* * *
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!
في هذا الأحد الثالث من زمن الصوم، تقدم لنا ليتورجية هذه السنة أحد أجمل وأعمق نصوص الكتاب المقدس: الحوار بين يسوع والسامرية (راجع يو 4، 5 – 42). كان القديس أغسطينوس، الذي أتحدث عنه حاليًا بشكل موسع في تعليم الأربعاء، كان معجبًا، وبحق، بهذا النص، وقد قام بتعليق هام عليه.
يستحيل على تعليق مختصر الإحاطة بغنى هذه الصفحة الإنجيلية: يجب قراءتها والتأمل بها شخصيًا، ومطابقة الذات مع هذه المرأة التي ذهبت في يوم لا يختلف عن غيره إلى البئر لتستقي الماء فالتقت بيسوع جالسًا على حافة البئر، “وقد أرهقه السفر”، عند حر الظهيرة.
قال لها يسوع: “أعطيني لأشرب”، الأمر الذي دفعها إلى التعجب: لم يكن معتادًا أن يخاطب يهودي امرأة سامرية، وأكثر من ذلك، غريبة. ولكن ما كان لعجب المرأة إلا أن يزيد: فقد تحدث يسوع عن “ماء حي” يستطيع أن يطفئ العطش وأن يضحي فيها “نبع ماء يفيض للحياة الأبدية”؛ كما وأظهر أنه يعرف حياتها الشخصية؛ وكشف لها أن قد أتت الساعة لعبادة الإله الحقيقي بالروح والحق؛ وأخيرًا ساررها – وهو أمر نادر جدًا – بأنه المسيح.
كل هذا انطلاقًا من خبرة العطش الحقيقية والحسية. يتخلل موضوع العطش إنجيل يوحنا بالكامل: من اللقاء بالسامرية، إلى النبوءة الكبيرة خلال عيد المظال (يو 7، 37 – 38)، وصولاً إلى الصليب، عندما يقول يسوع قبل موته، لكي يكمل الكتاب: “أنا عطشان” (يو 19، 28).
عطش يسوع هو باب الدخول في سر الله الذي صار عطشانًا لكي يروي عطشنا، تمامًا كما صار فقيرًا ليغنينا (راجع 2 كور 8، 9).
نعم، الله يعطش لإيماننا ولِحُبِّنا. كأب صالح ورحيم يريد لنا كل الخير الممكن وهذا الخير هو الله بالذات.
أما المرأة السامرية، فهي تمثل عدم الاكتفاء الوجودي الذي يعيشه من لم يجد ما يبحث عليه: كان لها “خمسة أزواج”، وهي تساكن الآن رجلاً آخر؛ يمثل ذهابها وإيابها من وإلى البئر لتستقي الماء حياةً تراتبية ومستسلمة.
ولكن كل شيء تغير في ذلك اليوم، بفضل الحوار مع الرب يسوع الذي أدهشها لدرجة أنه أدى بها إلى ترك جرة الماء وإلى الإسراع لكي تخبر الناس في قريتها: “تعالوا وانظروا رجلاً قال لي كل ما فعلته. لعله المسيح؟” (يو 4، 28 – 29).
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، فلنفتح نحن أيضًا القلب للإصغاء الواثق لكلمة الله، حتى نستطيع على مثال السامرية، أن نلتقي بيسوع الذي يكشف لنا عن حبه ويقول لنا: “أنا هو” المسيح، مخلصك، “أنا الذي يخاطبك” (يو 4، 26).
فلتنل لنا هذه النعمةَ العذراء مريم، أول تلاميذ الكلمة المتجسد وأكملهم.
* * *
نقله من الإيطالية إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)
حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2008.