Message Aux Jeunes Des Antilles 2018 @ YouTube

قراءة في الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس المسيح يحيا

الجزء الأوّل

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

في بعض أخطار الإيديولوجيات والتيّارات الفكرية الجديدة التي تهدّد الشباب وتجرفهم نحو الإنحراف بعيدًا عن الإيمان المسيحي. منه ما له علاقة بالحداثة والتقدّم التكنولوجي والحضارة الرقمية وانحرافاتها، ومنه ما له علاقة بتقنيات السعادة الوهمية والعبادات الخاطئة للجسد وتأليه العقل. جميعها تقتلع الشباب من جذورهم فتدخلهم في دوّامة الصنمية القاتلة لإهلاك نفوسهم. 

لسنا هنا في وارد دراسة منهجية للإرشاد الرسولي “المسيح يحيا”. لكننا اخترنا بعض المقتطفات منه، لنلقي الضوء على انتهاكات بعض البدع، خصوصًا تلك التي لها علاقة بتيّار العصر الجديد وتفرعّاته والتقنيات الجديدة المفخّخة التي يعرضها على الشباب.

 كنيسة تجدّد شبابها بالعودة الى الجذور

يتعرّض الشباب في أيامنا هذه لتعاليم غريبة لا تمتّ إلى العلوم الحقيقية بصلة. منه ما له علاقة بتأمّلات شرقية من أجل الإسترخاء والحصول على السلام، منه ما له علاقة بتقنيات علاجية مشبوهة أقرب إلى الأرواحية والرقية والطلاسم والشعوذات، ومنه خلطات لشبه علوم أشبه بالوصفات السحرية،  لدرجة أصبح فيها شبابنا معرّضين بشكل دائم لفخاخ كثيرة كأنهم يسيرون في حقل ألغام! ولا يخفى على أحد، أنّ “قلّة قليلة” في العالم أصبحت تمسك بزمام الشبكات المعرفية والحياتية الأساسية الإعلامية والإقتصادية وافجتماعية الخ. وهي تبثّ سموماً وأكاذيباً ضمن منظومات مركّبة ومبرمجة غايتها واحدة: هدم الكنيسة وكل ما هو من حقّ الانجيل والترويج لروحانية عالمية واحدة إنتقائية ونظام عالمي واحد، تكون لهم فيها السيادة المطلقة!

  كما تعرض بعضُ التيّارات المحدثة و”التقدّمية”progressive في قلب الكنيسة، طروحات غير تقليدية وممارسات غريبة عن التقليد المسيحي، عن جهل منها، وهي مقتبسة بأغلبها من روحانيات الشرق الأقصى أو من بدائل نفسية مستحدثة ومستوحاة ومأخوذة بأغلبها من تقنيات العصر الجديدNew Age.

 يتوّجه البابا فرنسيس في هذا الإرشاد الرسولي، إلى جميع الشبيبة المسيحيين وإلى كلّ شعب الله، ويقول في معرض حديثه عن المعنى الحقيقي لتجدّد شباب الكنيسة محذّرًا بشدّة من تجربة مجاراة الآخرين والإذعان إلى تعليم مختلف  هو من روح العالم فيقول       :

” لنطلب من الربّ أن يحرّر الكنيسة من أولئك الذين يريدونها أن تشيخ، وأن تتحجّر في الماضي، أو كبحها أو تجميدها. لنطلب منه أيضًا أن يحرّرها من تجربة أخرى: أن تظنّ بأنها شابّة لأنها تذعن لكلّ ما يقدّمه لها العالم، ظنًّا منها أنها تتجدّد لأنها تضع رسالتها جانبًا وتقوم بمجاراة الآخرين.”(فقرة 35)

ويضيف قداسة البابا بحزم وقوّة،  أنّ الكنيسة تكون شابة متى عادت بشكل دائم الى مصدرها وأصولها أي متى تمسّكت بالإيمان الرسولي والتقليد المسيحي، الحياة في المسيح، أيّ الحياة الأسرارية على ضوء كلمة الله وتعاليم الكنيسة المقدّسة.

 “كلّا! الكنيسة شابّة عندما تكون هي نفسها، عندما تنال قوّة كلمة الله الدائمة الجدّة، وقوّة الإفخارستيا، وحضور المسيح اليوميّ وقوّة روحه. هي شابّة عندما تكون قادرة على العودة بشكلٍ دائم إلى مصدرها.”

إذن شباب الكنيسة ليس في تبنّي كلّ ما يقدّمه العالم من حداثة، بل في العودة الدائمة إلى الجذور وإلى جوهر رسالتها الأساسية التي أرادها الربّ لها منذ البدء. لأن الكنيسة تحيا بالمسيح وتسير بهديْ الروح القدس العامل فيها من أجل خلاص المؤمنين “المدعويين قدّيسين”.

هذا لا يعني بالطبع أن نكون منغلقين و”نُخبويين” على شاكلة أتباع البدع الباطنية، لذلك يُضيف البابا فرنسيس ويشرح قائلاً: “لا ينبغي لنا بالطبع، نحن أعضاء في الكنيسة، أن نكون مختلفين عن الآخرين. يجب أن يشعر الجميع بأننا إخوة لهم وقريبين، مثل الرسل، الذين “يَنالون حُظوَةً عِندَ الشَّعْبِ كُلِّه” (رسل 2، 47؛ را. 4، 21. 33؛ 5، 13). لكن في الوقت عينه، يجب علينا أن نجرؤ على أن نكون مختلفين، على أن نشير إلى أحلام أخرى لا يقدّمها هذا العالم، وأن نشهد على جمال السخاء، والخدمة، والنقاء، والمثابرة، والغفران، والأمانة في الدعوة الشخصية، والصلاة، والسعي إلى العدالة والخير العام، ومحبّة الفقراء والصداقة المجتمعية.(فقرة 36)

من جهةٍ أخرى، يُشير قداسة البابا إلى أخطار ما قد تسبّبه تكنولوجيا فوضوية تستبيح لنفسها كلّ شيء بمعزل عن الحق المطلق. وهذا ما يعرضه علينا تحديدا” فكر عبر الأنسنةtranshumanism، بموازاة فكر العصر الجديد، بوسائل التكنولوجيا كالتلاعب بالجينات، وتطوير قدرات إنسانية فائقة للطبيعة بالمعلوماتية ووسائل أخرى. ما يشكّل تحدّياً جديدًا لأخلاقيات الحياة وكرامة الشخص البشريّ.  يقول البابا: ”   إنّ تطوّر العلوم والتكنولوجيات الطبّية الحيويّة في عصرنا، “قد أثّر بقوّة على المفاهيم حول الجسم، مما أدّى إلى فكرة أنه قابل للتعديل دون حدود. القدرة على التدخّل في الحمض النووي، وإمكانية إدخال عناصر اصطناعية في الكائنات (cyborgs) وتطوير العلوم العصبية، تشكّل موردًا عظيمًا، ولكنها في الوقت نفسه تطرح أسئلة أنثروبولوجية وأخلاقية”. ويمكن أن تجعلنا ننسى أن الحياة هي هبة، وأننا مخلوقات محدودة، وأنه يمكن استغلالنا بكلّ سهولة من قبل أولئك الذين يملكون القدرة التكنولوجية” (فقرة 82)

إذ إنها – هذه التكنولوجيا -تخلق من خلال الحضارة الرقمية :  “واقعًا وهميًّا موازيًا يتجاهل كرامة الإنسان”(فقرة٩٠)

ويتكلّم البابا عن العقبات أمام تشكّل نضج روحي هادئ ولا ينسى أن يحذّر من خطر الإنجراف وراء تجارب لا تُحمد عقباها “علاوة على ذلك، في بعض سياقات الشبيبة، هناك انتشار متزايد للإنجذاب نحو المخاطرة كوسيلة لاستكشاف الذات، والبحث عن الإثارة وعن اكتساب الإهتمام […] هذه الحقائق، التي تتعرّض لها الأجيال الناشئة، تشكّل عقبة لعملية نضجٍ هادئ”.(فقرة ٨٢)

نلفت هنا أن من بين وسائل استكشاف الذات والبحث عن الإثارة التي يفتّش عنها الشباب، هناك تجارب روحية خطيرة يعرضها تيّار العصر الجديد وغيره من البدع. كالأرواحيةSpiritisme ويسمّيها وساطة التخاطر Channeling  والسحر والويكاWicca  والسفر الأثيريVoyage Astral وعلاجات الطاقة كالريكيReiki والبرانيك هيلينغPranic Healing  والفانغ شويFeng shui  والتنويم الذاتي والايحاء الذاتي وغيرها الكثير.[1]

توق الشباب وأخطار العالم الرقمي

بعد أن تكلّم البابا فرنسيس عن جراحات وتجارب فاشلة قد يتعرّض لها الشباب، يتحدّث عن أشواق بعضهم وتوقهم إلى الله ولو كان ذلك بشكل غامض وبعيد عن معرفة إله الوحي، فيقول:

نرى في بعض الشبيبة توقًا لله، وإن كان لا يزال غامضًا وبعيدًا عن معرفة إله الوحي. ونلمح عند آخرين حلمًا بالأخوّة البشرية، وهذا ليس بالأمر اليسير. كثيرون لديهم رغبة حقيقيّة في تطوير مواهبهم من أجل تقديم شيء لعالمنا. ونرى في بعضهم، حساسيّة فنّية خاصّة، أو شوق إلى الانسجام مع الطبيعة. وهناك في حالات أخرى، ربّما، حاجة كبيرة للتواصل. ونجد في العديد منهم، رغبة عميقة في عيش حياة مختلفة. إنها نقاط انطلاق حقيقيّة، وألياف داخلية تنتظر بانفتاح كلمةَ تحفيزٍ ونور وتشجيع.”(فقرة 84)

هذا التوق إلى الروحانيات والحاجة إلى التواصل والأخوّة البشرية والتضامن والإنسجام مع الطبيعة والخلائق والرغبة العميقة في عيش حياة مختلفة وتطوير المواهب والقدرات الخ… قد تستغل جميعها من ذئاب تلبس ثياب الحملان، أيّ مَن هم من أتباع البدع وبائعي وصفات السعادة الوهمية وتجّار ما يسمّى بمعالجات البدائل الطبية وتقنيات حركة التنمية البشرية. فيروّجون لتعاليم الطاقة الكونية والريكي، قانون الجذب والتفكير الايجابي وخلطات من يوغا وتنويم إيحائي وغيرها من تقنيات العصر الجديد، يسمّونها بأسماء علمية وهي في الحقيقة معتقدات وفلسفات مأخوذة من ممارسات وثنية قديمة جداً. هكذا تحت غطاء العلوم الحديثة، يتمّ تسويق روحانيات وتعاليم تتناقض مع الإيمان المسيحي.

 بالفعل على مواقع إلكترونية وعلى مواقع التواصل الإجتماعي، وبشكل مكثّف لم يسبق له مثيل، و بمسميّات جذّابة وأهداف سامية، يتمّ الترويج لحقائق نسبية من أجل تشريع كلّ أنواع الممارسات الفاسدة والضلالات والأكاذيب. بحجّة الحفاظ على البيئة، الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة والطفل، الدفاع عن حقوق الأقليّات الجنسية ومختلف الحريات الإنسانية. وباسم المحبة والتضامن الإنسانيين. ويشوّهون من خلالها أيضاً صورة الكنيسة والمسيح والملائكة والقدّيسين!

يتضافر هنا الملحدون واللاأدريون وأتباع حركة التعالي الفلسفية Transcendantalism وأتباع الفكر الجديد New Thought والبدع التي تفرعّت منه ك”حركة الشفاء بالعقل”Mind Cure Movement ، وأتباع العصر الجديدNew Age بتقنياته النفسية وبرامجه الإيكولوجية ومراكزه  . ليعرضوا من خلال برامج ودورات وكتب تحفيزية، تُباع بملايين النسخات وبعشرات اللغات، تقنيات معلّبة مشبوهة وخلطات روحية إنتقائية.

ويستعملون الفنون أيضًا لأنها تطال الشباب مباشرة. فلا يخلو فنّ من الفنون التشكيلية، تصميم الأزياء، السينما، التلفزيون الموسيقى، المسرح والغناء من أفكارهم المضلّلة والهدّامة.

ومن بين الوسائل الأساسية لنشر الإيديولوجيات الهدّامة والمعادية للكنيسة، يتكلّم البابا تحديدًا عن “البيئة الرقمية”، كسمة من سمات العالم المعاصر وكعامل أساسي وهي ليست مجرد استخدام لوسائل الاتصال بل هي عيش في ثقافة رقمية مؤثرة في مفهوم الزمان والمكان وفي رؤيتنا لذواتنا وللآخرين وللعالم(فقرة ٨٦)  وأشار البابا الى أخطارها ومحاذيرها والمصالح الإقتصادية الضخمة التي تقف وراءها  فقال:         ” كي نفهم هذه الظاهرة ككلّ، علينا أن نقرّ بأن لها نصيبها من القيود وأوجه القصور، على غرار كلّ واقع إنساني. من غير السليم أن نخلط التواصل مع مجرّد الاتّصال الافتراضي. في الواقع، “إن البيئة الرقمية هي أيضًا أرض العزلة والتلاعب والاستغلال والعنف، وصولًا إلى حالة“الشبكة السوداء“ القصوى”. يمكن لوسائل الإعلام الرقمية أن تعرّض الناس لخطر الإدمان والعزلة وفقدان الاتّصال تدريجيًّا مع الواقع الملموس، مما يعوق تطوير علاقات شخصيّة حقيقية. وتنتشر أشكال جديدة من العنف عبر وسائل التواصل الاجتماعي: البلطجة الإلكترونية على سبيل المثال. شبكة الإنترنت أيضًا هي قناة لنشر المواد الإباحية واستغلال الأشخاص، لأغراض جنسية أو من خلال لعب القمار”(فقرة 88)

ويشرح البابا فرنسيس من هو وراءها فيقول:

“لا ينبغي أن ننسى أن “هناك مصالح اقتصادية ضخمة تعمل في العالم الرقمي، قادرة على ممارسة أشكال من السيطرة بطريقة مخفيّة وتدميريّة، وخلق آليّات للتلاعب بالضمير وبالعملية الديمقراطية. والطريقة التي تعمل بها العديد من المنصّات غالبًا ما تتوصّل إلى جمع أشخاص يفكّرون بنفس الطريقة، فتعوّق المواجهة بين الاختلافات. وهذه الدوائر المغلقة تسهّل انتشار الأخبار المزوّرة والمعلومات الكاذبة، وإثارة التحيّز والكراهية. أمّا انتشار الأخبار المزيّفة فهو تعبير عن ثقافة فقدت الإحساس بالحقيقة وتُخضِع الحقائقَ لمصالح معيّنة. فتتعرّض سمعة الأشخاص للخطر من خلال الأحكام الموجزة التي تتمّ عبر الإنترنت. الكنيسة ورعاتها ليسوا معفيّين من هذه الظاهرة”(فقرة 89)

ويؤكّد البابا فرنسيس أنّ  الشباب قد استنتجوا بأنفسهم، في وثيقة أعدّها ثلاثمئة شاب حول العالم ، أنّ العلاقات عبر الإنترنت يمكن أن تصبح غير إنسانية. واقتلاعاً من الجذور. لقد أدّى ذلك الإنغماس في العالم الإفتراضي ” بالنسبة للكثير من الناس، نوعًا من “الهجرة الرقمية”، أي الإنفصال عن الأسرة، وعن القيم الثقافية والدينية، الذي يقود الكثير من الأشخاص إلى عالم من العزلة وإلى “اختراع ذاتي”، وصولًا إلى الشعور بفقدان الجذور حتى عندما يبقى جسديًّا في المكان نفسه. إنّ الحياة الجديدة والحيوية للشبيبة الذين يرغبون في تأكيد شخصيّتهم اليوم تواجه تحدّيًا جديدًا: التفاعل مع عالم حقيقي وافتراضي يدخلون فيه وحدهم، كما لو كانوا يدخلون في قارة عالميّة مجهولة. والشبيبة اليوم هم أوّل من يضطّر إلى تطبيق هذا التوليف بين ما هو شخصيّ وما يميّز كلّ ثقافة وما هو عالمي. وهذا يعني أنه يجب عليهم إيجاد طرق للانتقال من الاتّصال الافتراضي إلى التواصل الجيّد والسليم.”(فقرة ٩٠)

(يتبع) لمجد الرب يسوع

[1] لمعرفة المزيد مراجعة كتاب: الطب البديل من وجهة نظر الايمان المسيحي، جيزل فرح طربيه، دار المشرق

كتاب: حقيقة البدائل الطبية بحسب تعليم الكنيسة، جيزل فرح طربيه

تيار العصر الجديد من وجهة نظر الايمان المسيحي، جيزل فرح طربيه، دار المشرق

بدعة العصر الجديد في مواجهة كنيسة المسيح، الاب انطوان يوحنا لطوف، جيزل فرح طربيه

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

جيزل فرح طربيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير