Cardinal Béchara Boutros Raï

ACN

كلمة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي في استقبال وفد نيابي من 14 آذار

الثلاثاء 26 أيار 2015

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

أصحاب المعالي والسعادة

1. أهلاً وسهلاً بكم، وشكرًا للمداخلات التي سمعناها منكم. أنتم هنا، مشكورون، للإعراب عن استيائكم المرير من عدم انتخاب رئيس للجمهورية منذ أربعة عشر شهرًا، ومن فراغ سدّة الرئاسة منذ سنة كاملة ويوم، بسبب أن اثنين وأربعين زميلاً لكم في النيابة يقاطعون الجلسات الثلاث والعشرين التي جرت منعًا لاكتمال النصاب، معتبرين أنّهم يريدون رئيسًا قويًّا يُصنع في لبنان ومن لبنان. وأنتم هنا للبحث عن مخرج لأزمة الفراغ. نحن معكم في الاستياء بوجهَيه، وفي البحث عن المخرج، ونحن معهم بالمطلب لا بالوسيلة.

2. كلّنا نريد رئيسًا يُصنع في لبنان ومن لبنان، ونريده قويًّا في شخصيّته الحكيمة الراقية المنفتحة، الغنيّة بعطاءاتها، المثقّفة والمتمرّسة بالحنكة والدراية، القادرة على جمع اللبنانيين حول دولة عادلة وقادرة ومنتجة، يولد منها “وطن نهائي لكل أبنائه”، كما نقرأ في مقدِّمة الدستور(أ). وهو وطن مميّز بخصوصيّته الذي قال عنه البطريرك الياس الحويك في مؤتمر السلام في فرساي سنة 1919، ملخّصًا خصوصيّة لبنان بأنه التجربة الأولى في الشَّرق التي تُحلّ الوطنيّة السياسيّة محلَّ الوطنيّة الدينية. فقامت هذه الوطنية السياسيّة على ثلاثة:

1) العيش المشترك بالحرية والمساواة في المشاركة وبحفظ التعدّدية؛

2) الميثاق الوطني كشريعة ناظمة للعمل السياسيّ، ناتجة عن خلاصة تاريخ مشترك من تجربة العيش المسيحي – الإسلامي. وهو ميثاق قائم على شعار “لا شرق ولا غرب” كقاعدة لتأسيس دولة تحقّق أماني اللبنانيّين جميعًا، وتُبعدهم عن المحاور والصراعات، وكأساس لبناء علاقات هذه الدولة مع الخارج، ومتعاونًا معه بما يضمن استقلاله، وبما فيه خير الإنسانيّة وتقدّمها؛

3) الصيغة التي تطبّق عمليًّا هذا الميثاق: فتنظّم المشاركة الفعلية بين المكوّنات اللبنانية في النظام السياسي وتحقيقها، بغية أن يتمكّن لبنان من أن يقوم بجناحَيه المسلم والمسيحي.

هذا الميثاق بصيغته يعلو كل تدبير سياسي أو إداري، حتى أنّ دستورنا اللبناني يؤكّد في مقدّمته: “لا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك” (ي).

3. عمر لبنان اليوم خمس وتسعون سنة، أنجز اللبنانيون فيها معًا وطنًا ميثاقيًّا، واكتسبوا خبرة دستورية وسياسية. وتجاوزوا هزّات التأسيس، وأحداث 1958 وحرب 1975.

واليوم في خضمّ الأزمات التي يمرّ بها لبنان، ويتأثّر في العمق بما يجري من حوله في المنطقة من تحوّلات جذرية على أساس من النزاعات والحروب المدمّرة،ونحن على مسافة خمس سنوات من الاحتفال بالمئوية الأولى على إعلان لبنان الكبير دولة في سنة 1920، أصدرت البطريركية “مذكِّرة وطنيّة” في 9 شباط 2014 عيد القدّيس مارون. وأردناها خريطة طريق لقيام الدولة العادلة والقادرة والمنتجة، ووطن لجميع أبنائه. وقد ضمنّاها في أربع نقاط: الثوابت الوطنية، والهواجس الراهنة، وأسس الانطلاق نحو المستقبل، وتحديد الأولويات. ثمّ أصدرنا للغاية نفسها في 25 أذار الماضي “مذكِّرة اقتصادية”.

4أمّا كيف الخروج من أزمة فراغ سدّة الرئاسة وحالة تعطيل النصاب، فيجب أوّلاً إعلان فعل إيمان بلبنان الدولة والوطن، والانطلاق من ثوابتنا الوطنيّة الثلاث: العيش المشترك والميثاق الوطني وصيغة المشاركة. ويجب ثانيًا الإقرار بأخطاء مخالفة للدستور متمادية اقترفها الجميع، في هذا وذاك من الظروف، وهذه وتلك من الحالات. ويجب ثالثًا الإتفاق على مخرج ديموقراطي ينطلق من الدستور الواضح في مواده المختصّة بانتخاب رئيس للجمهورية، على أن يتمّ التوافق على هذا المخرج الدستوري من أجل ضمانة الالتزام به.

لكن الأساس الأصيل لهذه الثلاثة هو الإخلاص للبنان وجعله فوق كلّ اعتبار شخصي أو فئوي أو مذهبي.

نأمل في هذا اللقاء التاريخي، في هذا الوقت الحرج، العمل على التفكير في إمكانية إيجاد مثل هذا المخرج لحلّ أزمة الفراغ في سدّة الرئاسة. فلا أحد مستعدّ لهزيمة وعار جديد وأن نبدأ عامًّا جديدًا من الفراغ الرئاسي.

عشتم! وعاش لبنان!

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير