روما، 6 فبراير 2008 (zenit.org). – ننشر في ما يلي تأمل اليوم الثالث، الرابع، الخامس والسادس من فبراير للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".
الثالث من فبراير
الدخول في علاقة البنوّة
أن تشارك في علاقة الإبن: كيف يكون ذلك؟ وما الذي عناه ذلك ليسوع نفسه؟ إن أوّل ما يتجلى ذلك في الإنجيل هو في صلاة يسوع. فكونه يتمتع بصفة الإبن يعني، أوّل ما يعني، أنه يصلّي، وأنه، في صميم ذاته، سواء عمل بين البشر أو استراح، يبقى منفتحاً دائماً أبداً على الإله الحيّ، وله دائماً مكانه فيه، ويعتبر دائماً وجوده كتبادل معه فيحيا دائماً من صميم هذا العمق... إن الله لا يصنع وجوده، بل يتلقاه في حوار عميق مع الله. وهذا الحوار هو ما يجعله قادراً على السير بحرية بين الناس وعلى الخدمة بحريّة. وهذا الحوار هو ما يعلّمه، من دون الحاجة إلى مدارس أو معلّمين، فهم الكتاب المقدس بشكل أوفى من أي شخص آخر- أن يتعلّمه حقيقةً من الله نفسه... ومن يصبح إبناً لهذا الآب لا يعود وحيداً. فالدخول في هذه البنوّة هو دخول إلى العائلة الكبرى التي يكوّنها كل الأبناء الآخرين إلى جانبنا. إنه يخلق رابطاً. فالإقتراب من المسيح يعني على الدوام الإقتراب من كل أولئك الذين يرغب في أن يجعلهم جسداً واحداً.
الرابع من فبراير
العودة إلى جذور يوم السبت
في رواية الخلق، يُصوَّر يوم السبت على أنه اليوم الذي يشارِك فيه الإنسان الله، في حرية العبادة، حريته واستراحته وتالياً سلامه. فالإحتفال بيوم السبت هو الإحتفال بالعهد أي العودة إلى الجذور والتخلص من كل ما حَملَ عملنا معه وفيه من نجاسة. وهو التوجه نحو عالم جديد لا عبيد أوأسياد فيه، بل فقط أبناء لله أحرار- نحو عالم يتشارك فيه الإنسان والحيوان والأرض ذاتها كأقرباء وأنسباء سلام الله وحريته... لقد رفض البشر في الماضي لله استراحته وما يصحبها من وقت فراغ وراحة وعبادة وسلام وحرية، فوقعوا في عبودية العمل. وقد سخّروا الأرض في هذه العبودية وجعلوا أنفسهم عبيداً. فكان لا بدّ لله من أن يوصيهم بيوم السبت الذي كانوا يحرمون أنفسهم منه. ففي كلمة "لا" التي واجهوا بها نمط الحرية والراحة الذي أعطاهم إياه الله، تركوا شبههم بالله وتسببوا بالضرر للأرض. لذا، كان لا بدّ من أن يُقتلَعوا من تمسكهم المتعنّت بنشاطهم وأعمالهم. فكان على الله أن يعمل من جديد على جعلهم خاصّته، وأن يحررهم من هيمنة العمل. لا تؤثرنّ شيئاً على عمل الله: فعبادة الله وحريته واستراحته تأتي أولاً. فهكذا، وفقط هكذا يكون الإنسان حياً بحق.
الخامس من فبراير
دهن يسوع بالطيب في بيت عنيا
عندما يقرأ المرء قصة دهن يسوع بالطيب في بيت عينا، يخالها، للمرة الأولى، مجرّد رواية لا أكثر. ولكن يسوع نفسه قد كرّسها كجزء ثابت من الإنجيل حين قال: "حيثما تُعلَن هذه البشارة في الأرض كلّها، يُحدَّث أيضاً بما صنعَت هذه، إحياءً لذكرها" (مر 14: 9)... من الواضح أن يسوع كان يقارن ما حصل في بيت عنيا مع مشحة الملوك والمقتدرين عند مماتهم. فكانت هذه المشحة محاولة لمقاومة حدث الموت من باب الإقتناع بأن الموت لم يكمل عمله طالما أن الجسد لم يتحلل ويفسد بعد. فما دام الجسد قائماً، لم يكن الإنسان يُعتبَر قد مات بشكل نهائي. لذلك، فقد نظر يسوع إلى فعل مريم على أنه محاولة لتقيه الموت. فأدرك ما يحرّكها من اهتمام لا حول له ولكنه ينطوي على الكثير من المعاني في آنٍ معاً – إنه اهتمام يعبّر عن الحبّ- بأن تعطي الحياة، قُل الخلود، إلى الآخرين. وتبيّن الأحداث التي تَلَت بوضوح ان لا اهتمام أو قلق بشري، على قوّته وأهميته، يقدر على شراء الخلود للإنسان. فكل مشحة من هذا النوع، تنبري في نهاية المطاف، محاولةً ليس إلا لحفظ الجسد الميت من الفساد، وتعجز عن قهر الموت بحدّ ذاته. فليس سوى مشحة واحدة قادرة على التغلب على الموت: إنها مشحة الروح القدس، بارقليط محبة الله. وبالتالي، فإن في مبادرة مريم إلى دهن يسوع بالطيب في بيت عنيا فعلاً نموذجياً ومستداماً. فهي تحمل أولاً همّ إبقاء المسيح حياً في هذا العالم ومواجهة القوى التي كانت تهدف إلى إسكاته وقتله. إنه فعل إيمان ومحبة. وكل فعل من هذا القبيل قادر على أن يفعل الفعل نفسه.
السادس من فبراير
السبيل إلى الخلود
أي شعور يساورنا لو قرأنا في أحد الأيام في الصحف خبر اكتشاف ترياق ضدّ الموت؟ فمنذ وُجد الإنسان على هذه الأرض، لم ينفكّ لحظة يبحث عن ذاك الترياق. فنأمل بأن نكتشفه، ولكننا نخشاه في الوقت عينه... ومع ذلك، فإن الكنيسة تعلن أن هذا العلاج قد وُجد في الواقع. فقد تمّ التغلّب على الموت – فيسوع المسيح قد قام من الموت ولن يموت ثانيةً. فما كان يبدو جائزاً هو ممكن بالفعل ويصحّ هذا العلاج لنا جميعاً لأنه مع المسيح، يمكننا أن نكون جميعنا مسيحيين وخالدين. كيف ذلك؟... ماذا كانت تلك الإنسانية في المسيح المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالله، تلك الإنسانية التي يتعيّن علينا جميعنا اتّباعها؟ إليكم ما كانت عليه: لقد عاش يسوع العمر كلّه في صلة مع الله. لقد عاش يسوع في صلة وثيقة بالله. لقد أمضى الليالي في الصلاة... لقد مات المسيح المصلوب وهو يصلّي. لقد كان كل كيانه يحمله إلى الله ويتجلّى حياة بشرية طاهرة. ولذلك، فقد تنفّس نسيم المحبة الخاص بالله. ولذلك أيضاً، فقد كان خالداً ورُفع فوق الموت... هذا هو السبيل إلى الخلود... فالنصر يكون مع المسيح، الإبن المحيي . فكلما سلكنا طريقه بأمانة أكبر، كان النصر أكمل في هذه الدنيا لقدرته المحيية على قوة الموت.