How to pray?

Pixabay CC0

ما هو التقسيم وما هو تعليم الكنيسة حياله؟

الجزء الأول من مقالة التقسيم: خدمة، أنجلة جديدة ومرافقة روحيّة

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بين الحقيقة والخيال ينقص التمييز! وفي الحياة المسيحية يحتلُّ التمييز مكانًا جوهريًا إذ يتدخّل ليفصل في الماورائيّات وغيرها من الأمور الّتي تتخطّى العقل البشري. ومسألة الشّر والشّرير وصلاة التّقسيم، واحدة من هذه الأمور وحاجتنا اليوم أكثر من أيّ يوم مضى، لمعالجتها ليس فقط في بعدها اللاهوتي والنّظري والعقائدي إنّما في البُعد العملي والرَعوي أيضًا.

لسنا هنا بصدد إعداد دراسة تاريخيّة عن التمييز الرّوحي أو تمييز الأرواح، لئلا نقع في تكرار ما أصبح مبتذلاً في هذا المجال، ولا نقصد معالجته لتبيان حقيقتِهِ، إذ من جهة العقيدة فالأمرُ واضح كونها مبنيّة على كلمة الله، وآباء الكنيسة، الّذين بدورهم لم يبخلوا علينا بتزويدنا اختبارهم الرّوحي الشخصي لكيفيّة الجهاد الرّوحي والإنتصار بقوّة المسيح ونعمته، والتقليد.

وفي ما يخصّ أهميّة البعد العلمي، الأمر واضح أيضًا ولا يحتمل الجدل. إذ إنّ أهميّة دور العلوم الإنسانيّة في موضوع التمييز لا يستطيع أحدٌ تجاهله، فهي تساعد على إنضاج إيماننا بشكل متوازن وسليم بعيد عن السطحيّة والشعوذات. وكثيرةٌ هي الحالات التي ربطها الرّوحانيّون بأرواحِ خبيثة فكشف العلم حقيقتها المرضيّة. لذلك يمكننا القول إن موضوع التّقسيم لا يزال من مواضيع الساعة ومن الواجب أن يبقى منفتحًا على كلّ العلوم الانسانيّة والدراسات الجديدة ممّا يأتي بالخير على الإنسان بكُليّته. وتدعو الحاجة بالتالي الى مقاربَتِه بطريقةٍ إنتقاديّة إذ إن المَعارف العلميّة  قد أعادت النظر بكلّ المرجعيات التّي تُشير إلى قوى شيطانيّة. وفي الواقع تعتبر بعض الثقافات كلّ مرضٍ على أنّه نابعٌ من “روح خبيث” كما أشرنا آنفًا، علمًا أنّ الكهنة المقسّمين المتعارَف عليهم في الكنيسة، يدركون أنّه لا يجوز التعاطي بالحَرْفِيّة مع خبرة قاصديهم وما يُعانونه. ويُميّزون بين ما يتأتّى من تأثير إرواحي أو من معاناة نفسيّة وذلك باللجؤ إلى أخصائيين نفسييّن مؤمنين.

لذلك، فالّذي ينقص في هذا الموضوع هو حاجته إلى أن يُعالج من وجهة نظر رعوية. وما يشجّعنا على كتابة هذا المقال، ليس فقط دراستنا الماستير في اللاهوت الروحيّ حول موضوع “التّقسيم في الكنيسة المارونيّة، خدمة ومرافقة روحيّة”[1]، بل أيضًا التعميم الرعوي حول مسألة الشّر والشّرير في حياة الكنيسة وتعاليمها الصادر عن غبطة أبينا البطريرك في 16 تمّوز 2015، وفيه نسمع صرخة الكنيسة تُعلن همَّها في الوقوف الى جانب المؤمنين الّذين يعانون من إضطرابات يصعب أحيانًا تشخيص أسبابها! خصوصًا أن أوّل إهتمامات الكنيسة هو الإنسان الّذي تَجسّد المسيح من أجل خلاصه كما نعلن في قانون الإيمان “والّذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسّد من الرّوح القدس ومن مريم العذراء وصار إنسانًا… وتألم ومات وقبر وقام…”، وبذلك انتصر على الموت والشّيطان كما تعلّمنا أيضا ليتورجيّتنا المارونيّة وأناشيد “البيت غازو”.

إنّ هذا المقال بحثٌ ممزوج بالإختبار، أي مبنيٌ على ما تُعلّمه أمّنا الكنيسة، واختبار لما تمارسه في خدمتها لسرّ المسيح. معالجين أبعادًا ثلاثة، نتحدّث أوّلًا عن أهميّة الإصغاء والمرافقة، للأشخاص الّذين يعانون من إضطرابات غير اعتياديّة تفوق قدرتهم على الإدراك، ثانيًا عن أهمّية البعد الرعوي وأهميّة انخراطهم في رعيّتهم وثالثًا نعرض آليّةً لكيفيّة التّمييز، يسبق ذلك تَوطِئةٌ تعريفًا ببعض المصطلحات الواردة.

توطئة في التقسيم:

يُعرّف[2] J. Forget طرد الأرواح الشريرة، أي التقسيم، في قاموس اللاهوت الكاثوليكي على أنّه توجّه مباشر إلى الشيطان لإجباره على إخلاء مكانٍ ما أو التخلي عن حالة معينة وإعادة الحريّة لشخصٍ يسيطر عليه الى حدٍّ ما. ويُقدم لنا قاموس الوقائع الدينيّة تعريفًا آخر لا يتعارض مع الأوّل إنمّا يكمله مستخدمًا مفردات أنتروبولوجية معتبرًا أنّ مصطلح، التقسيم، يَشمُل سلسلة من الأعمال الطقسيّة ترتبط بمسبّبٍ مرضي ذي طبيعة غير مألوفة – روح، موت، شيطان – من الواجب طرده من مكانٍ أو شيء أو جسم بشري، إلخ. ونقرأ في الإنجيل وأعمال الرسل عن ظواهر مماثلة، عرفتها أيضًا الكنائس الأولى. وكتب  J. Forget  أن السّلطان الذّي أعطاه ربنا إلى الرسل والتلاميذ عملوا به منذ نشأة الكنيسة. وفي القاموس النقديّ اللّاهوتي نجد أنّه من أجل المحافظة على انتصار المسيح على الشّر والشياطين، مارست الكنيسة منذ البدء التقسيم خلال ليتورجية المعموديّة أو بحسب التقسيم الكبير في حالات المسّ الشيطاني. ففي الواقع، تعليم الكنيسة واضحٌ لجهة وجود الشيطان وطرده على أنّه من مهام كاهن مقسّم يُعيّنه الأسقف ضمن أبرشيّة محدّدة الجغرافيا[3]. فالمقسّم الأوّل في الأبرشيّة هو الأسقف أو من يأتمنه لهذه الخدمة. الحاجة اليوم الى أن يكون بجانب الأسقف والمقسّم، لجنة متخصّصة أو أقلّه معالجٌ نفسي مؤمن كمستشار، يُسهّل عمليّة التمييز وكل ذلك لخير المؤمنين الذين يعانون هذه الأنواع من الاضطرابات ويرون في الكنيسة خشبة خلاصهم الوحيدة. يقول المونسنيور دومينيك ري في هذا الخصوص: “يجتاح شدّ الحبال القائم بين علم الشياطين الكلاسيكي démonologie classique)) والعقلانيّة المعاصرة (rationalisme contemporain) صفوف الكاثوليك ولذلك يلجأ المؤمنون الذّين يعيشون صراعًا روحيًّا الى الدجّالين وسائر مقدّمي خدمات “فكّ السحر” والعرافة، لأنهم لم يجدوا آذانًا صاغية في الكنيسة”. إن أكثر ما يؤلم هؤلاء الأشخاص أنّهم لا يجدون من يُصغي اليهم، ويتفهمهم.

(يتبع)

[1] Cf. M. Paul, L’exorcisme dans l’Eglise Maronite, ministère et accompagnement spirituel, Teresianum, Roma 2013.

[2] Cf. Forget J., «Exorcisme», in Dictionnaire de Théologie catholique, V, Letouzey & Ané, Paris 1924, 1762-1780. ID., «Exorciste», in Dictionnaire de Théologie catholique, V, Letouzey & Ané, Paris 1924, 1780-1786.

[3] راجع التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة، عدد 1673؛ راجع أيضًا الحق القانوني اللاتيني، القانون 1172.  راجع أيضًا المجمع الّلبناني 1736، القسم الثالث، الباب الثّاني، العدد السّادس منه والمخصّص للمقسّمين، ص. 315-320.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

الخوري بولس مطر

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير