الله… لم يمت

إله المسيحيين (3)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بقلم روبير شعيب

روما، الثلاثاء 10 يوليو 2012 (ZENIT.org). – إن العوامل التي أوردناها في القسم السابق من المقالة والتي أدت إلى نوع من “كسوف لله” لم تؤد إلى موت فكرة الله وحضوره في الوجدان البشري بشكل عام. لا بل إننا نشهد في زمننا هذا نهضة دينية جديدة. وبما أننا تحدثنا بشكل خاص عن الغرب، فلنشدد على هذا القسم من العالم حيث كان لكسوف الله وقع قوي.

يتحدث بعض علماء الظواهر الدينية في أيامنا عن “عودة الله”. وقد أُخذ البعض منهم في أجواء الفكر الإيجابي بشأن رجوع لأمجاد غابرة في التاريخ الديني. لسنا بصدد هذا النوع من الرجوع. عندما نتحدث عن رجوع الله نتحدث عن رجوع إلى خبرة دينية ما، وهي ليست بالضرورة خبرة دينية مسيحية، ولا حتى خبرة دينية لإله شخصاني أقنومي. هناك عادة رجوع إلى العطش الروحي، رجوع إلى نظرة للعالم وللحياة الشخصية التي تكتشف أنه من غير الممكن أن يَقرأ الإنسان وجوده ويفسره على ضوء الحياة الدنيا وحسب.

رجوع الله هو إعادة اكتشاف لعطش الإنسان إلى المطلق، إلى أن الإنسان هو “قدرة منفتحة على الله” (capax Dei). وفي إطار هذا الرجوع هناك خصائص مشتركة إلى حد ما بين معظم حملات الرجوع. هناك – بكلمة أخرى – خصائص إلهية تقرب عمليات الرجوع إلى الفسحة الدينية هذه، بالرغم من الفروقات الكبيرة القائمة بين من يرجع إلى إيمانه المسيحي، أو من يكتشف الديانات الشرقية، أو من يقوم بهندسة كون ديني يلائم حاجاته ونظراته.

هناك بشكل عام فهم لله كـ “مُطلق” كـ “متسامي” و “لامتناهي”… فهم لله كإله خيّر، إله يحب الإنسان وازدهار حياته. بالطبع كل تعميم خطأ ولكن في معظم الحالات الرجوع إلى الفسحة الدينية هو دليل على هذا العطش الباطني الذي – بحسب إيماننا – زرعه الله في الإنسان عندما خلقه على صورته ومثاله ونفخ فيه روحه.

فكرة الله وكلمة “الله” لم تمت في ذهن الإنسان بالرغم من المحاولات المنهجية التي قامت بها فلسفات عدة وديكتاتوريات عدة. والسؤال الذي يطرح الآن ذاته: نظرًا لمختلف الخبرات الدينية المتفشية، ونظرًا لتنوع المقاربات والفلسفات الدينية، أي حق لي كمسيحي أن أقول كلمة بشأن الله؟ من أنا لأعلم الآخر عن الله وحقيقته؟

– لا يجب أن يكون ردنا الأولي تهجميًا. نعم، يجب أن نعترف ببساطة أننا لسنا – بحسب ما يعلمنا يوحنا بولس الثاني – “مالكي” الحقيقة بشأن الله. ولكن رغم ذلك فإيماننا يعلمنا أننا مؤتمنين على حقيقة الله التي يجب أن نقدمها للآخرين لا بتباهٍ كملك شخصي نسبغه على الآخرين، بل بتواضع مقرين أننا نلنا هذه الموهبة التي لم نستحقها، نلناها كنعمة ونشاركها مع من يشاء الشراكة بتواضع ومحبة.

يعلمنا القديس بطرس الرسول: “كونوا دومًا مستعدين أن تقدموا برهانًا عن الرجاء القائم فيكم” ويضيف: “افعلوا ذلك بطيبة ووداعة”. تقديم دلائل ومنطق إيماننا لا يجب أن ينفصل عن هذه الطيبة وهذه الوداعة.

… وخلق الإنسان الله على صورته ومثاله

يقول فولتير الفيلسوف الفرنسي اللاذع بحنكته وفكاهته المعتادة: “لقد خلق الله الإنسانَ على صورته فمثاله… إلا أن الإنسان رد له الجميل بشكل رائع”. يبين لنا فولتير في كلماته هذه حقيقة هامة. غالبًا ما نرى الله من خلال نظاراتنا ومن خلال مفاهيمنا، خبراتنا، توقعاتنا ومقايسنا. والسؤال الذي يطرح نفسه: أين لنا أن نعرف حقيقة الله في ذاته وليس فقط من خلال تضاعفات خبراتنا البشرية؟

جواب المسيحية المختصر هو هذا: وحده الله يستطيع أن يبين لنا الوجه الحقيقي لله.

سنتوسع في المرات المقبلة في تفسير هذه النظرة. ففي مرحلة أولى سنبين النظرة البيبيلية (وبشكل خاص نظرة العهد الجديد) بشأن معرفة الله. وفي مرات مقبلة سنحاول أن نرد على الاعتراضات التي قد تتولد من هذه النظرة.

(يتبع)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير