نظرة أولى على سر يسوع
(...) بيسوع يكتمل الوعد بالنبي الجديد. به يكتمل ما نقص في موسى: يعيش في حضرة الله، ليس فقط كصديق وإنما كإبن، في اتحاد عميق مع الآب. إنطلاقاً من هذه الحقيقة نستطيع أن نفهم صورة يسوع الذي يلاقينا في العهد الجديد. كل ما أُخبرنا به، الكلمات، الأحداث، آلام ومجد يسوع، يجد هنا قوامه.
(...) هنا فقط يكمن الجواب على السؤال الذي من المفترض ان يطرحه كل من يقرأ العهد الجديد: من أين أتى يسوع يتعليمه؟ كيف نفهم مجيئه؟ ردة فعل سامعيه كانت واضحة: هذا التعليم لا يأتي من أية مدرسة. إنه مختلف جذرياً عن كل ما يمكن تعلمه في المدارس. ليس شرحاً بحسب طرق التعليم العادية، انه مختلف، إنه شرح "مع سلطان"... لا يأتي تعليم يسوع من خبرة انسانية، أي كان نوعها. يأتي من اللقاء المباشر مع الآب، من الحوار "وجهاً لوجه"، من رؤية ما هو "في حشا الآب".
وللتعمق أكثر في معرفة يسوع، من المهم العودة الى الآيات التي تذكر يسوع ينسحب الى الجبل "للصلاة" الييل كله "بمفرده" مع الآب. هذه الآيات تنزع البرقع عن السر، وتسلط الاضواء على وجود يسوع البنوي، وتظهر لنا مصدر أعماله، تعليمه وآلامه.
"صلاة" يسوع وكلامه كابن مع ابيه، حيث يظهر وعيه وإرادة البشرية، وروح البشري، يجعلون من صلاة البشر مشاركة في الاتحاد بين الابن والآب. وهنا يبطل تصريح هرناك الذي يقول بأن بشارة يسوع هي بشارة تأتي من الآب ولا علاقة للابن بها... يسوع يستطيع ان يتكلم مع الآب، فقط لأنه الابن ويعيش في اتحاد بنوي مع الآب.
إن سر الابن الذي يظهر الآب، موجود في كل أحاديث يسوع وأعماله. الأمر الذي يسلط الأضواء على نقطة أخرى مهمة. لقد قلنا بأن روح يسوح البشري يشارك في اتحاد يسوع البنوي مع الآب. من يرى يسوع يرى الآب (يو 14، 9). وهكذا فالتلميذ الذي يتبع يسوع يشترك معه في الاتحاد مع الله. وهذا هو الخلاص الحقيقي: أن يتخطى المرء الحدود البشرية. هذا التخطي للحدود الذي كان في الانسان كانتظار منذ بدء الخليقة على مثال الله.
من كتاب "يسوع الناصري"، ليوسف راتسنجر، ريتسولي 2007