عظة البطريرك صفير بمناسبة تطويب الأب يعقوب الكبوشي

ساحة الشهداء / بيروت، الأحد 22 يونيو 2008 (). – ننشر في ما يلي العظة التي تلاها البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير خلال القداس الاحتفالي بتطويب الاب يعقوب الكبوشي في ساحة الشهداء في بيروت.

“حينئذ يسطع الأبرار كالشمس في ملكوت الله” (متى 13: 43)

“نحمد الله على أنه حقق الأمنية التي طالما صلت من أجلها “جمعية راهبات الصليب اللبنانيات”، وكثير من المؤمنين والمؤمنات في لبنان وسواه من البلدان. وهذه الأمنية هي رؤية صورة الأب يعقوب الكبوشي ترتفع على مذابح الكنيسة الكاثوليكية، بعد أن أعلنته الكنيسة المقدسة طوباويا. وقد جاء في هذا اليوم صاحب النيافة الكاردينال خوسيه سارايفا مارتنس، رئيس مجمع دعاوى القديسين السامي الاحترام، ليحتفل بالذبيحة الألهية شكرا لله على هذه النعمة، ويعلن رسميا باسم صاحب القداسة البابا بنديكتس السادس عشر، هذا الحدث التقوي التاريخي الكبير. وبعد أن كان مثل هذا الاعلان يجري في روما، عاصمة الكثلكة، أمر صاحب القداسة أن يجري التطويب في بلد الطوباوي، حضا للمؤمنين على الاقتداء بفضائله، ودفعا لهم على السير في طريق القداسة. وقد قال أحد االمفكرين المؤمنين الكبار: “هناك أسف واحد وهو ألا نكون قديسين”.

وقد أراد أركان الدولة اللبنانية، وعلى رأسهم فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان أن يحضروا هذا الاحتفال تقديرا منهم لفضائل الطوباوي الأب يعقوب الكبوشي، واستمطارا، بشفاعته، لنعمة السلام الذي يتوق اليه لبنان منذ سنوات.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

طريق القداسة ليست طريقا سهلة. وهذا ما أشار اليه السيد المسيح بقوله: “ادخلوا من الباب الضيق: لأنه واسع الباب، ورحب الطريق الذي يؤدي الى الهلاك، وكثيرون هم الذين يدخلون فيه” وقد اختار الأب يعقوب هذا الطريق الضيق منذ صباه. فمارس الفضائل المسيحية التي رأى أبويه يمارسانها، في بلدتهما غزير. وهذا ما دفعه الى دخول الرهبانية الكبوشية في مار أنطونيوس خاشبو في بلدته، وكان ابن ثماني عشرة سنة. وعاش مآسي الحرب الكونية الأولى. وقد امتاز بممارسته من الفضائل ثلاثا: الاستسلام للارادة الالهية، والبساطة المسيحية، وعمل الرحمة.

الاستسلام للارادة الألهية

كان الطوباوي الأب يعقوب الحداد شديد الايمان بالعناية الألهية. لقد قام بأعمال باهرة يقتضي لها مبالغ طائلة. وتسأءل الناس: كيف لهذا الراهب الفقير أن يجد هذه المبالغ الوافرة من المال ليقوم بما قام به من أعمال باهرة. فبنى المستشفيات، والمدارس، ودور العجزة، واستقبل من مرضى الجسد والعقل من ترفضهم سائر المستشفيات العادية. وغالبا ما كان يردد: “ان العناية الآلهية تساعدني. ان اتكالي على الله” وعندما سأله أحدهم: “كيف محاسبتك”.أجاب: “لا تحدثني عن محاسبتي.هذا أمر أجهله. محاسبي هو الله. ولا أحتفظ بشيء، وان ما يصل الى يدي أنفقه فورا في سبيل الفقراء”. وردا على سؤال طرحه عليه أحد الصحافيين، قال: “ان كل ما يعطيناه الله هو لله ولفقراء لبنان، وهو ليس لي، ولا لأهلي الذين يهتم بهم الله”. وقال لراهباته: “ان الفقراء هم شكات بأيدينا لأمر العناية الألهية. اذا فهمتن جيدا ذلك الذي يمثله الفقراء على الأرض، تخدمنهم وأنتن راكعات. ثقوا أن مصرف العناية عصي على الأفلاس”. كم كان اتكاله على العناية الالهية كبيرا!.

البساطة المسيحية

عاش عيش الفقر والتقشف والبساطة المسيحية، اقتداء بالقديس فرنسيس الأسيزي، وعملا بقول السيد المسيح الذي قال: “للثعالب أوجار، ولطيور السماء أوكار،أما ابن الانسان فليس له موضع يسند اليه رأسه”. والطوباوي قال: “تأمل فقر يسوع من المغارة الى اللحد (مولده – هربه الى مصر- شغله في الناصرة – ليدفع الجزية – الجلجلة). ان فقر ابن الله يظهر بكل فظاظته على الصليب حيث لا محل ليسند اليه رأسه، ولا نقطة ماء ليروي عطشه، ولا قطعة قماش ليغطي جسده، شرابه الخل، الممزوج بمرارة، وبالقرب منه جلادون يلقون القرعة ليتقاسموا ثيابه، في المغارة وجدت أمه أقمطة لتقي جسد الطفل من البرد، أما على الصليب، فالفقر المدقع، ابنها عريان” .
وفي وعظه تعمد السهولة، وهل أسهل من التعبير عن هذه النصيحة التي أعطى بموجبها أربع قواعد للتواضع فقال: “القاعدة الأولى: لا تنسب لذاتك شيئا أو صفة ليست فيك.
القاعدة الثانية: أن ننسب الى الله ما هو حسن فينا.
القاعدة الثالثة: لا تمدح نفسك أمام الناس.
القاعدة الرابعة: لا تعدد نقائص القريب لتعلي صفاتك” .

عمل الرحمة

جاء في كتاب الاقتداء بالمسيح: “قياس المحبة أن تحب دون قياس”. هذه كانت محبة الطوباوي الأب يعقوب. محبته للمنبوذين من الناس، الذين يأنف أقربهم اليهم من الاهتمام بهم، فاستقبلهم واحتضنهم وأشعرهم بأنهم بشر مفتدون بدم الحمل الالهي، وان مصيرهم العودة الى الله الذي منه أتوا. وقد جاء في إحدى كتاباته: “الباري تعالى هو رحوم صالح، لا عن اضطرار لأن قوة تضغط عليه، ولا بقصد الانتفاع، لأنه كامل لا يحتاج الى الخليقة، بقي أن نقول ان الله صالح من مجرد محبته إيانا وتعطفه علينا. هو اله جيد حتى نحو الأشياء التي لا يمكنها أن تقر بعرفان الجميل كالبقول، والنبات، والأشجار، والحيوانات. هو جيد حتى نحو الأشرار الذين يهينونه .
“انه يشرق شمسه على الأخيار والأشرار”.

إنا، وقد أسبغ الله علينا جميعا هذه النعمة، فأقام من بيننا طوباويا، كان يعيش مثلنا على هذه الأرض، ليدعونا جميعا الى الاقتداء بفضائله ولا سيما بالاتكال على العناية الإلهية، وعيش البساطة، والإقبال على أعمال الرحمة، نسأله تعالى، بشفاعة الطوباوي الجديد، الأب يعقوب الكبوشي، أن يحل سلامه الالهي في قلوب جميع اللبنانيين، ويوثق فيما بينهم روابط الاخاء والمحبة، ويهدينا جميعا الى الإقتداء بمثل هذا الطوباوي لنصبح يوما، بعد قضاء ما يكتبه الله لنا من عمر في الدنيا، في عداد القديسين”.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير