا الفريسي كل آماله وأحلامه في أفعاله: حساباته للهيكل صحيحة، صياماته الأسبوعية والسنوية ممتازة، صلاته سبع مرات في اليوم… كل شيء يسير كما هو مرسوم، بالتالي نجاحه أكيد.

         أغرب شيء في هذا الفريسي هو صلاته: “أشكرك يا رب أني أنا الوحيد في عينيك، أشكرك لأنك ميزتني وفرزتني عن الآخرين، أشكرك لأني لست مثل الآخرين، أشكرك لأنك منحتني نورًا أستطيع أن أرى نفسي مميزًا.”

         هذا الفريسي لم يتردد فقط في أن يظهر في صلاته احتقار للآخرين وكل عدائيته لهم، بل أراد أن يظهر نفسه سيّدًا وما يحكمه هو عدل… حتى في حكمه على أفعال الآخرين وعلاقتهم بالخالق يعتبرها عدلاً وحقًّا… هو يجلس في الصف الأول، ولكنه أكثر من ذلك يتصور أن الله اصطفاه وأقصى الآخرين، وكأن قلب الله ضيّق ولا يسعه مع الآخرين.

         مرّت السنون والشهور والأيام، وسقطت معها كل أوهام هذا الفريسي.

         أمام الله لم تبق إلا صلاة هذا الرجل العشار، لأنها صلاة نابعة من قلب صادق. فتحت لنا صلاته مسيرة سلام داخلي. علمتنا أن نضع أنفسنا في الموقع الصحيح أمام ذواتنا وأمام الله وأن نفهم المعنى الحقيقي للصلاة. كلنا متساوون في الخلق، وإلهنا واحد وما الصلاة إلا تعبير عن المحبة المتواضعة. علمتنا أن الخلاص يبدأ بالاتضاع.

         لنصلي إلى الله لكي يمنحنا نعمة الصلاة الحقيقية. آمين.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير