Index

24/01/2022-15:49

ألين كنعان إيليّا

مجمع عقيدة الإيمان: البابا يلتزم بتحقيق العدالة لضحايا الانتهاكات

“تواصل الكنيسة التزامها بشكل حازم بتحقيق العدالة لضحايا الانتهاكات التي ارتكبها أعضاؤها”، هذا ما قاله البابا فرنسيس للمشاركين في الجمعية العامة لمجمع عقيدة الإيمان، يوم الجمعة 21 كانون الثاني 2022.

في الواقع، استقبل البابا فرنسيس المشاركين في الجمعية العامة لمجمع عقيدة الإيمان، يوم الجمعة 21 كانون الثاني 2022. وشكر معاونيه على العمل في خدمة استقامة العقيدة الكاثوليكية في مسائل الإيمان والأخلاق وألقى خطابه حول ثلاثة مواضيع: الكرامة والتمييز والإيمان.

سلّط البابا الضوء على الحاجة الماسّة لممارسة “فنّ التمييز” في الحياة والكنيسة اليوم. على وجه الخصوص وقبل كلّ شيء في مكافحة الإساءات بكلّ أنواعها، إنما أيضًا في مسائل فسخ الرابط الزوجي. وفسّر: “إنّ الكنيسة تفسخ الرباط الزوجيّ اللاأسراريّ من خلال العمل الرعويّ، وتعتزم على تعزيز الإيمان الكاثوليكي”.

وشدّد على أنّ ممارسة التمييز هو أمر ضروري في المسيرة السينودسية، حيث يتمّ تمييز الآراء ووجهات النظر بشكل متواصل. وهذا ما يجعل من السينودس حقيقيًا حيث تكون الشخصية الرئيسية الروح القدس وليس برلمانًا أو مسحًا للآراء تقوم به وسائل الإعلام”.

Print Friendly, PDF & Email

24/01/2022-15:03

ZENIT Staff

البابا: عندما يدخل الإنجيل في ”اليوم“، فإنّه يملأه بحضور الله

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!

في إنجيل ليتورجيّا اليوم، نرى يسوع يبدأ كرازته (راجع لوقا 4، 14-21). إنّها أوّل عظة ليسوع. ذهب إلى النّاصرة حيث نشأ، وشارك في الصّلاة في المجمع. وقام ليقرأ، وفي سفر النّبي أشعيا، وجد المقطع المتعلّق بالمسيح، الذي يعلن رسالة تعزية وتحرير للفقراء والمظلومين (راجع أشعيا 61، 1-2). بعد أن أنهى القراءة “كانَت عُيونُ أَهلِ المَجمَعِ كُلِّهِم شاخِصَةً إِلَيه” (الآية 20). فاستهلّ يسوع كلامه بقوله: “اليَومَ تَمَّت هذه الآيَة” (الآية ٢١). لنتوقّف عند كلمة ”اليوم“. إنّها الكلمة الأولى في كرازة يسوع التي يوردها إنجيل لوقا. كون الرّبّ يسوع هو الذي قال ”اليوم“، فإنّ قوله يعبُر العصور، فهو ”اليوم“ في كلّ عصر ودائمًا. كلمة الله هي دائمًا ”اليوم“. يبدأ ”اليوم“: عندما تقرأ كلمة الله، يبدأ ”اليوم“ في نفسك، إن فهمتها بشكل صحيح. يرجع تاريخ نبوءة أشعيا إلى قرون مَضَت، ولكن يسوع “بِقُوَّةِ الرُّوح” (آية ١٤)، جعل كلمة الله حاضرة، وقبل كلّ شيء، حقَّقها وأشار إلى الأسلوب لاستقبالها: فهي اليوم، الآن. ليست قصة قديمة، كلا: بل هي اليوم. إنّها تتكلّم اليوم إلى قلبك.

دَهِش مُواطِنو يسوع من كلمته. حتّى لو لم يؤمنوا به، بسبب أحكام مسبقة بلبلت أفكارهم، إلّا أنّهم أدركوا أنّ تعليمه مختلف عن تعليم المعلّمين الآخرين (راجع الآية ٢٢). شعروا أنّ في يسوع شيئًا أكثر. ما هو؟ فيه مسحة الرّوح القدس. يحدث أحيانًا أنّ عظاتنا وتعاليمنا تبقى عامّة، ومجرّدة، ولا تلمس النفس ولا حياة النّاس.  لماذا؟ لأنّها تفتقّر إلى قوّة كلام يُلقَى ”اليوم“ الآن: هذا الظرف ”اليوم“ هو الذي ”يملأه يسوع بالمعنى“ بقوّة الرّوح. هو يكلّمك اليوم. نعم، أحيانًا نستمع إلى محاضرات لا تشوبها شائبة، وخطابات جيدة البناء، لكنّها مع ذلك لا تحرّك القلب، وهكذا يبقى كلّ شيء على حاله. وقد تكون مواعظ كثيرة أيضًا – أقول هذا باحترام ولكن بألّم – مجرّدة، وبدلاً من أن توقظ الرّوح فإنّها تبعث على النوم. عندما يبدأ المؤمنون النظر إلى الساعة ويتساءلون- ”متى ينتهي؟“ – فإنّ روحهم تبدأ بالنوم. يواجه الوعظ هذا الخطر: من دون مسحة الرّوح تصبح كلمة الله فقيرة، وتصبح إرشادات أخلاقية مبتذلة أو مفاهيم مجرّدة، وتقدّم الإنجيل بشكل مجرّد، كأنّه خارج الزّمن، وبعيد عن الواقع. وهذا ليس الطريق. الكلمة التي لا تنبض فيها قوّة ”اليوم“، لا تستحقّ أن تكون كلمة يسوع ولا تساعد حياة النّاس. لذلك، الذي يعظ، لو سمحتم، هو أوّل من يجب أن يعيش ”اليوم“ بحسب يسوع، حتّى يستطيع أن يوصل الكلمة إلى ”اليوم“ واللحظة التي يعيش فيها الآخرون. وإن كنت تريد أن تعطي دروسًا ومحاضرات، افعل ذلك، ولكن في مكان آخر، وليس في وقت العظة، حيث يجب أن تعطي الكلمة التي تحرّك القلوب.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، في أحد كلمة الله هذا، أودّ أن أشكر الوعاظ وحاملي بُشرى الإنجيل الذين يظلّون أمناء للكلمة التي تحرّك القلب، والذين يظلّون أمناء ”لـليوم“. لنصلِّ من أجلهم، حتّى يعيشوا ”اليوم“ بحسب يسوع، وقوّة روحه العذبة التي تجعل الكتاب المقدّس حيًّا. في الواقع، إنّ كلمة الله حيّة وناجِعَة (راجع عبرانيّين 4، 12)، وتغيّرنا، وتدخل في ظروفنا، وتُنير حياتنا اليوميّة، وتعزّينا وتنظّم حياتنا. لنتذكّر: تُحوّل كلمة الله يومًا عاديًّا إلى ”اليوم“ الذي فيه يكلّمنا الله. لذلك، لنأخذ الإنجيل، ونقرأ كلّ يومٍ مقطعًا صغيرًا، ونقرأه من جديد. احملوا الإنجيل في الجَيْب أو في الحقيبة لقراءته أثناء الرحلة، وفي أي وقت، واقراؤه بهدوء. ومع الوقت، سنكتشف أنّ تلك الكلمات كُتبت خصّيصًا لنا، ولحياتنا. وستساعدنا على أن نستقبلها كلّ يوم بنظرة أفضل، وأكثر هدوءًا، لأنّه عندما يدخل الإنجيل في ”اليوم“، فإنّه يملأه بحضور الله. أودّ أن أقترح عليكم أمرًا. في أيّام الآحاد من هذه السّنة الليتورجيّة، سيتم إعلان إنجيل لوقا، إنجيل الرّحمة. لماذا لا نقرأه قراءة شخصيّة أيضًا، وبأكمله، ونقرأ مقطعًا صغيرًا كلّ يوم؟ مقطعًا صغيرًا. لنتعرّف على الإنجيل، سيحمل لنا قوّة الله المجدِّدة وفرحه!

إنّ كلمة الله هي أيضًا المنارة التي تهدي المسيرة السينودية التي انطلقت في كلّ الكنيسة. بينما نلتزم الإصغاءَ بعضنا إلى بعض، بانتباه وبالقدرة على التمييز- لأنّ السينودس ليس استفتاء للآراء، لا، بل إدراك الكلمة كلمة الله -، لنصغِ معًا إلى كلمة الله والرّوح القدس. ولتمنحنا سيدتنا مريم العذراء الثباتَ حتى نغذي أنفسنا بالإنجيل كلّ يوم.

 

صلاة التبشير الملائكي

بعد صلاة التبشير الملائكي

 

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء!

تمّ تطويب يوم أمس في سان سلفادور الكاهن اليسوعي روتيليو غراندي غارسيا واثنين من رفاقه العلمانيين، والكاهن الفرنسيسكاني كوزمي سبيسوتو، شهداء الإيمان. لقد وقفوا إلى جانب الفقراء، وشهدوا للإنجيل والحق والعدالة وصولاً إلى سفك دمائهم. ليولِّد مثالهم البطولي الرغبة في الجميع لكي يكونوا صانعين شجعانًا للأخوّة والسّلام.

أتابع بقلق ازدياد التوترات التي تهدّد بتوجيه ضربة جديدة للسّلام في أوكرانيا وتجعل الأمن في القارة الأوروبية موضع نقاش، وله تداعيات خطيرة. أناشد من صميم القلب جميع الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة لكي يرفعوا الصّلاة إلى الله القدير حتى يكون كلّ عمل ومبادرة سياسية في خدمة الأخوَّة الإنسانيّة وليس في خدمة المصالح الخاصة. من يسعى لتحقيق أهدافه على حساب الآخرين يحتقر دعوته كإنسان، لأنّنا خُلقنا جميعًا إخوة. لهذا السبب وبقلق، وبالنظر إلى التوترات الحالية، أقترح أن يكون يوم الأربعاء القادم، السادس والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير، يوم صلاة من أجل السّلام.

في سياق أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيين، قبلت الاقتراح الذي بلغني من جهات مختلفة وأعلنت القديس إيريناوس أسقف ليون (في فرنسا) معلّمًا للكنيسة الجامعة. إنَّ تعليم هذا القديس الراعي والمعلّم هو بمثابة جسر بين الشرق والغرب: ولهذا نعلنه معلِّمًا للوَحدة. ليهبنا الرّبّ يسوع بشفاعته أن نعمل معًا من أجل وَحدة المسيحيّين الكاملة.

وأتمنّى لكم جميعًا أحدًا مباركًا. ومن فضلكم، لا تنسَوْا أن تصلّوا من أجلي. غداءً هنيئًا وإلى اللقاء!

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2022


Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana

Print Friendly, PDF & Email

24/01/2022-14:27

ZENIT Staff

الإصغاء بأذن القلب

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء!

تأمَّلنا في العام الماضي في حاجتنا إلى أن ”نذهب وننظر“ لكي نكتشف الواقع ونتمكّن من أن نرويه انطلاقًا من خبرة الأحداث واللقاء مع الأشخاص. وبالاستمرار في هذا الخط، أرغب الآن في أن أركّز الانتباه على فعل آخر، هو ”الإصغاء“، وهو عمل حاسم في قواعد التواصل، وشرط لحوار حقيقي.

في الواقع، بدأنا نفقد القدرة على الإصغاء إلى الشخص الذي أمامنا، سواء في النسيج الطبيعي للعلاقات اليومية أو في المناقشات حول أهم قضايا الحياة المدنيّة. في الوقت عينه، يشهد الاصغاء تطورًا جديدًا مهمًا في مجال الاتصالات والمعلومات، من خلال العروض المختلفة للبودكاست والمحادثات الصوتية، مما يؤكّد أنّ الإصغاء لا يزال ضروريًا للتواصل البشري.

سُئل طبيب مشهور، اعتاد مداواةَ جراح الرّوح، عن أعظم حاجة للإنسان. فأجاب: ”الرغبة اللامحدودة في أن يتمَّ الإصغاء إليه“. رغبة غالبًا ما تبقى خفية، لكنّها تُسائل أي شخص يُدعى ليكون مربيًا أو مُنشِّئًا، أو ليلعب دورًا في التواصل: الوالدون والمعلمون والرعاة والعاملون الرعويون، والعاملون في مجال الإعلام، وكلّ الذين يقدمون خدمة اجتماعية أو سياسية.

الإصغاء بأذُن القلب

نتعلّم من صفحات الكتاب المقدّس أنّ الإصغاء لا يملك فقط معنى الإدراك الصوتي، ولكنه يرتبط بشكل أساسي بعلاقة الحوار بين الله والبشرية. “Shema’ Israel – اسمع يا إسرائيل” (تثنية الاشتراع 6، 4)، إنّ أوّل وصية في التوراة، تتكرّر باستمرار في الكتاب المقدّس، لدرجة أنّ القدّيس بولس سيؤكّد أنّ “الإيمان يأتي من السماع” (روما 10، 17). إنَّ المبادرة في الحقيقة هي من الله الذي يخاطبنا، فنجيب عليه بإصغائنا إليه، وهذا الإصغاء أيضًا يأتي أوّلًا وآخرًا من نعمته، كما يحدث للمولود الجديد الذي يستجيب لنظرة وصوت أمه وأبيه. من بين الحواس الخمس، يبدو أنّ الحاسّة التي يفضِّلها الله هي السمع، ربما لأنَّ وقعه أخف وهو أكثر تحفظًا من البصر، وبالتالي يترك الإنسان حُرًّا أكثر.

يتفق الاصغاء مع أسلوب الله المتواضع. إنّه العمل الذي يسمح لله بأن يُظهر نفسه أنّه بكلمته يخلق الإنسان على صورته، ثم يصغي إليه فيعترف به محاورًا له. إنّ الله يحبّ الإنسان: لهذا يخاطبه بالكلمة، ولهذا ”يُمِيل أُذنه“ ليصغي إليه.

أمّا الإنسان فيميل إلى الهرب من العلاقة، فيدير ظهره و”يسُدُّ أذنيه“ لكي لا يُضطر إلى الإصغاء. وينتهي رفض الإصغاء غالبًا بأن يصبح عدوانًا تجاه الآخر، كما حدث مع الذين كانوا يصغون إلى الشماس إسطفانس: سَدُّوا آذانَهم وهَجَموا علَيه هَجمَةَ رَجُلٍ واحِد (راجع أعمال الرسل 7، 57).

 إذن، الله، من جهته، يُظهر نفسه للإنسان ويتصل به مجَّانَا، ومن جهة أخرى، يُطلب من الإنسان أن يكيِّف نفسه ويضع نفسه في حالة إصغاء. الله يدعو الإنسان بصراحة إلى عهد حبٍّ، لكي يتمكّن من أن يصير ما هو بصورة كاملة: صورةَ الله ومثالَه في قدرته على الإصغاء إلى الآخر وقبوله وإعطائه مكانًا. إنَّ الإصغاء هو في حقيقته بُعدٌ من أبعاد الحبّ.

لهذا السبب، يقول يسوع لتلاميذه أن يتنبّهوا لنوعيّة إصغائهم وحثّهم قائلاً: “فتَنَبَّهوا كَيفَ تَسمَعون!” (لوقا 8، 18). بعد أن ضرب لهم مثل الزارع، أراد أن يفهموا أنّه لا يكفي أن يصغوا وإنما عليهم أن يقوموا بذلك بشكل جيّد. لأنّ الذين يقبلون كلمة الله بقلب ”طيب كريم“ ويحفظونها بأمانة هم وحدهم يحملون ثمار الحياة والخلاص (راجع لوقا 8، 15). فإذا انتبهنا إلى من نصغي إليه، وإلى ما نُصغي إليه، وكيف نُصغي إليه، يمكننا أن نتقدّم في فن الاتصال، وهو في جوهره ليس نظرية ولا طريقة تقنية، بل هو “قدرة القلب التي تجعل القرب بين الناس ممكنًا” (الإرشاد الرسولي، فرح الإنجيل، عدد 171).

كلّنا لنا آذان، لكن في كثير من الأحيان حتى أصحاب السمع القوي لا يمكنهم أن يُصغوا إلى الآخرين. هناك في الواقع صمم داخلي، أسوأ من الصمم الجسدي. فالإصغاء، في الواقع، لا يتعلّق فقط بحاسة السمع، وإنّما بالشخص بأكمله. إنّ مركز الإصغاء الحقيقي هو القلب. وقد أثبت الملك سليمان، رغم صغر سنه، أنّه حكيم لأنّه طلب من الله أن يمنحه “قلبًا فهيمًا” (الملوك الأوّل 3، 9). وكان القديس أغسطينوس يدعو إلى الإصغاء بواسطة القلب ( corde audire)، وإلى قبول الكلمات لا في الأذنين بشكل خارجي، وإنّما في القلب بشكل روحي: “لا تكُن قلوبكم في آذانكم بل لتكُن آذانكم في قلوبكم” [1]. وكان القديس فرنسيس الأسيزي يحثُّ إخوته لكي “يُصغُوا بآذان القلب” [2].

لذلك، فإنّ الإصغاء الأوّل الذي يجب علينا اكتشافه عندما نبحث عن اتصال حقيقي هو الإصغاء إلى الذات، وإلى احتياجاتنا الحقيقية، المطبوعة في أعماق كلّ شخص. ولا يمكننا أن ننطلق مجدّدًا إلّا من خلال الإصغاء إلى ما يجعلنا فريدين في الخليقة: الرغبة في أن نكون في علاقة مع الآخرين ومع الله. نحن لم نُخلق لكي نعيش مثل ذرّات متباعدة، وإنّما معًا.

الإصغاء شرط للتواصل الجيّد

هناك سَمَعٌ ليس سمعًا ولا إصغاءً حقيقيًّا، بل نقيضه وهو استراق السمع. في الواقع، هناك تجربة حاضرة على الدوام ويبدو أنّها قد تفاقمت اليوم في زمن الشبكة الاجتماعية، وهي التنصت والتجسس، واستغلال الآخرين لمصلحتنا الخاصة. أمّا ما يجعل التواصل جيّدًا وإنسانيًّا بشكل كامل فهو أن نُصغي إلى من هو أمامنا، وجهًا لوجه، وأن نُصغي إلى الآخر الذي نقترب منه بانفتاح أمين وواثق وصادق.

إنّ غياب الإصغاء، الذي نختبره مرارًا في الحياة اليومية، يظهر للأسف واضحًا أيضًا في الحياة العامة، حيث، بدلًا من أن نُصغي بعضنا إلى بعض، غالبًا ما ”نتحدث عن بعضنا البعض“. وهذا دليل على واقع فينا وهو أنّنا نبحث عن موافقة الناس أكثر من بحثنا عن الحقيقة والخير، وبدلًا من الإصغاء نهتم بالمستمعين. فيما أنّ التواصل الجيّد لا يحاول أن يؤثِّر على الجمهور بالكلمة التي تفحم، أو بالنكتة بهدف السخرية من المخاطَب، ولكنّه يتنبّه إلى آراء الآخر ويحاول أن يفهم الواقع في كلّ تعقيداته. إنّه لأمر محزن أن نرى تجمعات أيديولوجية تنشأ، حتى في الكنيسة أيضًا، حيث يختفي الإصغاء ويفسح المجال لمواقف معارضة عقيمة.

في الواقع، في العديد من الحوارات لا يوجد بيننا تواصل. إنّنا ننتظر أن ينتهي الآخر من الكلام كي نفرض وجهة نظرنا. في هذه الأوضاع، كما يقول الفيلسوف أبراهام كابلان [3]، يصبح الحوار خطابَين منفردَين، أو مناجاة أو حديث منفرد بصوتَين. في التواصل الحقيقي، يكون ال”أنا“ والـ”أنت“ منفتحَين نحو الآخر.

الإصغاء إذًا هو المكوّن الأوّل الأساسي للحوار وللتواصل الجيّد. لا يمكن أن نتواصل مع الآخرين إن لم نصغ أوّلًا، ولا يمكن أن يُمارس العمل الصحفي الجيّد بدون القدرة على الإصغاء. وبغية تقديم معلومات أكيدة، متّزنة وكاملة، من الأهمية بمكان أن نصغي إلى الآخرين مطولًا. وكي ننقل حدثًا ما أو نَصف واقعًا في تقرير ما، ينبغي أن نعرف كيف نصغي وأن نكون مستعدين لتغيير فكرنا ولتعديل الفرضيات المكونة مُسَبقًا فينا.

إن خرجنا من الحديث المنفرد (المونولوج) فقط يمكن أن نصل إلى التناغم في الأصوات الذي هو ضمانة التواصل الحقيقي. الإصغاء إلى مصادر عدة، ”عدم التوقف عند المحطّة الأولى“ – كما يقول المتمرسون في المهنة –، هذا ما يضمن المصداقيّة والجديّة في المعلومات التي ننقلها. إنّ الإصغاء إلى أصوات عدة، والإصغاء المتبادل، حتى داخل الكنيسة، بين الإخوة والأخوات، هذا ما يسمح لنا بممارسة فن التمييز، الذي هو دائمًا بمثابة القدرة على توجيه خطواتنا وسط سيمفونية الأصوات.

لكن لماذا نكلّف أنفسنا عناء الإصغاء؟ كان الدبلوماسي الكبير في الكرسي الرسولي، الكاردينال أغوستينو كازارولي يتكلّم على ”استشهاد الصّبر“، وهو أمرٌ ضروري كي نصغي ونجعل الطرف الآخر يصغي إلينا خلال المفاوضات الصعبة، من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من الخير، في ظروف تكون الحرّيّة فيها مقيّدة. لكن يتطلب الإصغاء فضيلة الصّبر، أيضًا في الأوضاع الأقل صعوبة، بالإضافة إلى القدرة على ترك الحقيقة تفاجئنا، ولو جزء منها فقط، في الشخص الذي نصغي إليه. الدهشة وحدها تسمح بالمعرفة. أفكرُ بالفضولية اللامتناهية لدى الطفل الذي ينظر إلى العالم المحيط به بعينين واسعتين. إنّ الإصغاء بهذا الموقف النفسي – بدهشة الطفل المرفقة بوعي الشخص البالغ – هو دائمًا غنى، لأنّ هناك دائمًا شيئًا، ولو كان صغيرًا، يمكن أن أتعلّمه من الآخر وأستثمره في حياتي.

القدرة على الإصغاء إلى المجتمع ثمينة جدًا في هذا الزمن الذي يعاني من استمرار الجائحة. فَقَدْ تراكَم في السابق انعدام الثقة بـ ”الإعلام الرسمي“ سبّب أيضًا ”وباءً إعلاميًا“، حيث أصبح من الصّعب جعل عالم الإعلام مصدَّقًا وشفافًا. يجب فتح الأذنَين، والإصغاء العميق إلى الاستياء الاجتماعي المتنامي بسبب تباطؤ أو توقف العديد من النشاطات الاقتصاديّة.

إنّ واقع الهجرة القسرية هو أيضًا مشكلة معقدة ولا أحد يملك حلًا لها. وأكرّر أنّه بغية التغلّب على الأحكام المسبقة حيال المهاجرين وتخطي قساوة قلوبنا، لا بد من أن نسعى للإصغاء إلى قصصهم. وأن نعطي اسمًا وقصة لكلّ واحد منهم. العديد من الصحفيين الجيّدين يفعلون ذلك، وكثيرون آخرون يريدون أن يفعلوا الشيء نفسه لو استطاعوا ذلك. يجب أن نشجعهم! لنصغِ إلى هذه القصص! وكلّ واحد سيكون حرًا في دعم سياسات الهجرة التي يراها ملائمة لبلده. لكن سنرى أمامنا أعين هؤلاء الأشخاص، لن نتعامل مع أرقام أو مع غزاةٍ خطرين، لكن مع وجوه وقصص أشخاص حقيقيين، مع نظرات وتطلعات ومعاناة رجال ونساء ينبغي الإصغاء إليهم.

الإصغاء بعضنا إلى بعض داخل الكنيسة

حتى داخل الكنيسة ثمة حاجة كبيرة للإصغاء إلى الآخرين وبعضنا إلى بعض. إنّها أثمن هبة وأكثرها فعالية يمكن أن نقدمها بعضنا لبعض. إنّنا كمسيحيين ننسى أن خدمة الإصغاء أُوكلت إلينا ممن هو المُصغي بامتياز، ونحن مدعوون إلى المشاركة في عمله. “يجب أن نصغي بأُذُن الله، إن أردنا أن نتكلّم بكلمته” [4]. هكذا يذكرنا اللاهوتي البروتستنتي Dietrich Bonhoeffer بأنّ الخدمة الأولى التي ينبغي أن نقدمها للآخرين في إطار الشركة هي الإصغاء إليهم. من لا يعرف أن يصغي إلى أخيه، سيفقد سريعًا المقدرة على الإصغاء إلى الله [5].

في العمل الرعوي، الفعل الأهم هو ”رسالة الأُذُن“. الإصغاء قبل التكلّم، كما يقول يعقوب الرسول: “على كُلِّ إِنسانٍ أَن يكونَ سَريعًا إِلى الاِستِماعِ بَطيئًا عَنِ الكَلام” (يعقوب 1، 19). إنّ تخصيص قسط من وقتنا مجانًا للإصغاء إلى الآخرين هو أوّل عمل محبّة.

بدأت منذ قليل مسيرة سينودية. لنصلِّ كي تكون فرصة كبيرة للإصغاء المتبادل. إنّ الشركة في الواقع ليست نتيجة استراتيجيات وبرامج، إنّها تُبنى على الإصغاء المتبادل بين الإخوة والأخوات. الوَحدة في الجوقة لا تقتضي التسوية بين الجميع والصوت الواحد، بل التعددية وتنوع الأصوات، وتعدد النغمات. وفي الوقت نفسه إنّ كلّ صوت في الجوقة يغني مستمعًا إلى الأصوات الأخرى، وفي إطار تناغم الكلّ. هذا التناغم صاغه المؤلّف الموسيقي، لكن تحقيقه يعتمد على سيمفونية جميع الأصوات المنفردة.

إن وعينا أنّنا مساهمون في شركة ووَحدة تسبقنا وتشملنا، أمكننا أن نعيد اكتشاف كنيسة سمفونية، يكون فيها كلّ واحد قادرًا على الغناء بصوته، متقبلًا أصوات الآخرين ومعتبّرًا إياها هبة له، حتى يتمّ التعبير عن تناغم الكلّ الذي يؤلّفه الرّوح القدس.

أُعطيَ في روما، في بازيليكا القديس يوحنا في اللاتران، يوم 24 كانون الثاني/يناير من العام 2022، في تذكار القديس فرانسيس دي سالِس.

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2022

 


[1]“Nolite habere cor in auribus, sed aures in corde” (العظة 380، 1: المكتبة الأوغسطينية الجديدة 34، 568).

[2]رسالة إلى الرهبانية بأسرها: مصادر فرنسيسكانيّة، 216.

[3]راجع حياة الحوار، في ج. د. روسلانسكي، وسائل التواصل. مناقشة في مؤتمر نوبل، شركة شمال هولندا للنشر، أمستردام 1969، 89-108.

Cfr The life of dialogue, in J. D. Roslansky ed., Communication. A discussion at the Nobel Conference, North-Holland Publishing Company – Amsterdam 1969, 89-108.

[4]ديتريش بونهوفر، الحياة المشتركة، دار النشر كويرينيانا، بريشا 2017، 76.

D. Bonhoeffer, La vita comune, Queriniana, Brescia 2017, 76.

[5]راجع المرجع نفسه، 75.

 


Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana

Print Friendly, PDF & Email

24/01/2022-08:34

ندى بطرس

البابا يُعلن عن نهار صلاة لأجل أوكرانيا

بوجه الضغوطات الحالية وأمام تراجع الشروط الأمنيّة على الحدود الروسيّة الأوكرانيّة، أطلق الحبر الأعظم مرّة جديدة نداء “لأصحاب الإرادة الطيّبة” بهدف العودة إلى الحوار شرق أوروبا، وذلك مع انتهاء صلاة التبشير الملائكي البارحة الأحد 23 كانون الثاني 2022، كما نشر الخبر القسم الفرنسي من موقع “فاتيكان نيوز” الإلكتروني.

وعبّر البابا عن قلقه حيال أمن القارّة الأوروبية مُطلقاً النداء “للصلاة لله القدير كي تخدم التحرّكات والمبادرات السياسيّة الأخوّة الإنسانيّة بدلاً من المصالح الحزبيّة… إنّ مَن يلحقون بأهدافهم على حساب الآخرين، يحتقرون رسالتهم كبشر، لأنّنا خُلِقنا جميعاً إخوة. لهذا، أقترح أن يكون يوم الأربعاء 26 كانون الثاني يوم صلاة لأجل السلام”.

Print Friendly, PDF & Email

24/01/2022-06:04

ZENIT Staff

البابا: عندما نرى اقتراحات الصلابة والشدّة، لنفكّر على الفور ولنقل: هذا صنم وليس الله

في القراءة الأولى وفي الإنجيل نجد حركتين متوازيتين: الكاهن عَزْرا يرفع كتاب شريعة الله عاليًا، ويفتحه ويعلنه أمام جميع الناس. وفي مجمع الناصرة، يسوع يفتح لفائف الأسفار المقدسة ويقرأ مقطعًا من سفر النبي أشعيا أمام الجميع. إنّهما مشهدان ينقلان لنا حقيقة أساسيّة: في قلب حياة شعب الله المقدّس وفي مسيرة الإيمان، لسنا نحن الموجودين وكلماتنا. بل في المكان الرئيسي، الله موجود وكلمته.

بدأ كلّ شيء بالكلمة التي وجهها الله إلينا. في المسيح، كلمته الأزليّ، “اختارَنا فيه قَبلَ إِنشاءِ العالَم” (أفسس 1، 4). بكلمته خلق الكون: “قالَ فكان وأَمَرَ فوجِد” (مزمور 33، 9). منذ العصور القديمة كلّمنا بالأنبياء (راجع عبرانيين 1، 1)، وأخيرًا، في ملء الزمان (راجع غلاطية 4، 4)، أرسل إلينا كلمته، الابن الوحيد. لهذا السبب، بعد أن أنهى يسوع قراءة النبي أشعيا، أعلن، في الإنجيل، شيئًا لم يُسمع به من قبل، قال: “اليوم تَمَّت هذه الآية” (لوقا 4، 21). لقد تَمَّت: لم تَعُدْ كلمة الله وعدًا، بل تحقّقت. في يسوع صارت جسدًا. وبعمل الرّوح القدس جاءت لتسكن بيننا وأرادت أن تسكن فينا، لتحقّق توقعاتنا وتشفي جراحنا.

أيّها الإخوة والأخوات، لنثبّت نظرنا في يسوع، مثل أهل المجمع في الناصرة (راجع الآية 20) – نظروا إليه وكان واحدًا منهم: ما الجديد؟ ما الذي فعله هذا حيث تمّ الحديث عنه كثيرًا؟ – ولنستقبل كلمته. لنتأمّل اليوم في وجهين للكلمة مرتبطين الواحد بالآخر: الكلمة تُظهِر لنا الله والكلمة تقودنا إلى الإنسان.إنّها في المركز: تُظهر لنا الله وتقودنا إلى الإنسان.

أوّلًا، الكلمة تُظهِر لنا الله. يسوع، في بداية رسالته، وفي تعليقه على هذا المقطع المحدّد من النبي أشعيا، أعلن عن قصد واضح ما أراده: جاء لتحرير الفقراء والمضطهدين (راجع الآية 18). وهكذا، وبالتحديد في الأسفار المقدسة، أظهر الله لنا وجهه، فهو الذي يعتني بفقرنا ومصيرنا. إنّه ليس سيّدًا جالسًا مثل الصخر في السّماوات – تلك الصورة المشوهة لله، لا، ليس الأمر كذلك – بل أبٌ يتبع خطواتنا. إنّه ليس مراقبًا باردًا بعيدًا عنا، لا إحساس له ولا شعور، بل هو الله معنا، يحبّ حياتنا حبًّا شديدًا، ويهتم لنا إلى حد أنّه يبكي ويذرف مثل دموعنا. ليس إلهًا محايّدًا لا يبالي. بل هو الرّوح المحبّ للإنسان، يدافع عنا، وينصحنا، ويقف معنا، ويغامر ويقبل معنا آلامنا.إنّه موجود دائمًا هناك. هذه هي ”البشرى السارة“ (راجع الآية ١٨) التي أعلنها يسوع أمام مستمعيه الذين نظروا إليه باندهاش: الله قريب ويريد أن يعتني بي وبك وبالجميع. وهذا هو أسلوب الله: القرب. عرّف نفسه بهذه الطريقة، وقال للشعب في سفر تثنية الاشتراع: ”أيّ شعبٍ لَهُ آلهة قَريبةٌ مِنه، كما أنا قريبٌ منك؟“ (راجع تثنية الاشتراع 4، 7). الله قريب، وبهذا القرب الرّحيم والحنون، يريد أن ينهضك من الأعباء التي ترزح تحتها، ويريد أن يبعث دفئًا في برد أيام شتائك، ويريد أن ينير أيامك المظلمة، ويريد أن يسند خطواتك المتردّدة. وهو يفعل ذلك بكلمته، التي يكلّمك بها ليوقد الرّجاء في رماد مخاوفك، وليجعلك تكتشف من جديد الفرح في متاهات حزنك، وليملأ مرارة وحدتك بالرجاء. إنّه يجعلك تذهب، ولكن ليس في متاهة: يجعلك تذهب في الطريق، لتجده أكثر، كلّ يوم.

أيّها الإخوة والأخوات، لنسأل أنفسنا: هل نحمل هذه الصّورة المحرِّرة عن الله في قلوبنا، صورة الله القريب، والله الرّحيم، والله الحنون؟ أم نفكّر فيه مثل قاض صارم، أم هو في حياتنا مثل ضابط جمارك متشدّد؟ هل إيماننا هو إيمان يولِّد الرجاء والفرح أم إيمان لا يزال مثقلًا بالخوف، إيمان خائف؟ أي وجه لله نعلن في الكنيسة؟ الله المخلّص الذي يحرّر ويشفي أم الله الرهيب الذي يسحقنا بسبب ذنوبنا؟ لكي نعود إلى الله الحقيقي، بيّن لنا يسوع من أين نبدأ: من الكلمة. فهي تحدّثنا عن قصة محبّة الله لنا، وتحرّرنا من مخاوف وأفكار مسبقة عنه، التي تُطفئ فرح الإيمان فينا. الكلمة تهدم الأصنام الزائفة، وتزيل القناع عن أوهام نتوهّمها، وتهدم تصوّراتنا البشرية عن الله، وتعيدنا إلى وجهه الحقيقي، إلى رحمته. كلمة الله تغذّي الإيمان وتجدّده: فلنضعها من جديد في قلب صلاتنا وحياتنا الرّوحية! لنضعها في القلب، الكلمة التي تُظهر لنا الله، الكلمة التي تقربنا من الله.

والآن الوجه الثّاني، وهو: الكلمة تقودنا إلى الإنسان. تقودنا إلى الله وإلى الإنسان. عندما نكتشف أنّ الله هو حبّ رحيم، إذّاك فقط يمكننا أن نتغلّب على تجربة انغلاقنا في تديّن مقدّس، يقتصر على عبادة خارجيّة لا تمسّ الحياة ولا تغيّرها. هذه عبادة أصنام. عبادة أصنام خفيّة، عبادة أصنام منقية، لكنّها عبادة أصنام. تدفعنا الكلمة إلى أن نخرج من أنفسنا وننطلق للقاء إخوتنا بالقوّة الوديعة فقط لمحبّة الله المُحرّرة. كشف لنا يسوع في مجمع النّاصرة ما يلي: إنّه أُرسل ليلتقي بالفقراء – والذين هم نحن جميعًا – وليحرّرهم. لم يأتِ ليقدّم قائمة من الأحكام أو ليترأّس بعض الاحتفالات الدينيّة، بل نزل إلى طرقات العالم ليلتقِيَ بالإنسانيّة الجريحة، وليلاطف الوجوه التي حفرتها الآلام، وليشفِيَ القلوب المحطمة، وليحرّرنا من السلاسل التي تقيّد النفس. بهذه الطّريقة بيَّنَ لنا العبادة التي تُرضي الله، وهي: أن نعتني بالآخرين. وعلينا أن نعود إلى هذا. توجد في الكنيسة تجارب الصلابة والشدّة، وهذا ضلال، ويُعتقد أنّ العثور على الله هو أن نصبح أكثر صلابة وشدّة، مع المزيد من القواعد، والأشياء الصحيحة، والأشياء الواضحة… الأمر ليس كذلك. عندما نرى اقتراحات الصلابة والشدّة، لنفكّر على الفور ولنقل: هذا صنم وليس الله. إلهنا ليس كذلك.

أيّها الإخوة والأخوات، إنّ كلمة الله تغيّرنا – الصلابة والشدّة لا تغيّرنا – وهي تفعل ذلك عندما تنفَذُ في نَفسِنا مثل السّيف (راجع عبرانيّين 4، 12). لأنّه إن كانت من ناحية تعزّينا وتُظهر لنا وجه الله، فإنّها من ناحية أخرى تُثيرنا وتَهزُّنا، وتُعيدنا فتضعنا أمام تناقضاتنا. إنّها لا تتركنا هادئين، بما أنّ الذي سيدفع ثمن هذا الهدوء هو عالمٌ يمزّقه الظّلم والجوع، والذين يدفعون الثّمن هم دائمًا الأضعفون. تضع الكلمة تبريراتنا في حالة أزمة وتساؤل، تلك التبريرات التي تجعلنا ننسب الخطأ دائمًا إلى غيرنا. كم نشعر بالألم لرؤية إخوتنا وأخواتنا يموتون في البحر لأنّه لا يُسمح لهم بالنزول إلى البر! وهذا ما يفعله البعض باسم الله. وكلمة الله تدعونا للخروج إلى وضح النهار، وألّا نختبئ وراء تعقيدات المشاكل، ووراء القول ”ليس هناك شيء أفعله“، ”إنّها مشكلتهم“، ”إنّها مشكلته“، أو ”ماذا يمكنني أن أفعل أنا؟“، ”لنتركهم هناك“.  وتحثّنا على الفعل، وعلى توحيد عبادة الله والعناية بالإنسان. لأنّ الكتاب المقدّس لم يُعطَ لنا لنُرفّه عن أنفسنا، ولندلّل أنفسنا بروحانيّة ملائكيّة، بل لنخرج للقاء الآخرين ولنقترب من جراحهم. لقد تكلّمت عن الصّلابة والشدّة، عن تلك البيلاجية الحديثة، التي هي إحدى تجارب الكنيسة. وهذه الأخرى، التي تبحث عن روحانية ملائكية، وهي من التجارب الأخرى اليوم: الحركات الروحية الغنوصية، التي تقدّم لك كلمة الله والتي تضعك في ”المدار“ ولا تسمح لك بلمس الواقع. الكلمة الذي صار بشرًا (راجع يوحنّا ​1، 14) يريد أن يصير بشرًا فينا. إنّه لم يخرجنا من الحياة، بل وضعنا في الحياة، وفي ظروف كلّ يوم، وفي الاستماع إلى معاناة إخوتنا، وصراخ الفقراء، والعنف والظّلم اللذين يؤذيان المجتمع والكوكب، حتّى لا نكون مسيحيّين غير مبالين، بل عاملين، ومسحيّين مبدعين، ومسحيّين نبويّين.

قال يسوع: “اليَومَ تَمَّت هذه الآيَة” (لوقا 4، 21). يريد الكلمة أن يتجسّد اليوم، في الوقت الذي نعيش فيه، وليس في المستقبل المثالي. إحدى المتصوفات الفرنسيّات من القرن الماضي، اختارت أن تعيش الإنجيل في الضواحي، وكتبت أنّ كلمة الله ليست “حرفًا ميتًا: إنّها روح وحياة. […] والصّوت الذي تقتضيه كلمة الله منّا هو صوت من ”اليوم“: أي من ظروف حياتنا اليوميّة واحتياجات قريبنا” (مادلين ديلبريل، فرح الإيمان، دار نشر Gribaudi، ميلانو 1994، 258). لنسأل أنفسنا إذًا: هل نريد أن نقتدي بيسوع، وأن نصبح خُدّام حرّية وتعزية للآخرين؟ هل نحن كنيسة مُطيعة للكلمة؟ وكنيسة تميل إلى أن تصغي إلى الآخرين، وملتزمة في مدّ يد العون لِتَنتَشِل الإخوة والأخوات ممّا يثقل عليهم، فنحلّ عُقد الخوف، ونحرّر الأضعفين من سجون الفقر، والتّعب الداخلي والحزن الذي يُطفئ الحياة؟ هل نريد هذا؟

في هذا الاحتفال، سيتم منح رتبة قرُّاء ومعلّمي التّعليم المسيحي لبعض إخوتنا وأخواتنا. إنّهم مدعوّون إلى العمل المهم في خدمة إنجيل يسوع وإعلانه، حتّى تصل تعزيته وفرحه وتحريره إلى الجميع. إنّها رسالة كلّ واحدٍ منّا أيضًا: وهي أن نكون حاملي بُشرَى صادقين، وأنبياء للكلمة في العالم. لذلك، لنحبّ الكتاب المقدّس حبًّا شديدًا، ولندع الكلمة تعمّق الحفر في داخلنا، وتكشف عن كلّ ما هو جديد في الله وتحملنا إلى أن نحبّ الآخرين دون ملل. لنضع كلمة الله مرّة أخرى في قلب رعويّة الكنيسة وحياتها! هكذا نتحرّر من أية صلابة وشدّة، ونتحرّر من وهم الرّوحانيات الذي يضعنا في ”المدار“ دون أن نعتني بإخوتنا وأخواتنا. لنضع كلمة الله مرّة أخرى في قلب رعويّة الكنيسة وحياتها. ولنصغِ إليها، ولنصلِّ بها، ولنعمل بها.

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2022


Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana

Dimanche de la Parole de Dieu @ Vatican Media

Print Friendly, PDF & Email

24/01/2022-04:57

ندى بطرس

البابا خاطب سكّان لابالما المتأذّين جرّاء ثوران البركان

“رافقتكم لحظة ثوران البركان وأرافقكم في إعادة البناء”: تلك كانت رسالة التشجيع التي وجّهها البابا فرنسيس لسكّان لابالما أي إحدى جزر الكناري التي تُعاني منذ أشهر من نتائج ثوران البركان الذي ابتدأ في 19 أيلول ودام حتّى 13 كانون الأوّل، كما نشر الخبر القسم الفرنسي من موقع “فاتيكان نيوز” الإلكتروني.

ففي صباح 21 كانون الثاني، تكلّم البابا باختصار عبر الهاتف الذكيّ العائد لأسقف تينيريف (إحدى جزر الكناري) والذي كان في روما مع مؤتمر أساقفة إسبانيا الذين تمّ استقبالهم في القصر الرسولي. والمطران بذاته نقل رسالة الفيديو للسكّان.

“هذا صعب، لكن لا تستسلموا. إعادة البناء تعني دائماً القيام بخطوة إلى الأمام. وهذا يعني أيضاً أنّ الكلمة الأخيرة ليست للهزيمة، ويُشير إلى عدم التعب من النظر إلى الأفق”. وأصرّ البابا قائلاً: “هذا صعب لكن لا تستسلموا”. ثمّ ختم: “أنا قريب منكم، وأصلّي لكم”.

يواجه سكّان لابالما مستقبلاً مليئاً بالشكوك. إثر الكارثة المُدمِّرة، اضطرّ آلاف الأشخاص إلى الجلاء عنها، بعد أن فقدوا منازلهم وعملهم.

أمّا كلمات خليفة بطرس التي تنمّ عن القُرب فهي صدى لتلك التي وجّهها مؤخّراً لسكّان جزيرة تونغا التي اجتاحها أيضاً ثوران بركان تحت البحر، بالإضافة إلى التسونامي الذي نتج عنه.

Print Friendly, PDF & Email

24/01/2022-20:52

ZENIT Staff

عناوين نشرة الاثنين 24 كانون الثاني 2022: أحد كلمة الله