Pixabay.com - CC0

ما هو مقبل. نشيد الأناشيد (9)

صوت حبيبي اسمعه، مع انه غير موجود. اسمعه: ها هو مقبل. تسمع صوته، تشعر به، تفهم كلماته وهو غير متواجد. كيانها ارتبط بكيانه وهذا الارتباط العميق لا يفرقه مسافات ولا ينقص منه بُعد او أي من اختلافات.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

من جديد نعود لتلك الحبيبة، تركناها لفترة، لا ندري ماذا فعلت؟ قد قررت إنها للحبيب، بعد أن أخذت نعمة خاصة: الحب المجاني، المغفرة والإمكانية لبداية جديدة. نعم قررت إنها للحبيب، فتمردت على قيودها. وفعلت ما كانت أبدا تفعله: خاطرت بما تبقى لها من كروم، لأجل كرمها الوحيد. لكن الأمر لن ينتهي بعد، فالقرار يحتاج لاستمرارية كل يوم، كل ساعة، أمام كل عرض من الكروم الأخرى، أمام كل ذكرى من ماضي، وهو عسل مر.
أين أنتي يا جميلة نشيد الأناشيد؟ أين أنتي؟ ماذا تقولين؟ اسمعيني صوتك (2: 14).
ترد الحبيبة: صوت حبيبي اسمعه، مع انه غير موجود. اسمعه: ها هو مقبل. تسمع صوته، تشعر به، تفهم كلماته وهو غير متواجد. كيانها ارتبط بكيانه وهذا الارتباط العميق لا يفرقه مسافات ولا ينقص منه بُعد او أي من اختلافات. تقول الحبيبة: ها إني اسمعه بل واراه. ها هو يأتي من خلف الجبال. أراه يقفز على التلال مثل الحمل الصغير. أراه في القطيع واراه يحرسها. أراه وراء الشبابيك ووراء النوافذ الأخرى. أراه في عناقيد العنب بين الكروم، بل واراه الكروم ومن يغرسها. أتشعره في نسيم العطور واراه العطر نفسه. أراه في كل ما يحيط بي، بل أرى كل ما يحيط بي من خلاله. (1: 13- 14، 2: 8-17) وهو بنفس الطريقة.
أعزائي، هذا جانب جديد في حب نشيد الأناشيد. الحب يجعل الواقع يتجلى ويصبح له صورة جديدة: صورة الحبيب. كل شيء يكلمها عنه. كل ما يحيط بها ما هو إلا جزء منه، تعبير عنه، إشارة للحبيب. كل ما يحيط بالحبيبة أصبح اسمه: حبيب. أصبح الحبيب هو مركز الكون، بل وله خلق. الواقع كما هو. لم يتغير شيء فيه. تغيرت عيناها، نظرتها. غيرها هذا الغريب: الحب المجاني.
وهنا الطبيعة وحيواناتها، أشجارها وثمارها، عطورها وألوانها في خدمة هذا الحب، في خدمة هذا الحوار بين الحبيب والحبيبة. كل الطبيعة في هذه الخدمة: التذكرة المستمرة بالحبيب. فكل شيء يحدثها عنه. وفي كل شيء يرى الحبيب حبيبته. إنها “حُلم” ارتبط بواقع ومن له أن يفصلهما!!
أتكون هذه صورة للحب الإلهي الذي يؤثرنا ويجعلنا نرى في كل شيء شخص المسيح. الذي به خلق كل شيء، وله خلق كل شيء. هو البداية والنهاية، الذي هو، هو الحبيب. أهذا ماراه فرنسيس الاسيزي في الطبيعة وتحدث معها لأنها تكلمه عن هذا الحبيب؟
أحبائي، أتكون هذه دعوى لنا كي نرى واقعنا ومن حولنا بعيون أخرى؟ دعوى أن نرى الحبيب؟
” نعم، ها هو مقبل”.
أحد مبارك

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

الأب د. هاني باخوم

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير