Pixabay CC0 Public Domain

هل صحيح أنّ الحق ليس على الطليان إنما على من ينام؟

السهر نقيض النوم المميت

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

أقصر الحلول وأهونها هو أن تضع كل اللوم على الآخرين، لا على نفسك. الخسارة، الإساءة، سوء الفهم، عدم التحاور، قساوة القلب، المواقف الخشبية، الإتهام، إلخ…ظنًا منك، بأنك- ربما تكون ضحية الآخرين-إلا في بعض الحالات، وهذا يتطلّب تمييزًا دقيقًا… نعالج في هذه المقالة، مسألة السهر نقيض النوم المميت، علّنا نجهد في عيش أكثر فعالية واتزانًا لحقيقة المحبة الملتزمة بالرب في كنيسته شهادة للعالم أجمع.

  • داود الساهر

يخبرنا الكتاب المقدس، عن إنسان حاول إخفاء فعلته الجهنميّة تحت قناع مزيّف… ونعني الملك داود، الذي اشتهى قلبه امرأة أوريا قائد جيشه (ر.ا 2صم 11: 3) فعمد الى تدبير مكيدة محكمة تهدف الى قتل الزوج، وما إن توفي أوريا حتى اقترن داود ببتشابع (ر.ا 2صم11: 15). ولكن أمر الملك، لم يخف عن الله فاحص الكلى والقلوب (ر.ا مز7: 9؛ إر11: 20 و 17: 10)  الذي أوفد إليه ناتان موبخًا متوعد الملك (ر.ا 2صم11: 5) وما إن عرف داود بأن أمره قد كشف، خرّ ساجدًا أمام النبي، طالبًا المغفرة من الله معترفًا بخطيئته معلنًا ندامته بقلب وديع: “إرحمني يا الله بحسب رحمتك وبكثرة رأفتك امح معاصيّ” (مز51: 1).صحيح أنّ داود هو الملك، ولكن هذه المرّة لم يستطع إلقاء المسؤولية على أحد، بل تراه يلوم نفسه، لأنه عالم بمعاصيه وخطيئته أمامه في كل حين، فقد صنع الشرّ أمام الرب سيده (ر.ا مز51: 5- 6). وبالرغم من فعلته، لم يرزح داود تحت ثقل مرارة الخطيئة، لأنه كان مؤمنًا بأن رحمة الرب أقوى من كل خطيئة، فهو يؤمن بإله يغفر ذنوب التائبين يشفي كل أمراض النفس، إذ يجددها كالنسر (ر.ا مز103: 3) فالله “لا ينعس لا ينام” (مز121: 4)، لا يقبل بالخطيئة، ولكن مغفرته للتائب تجعله يضعها خلف ظهره فيحوّل كل مرارة الى هناء (ر.ا، اش28: 17) لقد رفض داود الإستسلام الى القنوط القبول بالأمر الواقع، فكانت حياته سهر وتيقظ ونوعية حضور لرحمة الله وحنانه (ر.ا62: 1؛ 130:5). فهو لم يرضخ للموت المميت القاتل (ر.ا، مز13: 3) فالرب قد أدّبه ولكنه الى الموت لم يسلمه (ر.ا، مز118: 18).

  • النوم المميت

          من منّا منزه عن الخطأ؟ أو لا يقع في الخطيئة؟ يقول الكتاب :”الصدّيق يسقط سبع مرات ويقوم، أما الأشرار فيعثرون بالشر” (أم 24: 16)، فإذا كنا حال الأبرار هكذا فما حالنا نحن؟ فـ”أيامنا على الأرض ظل” (أيوب8:9) ومنام. الأشرار يغرقون ويا للأسف، في دوامة الملامة المتبادلة، في تراشق الإتهامات والإتهامات المضادة، دون اتخاذ موقف صريح من أنفسهم، فبدلاً من طلب المغفرة يدينون ويحكمون على الآخرين “لا تدينوا فلا تدانوا، لا تقضوا على أحد فلا يقضى عليكم. إغفروا يغفر لكم” (لو6: 37). المشكلة تكمن في نوع من الثُبات الروحي(ر.ا لو22: 45) الذي نبّه عنه الرب يسوع ، فإذا ما تسرّب هذا النوع من النوم الى عقل الإنسان والى قلبه، يدخل الشخص في Coma مبتعدًا عن الإصلاح الأخوي، فتضعه تلك الComa في يقظة الموت التي لا تعرف النوم،  فتحيا بدل فرح اللقاء، الإتهامات والأحكام المسبقة والتحاليل التي تحمل في طياتها النوايا المبيّتة، والتخوين والعداء والكراهية، وعندما يصل الأشخاص الى هذا الإنحطاط، يطبق عليهم كلام الرب القائل : “تسمعون سمعًا ولا تفهمون، ومبصرين تبصرون ولا تنظرون” (مت13: 14).

  • السهر اليقظ

في عالم بات يعاني من متلازمة Syndrome الثُبات الروحي، يعود الرب من جديد، معلنًا حقيقة العيش في اليقظة الروحيّة، إنطلاقًا من الوعي الداخلي، فهو من قال لتلاميذه :”إسهروا” (مت24: 2 و 26: 41؛ مر13: 33 و13: 35 و37 و14: 38؛ لو21: 36؛ أع20: 31؛ 1كور16: 13)، سهر العذارى الحكيمات لا الجاهلات (ر.ا مت25: 1-5) ويقظة العبد الأمين (ر.ا مت24: 45) والتحلي بفطنة تاجر الوزنات العشر (ر.امت25: 28) وكيفية الاستماع والتمييز “انظروا ما تسمعون!”(مر4: 24). فالتلميذ الحقيقي، هو من يسمع دومًا للمعلّم وهذه الحقيقة هي سمة أساسيّة للإتباع “خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني” (يو10: 27). أن نسير خلف الرب، يفترض أولاً وآخرًا، عيش عمليّ لحقيقة السهر الروحي، أي اليقظة الداخلية العميقة، خوفًا من أن يُسرق منّا هذا الكنز الثمين (ر.ا حز22: 25) الذي نحمله في آنية من خزف (ر.ا 2كور4: 7). يقول الطوباوي يعقوب الكبوشي عن السهر التالي :” 1- السهر على كل شيء: على أعمالنا- على اللسان – على الأفكار- على الحواس- على أنفس مرؤوسينا؛2- السهر دائمًا: سهر عموميٌّ ومتواصلٌ لأن عدوّنا لا ينام أبدًا… إسهروا جميعكم خاصة عند ساعة الموت. السهر لازمٌ في أية حالة ووظيفة كنّا”[1].

وفي الختام، نصلي إلى الرب كي يمنحنا روحه القدوس، فنبقى في حالة سهر روحيّ متجدد متّقد بنار المحبة الثالوثية، فنخدم الآخر وكل آخر على مثال العذراء مريم (ر.ا، لو 1: 39). وأما خلاف ذلك، ربما يطبّق عليه المثل المستحدث والذي يقول: “الحق مش على الطليان إنما على يلي بنام”.

فنحن بفضل العماد صرنا من جماعة القائمين- الساهرين بقدرة المسيح يسوع القائم من الموت (ر.ا كول 3: 1) أنبياء يقظة المحبة والرجاء الصالح ، آمين.

[1]– الطوباوي الأب يعقوب الكبوشي، إسمعوا صوتي- مختارات من كتابات الطوباوي يعقوب الكبوشي، جمعها الأب سليم رزق الله الكبوشي، مجموعة التراث الفرنسيس، سلسلة كتابات1، منشورات الإخوة الأصاغر الكبوشيّين، بيروت، 2007، ص 192- 193

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

الخوري جان بول الخوري

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير