عظة البطريرك الراعي في قداس اليوبيل الذهبي لتأسيس كرمل والدة الاله والوحدة – حريصا – الإثنين 16 يوليو 2012

“إنّ أمّي وإخوتي هم هؤلاء الّذين يسمعون كلمة اللّه ويعملون بها”.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بكركي، الاثنين ١٦ يوليو2012 (ZENIT.org). – باسم الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد، آمين.

قَبلَت مريم كلمة اللّه أوّلاً في قلبها بالإيمان والرّجاء والمحبّة، وأصبحت كلمة اللّه هذه جنيناً في حشاها.فكلمة اللّه صار بشراً إذ أخذ من مريم جسداً بشريّاً، ونحن أُعطينا أن نشارك في هذه الأمومة روحيّاً عندما نقبل كلمة اللّه في قلوبنا ونعيش في مقتضياتها، وهذا ما يؤكّده الرّب يسوع كما سمعنا: “إنّ أمّي وإخوتي هم هؤلاء الّذين يسمعون كلمة اللّه ويعملون بها”.

يُسعدنا أن نحتفل معاً بعيد سيّدة الكرمل، في دير الكرمل، راهبات كرمل والدة الإله والوحدة هنا في حريصا، والعيد في هذه السّنة يأتي مميّزاً، لأنّه يأتي ضمن إطار الإحتفال الذّهبي بمرور خمسين سنة على تأسيس عيد الكرمل المبارك، فإنّني باسم أخَوَيَّ صاحبَي السّيادة المطران بسترس والمطران كلاّس والرّؤساء العامين والآباء الأفاضل وهذا الجمهور نقدّم التّهاني خالصة لحضرة رئيسة هذا الدّير وجمهوره، مؤكّدين صلاتنا وحبّنا وتقديرنا لهذا الدّير.إنّه يحمل الكنيسة كلّها عبر صلوات الرّاهبات وقبول كلمة اللّه والشّهادة لها، هم بمثابة حربة تقي وطننا من الصّواعق بسبب الخطايا والشّرور الكثيرة.جمهور الرّاهبات هنا يدفعن الثّمن عنّا جميعاً بالتّقشّف والإماتة وروح العزلة.

نحن نقدّم مع جمهور الدّير هذه الذّبيحة الإلهيّة، أوّلاً، ذبيحة شكر وتمجيدٍ للّه على كلّ ما بفضل هذه الجماعة الرّهبانيّة المتوحّدة، يُفيض الربّ من نِعَمٍ عليهنّ أوّلاً، على هذ الدّير، على لبنان، نقول على كلّ كنائسنا في هذا الشّرق الأوسط الّذي يعيش آلام المخاض. ذبيحة شكر للربّ على عظائمه وأفعاله، ونحن اختبرناها في لبنان أكثر من مرّة، وأقول: ألفضل يعود أوّلاً وآخراً لهذا الدّير ولكلّ الّذين يحبّون اللّه ويتّقونه. نحن في لبنان وصلنا أكثر من مرّة إلى شفير الهاوية، وإذ بيدٍ خفيّة كانت تسند هذا الوطن. إنّ الفضل يعود إلى هذا الدّير المصلّي، إلى المتألّمين، إلى الّذين يعيشون حياةً مخلصةً مع اللّه، هؤلاء بسببهم كانت يد اللّه الخفيّة وسيّدة لبنان تبسط يدها وتنتشلنا. نشكر الربّ، على كلّ هذا، في يوبيل الخمسين. نريدها أيضاً ذبيحةَ استغفارٍ على كلّ ما صدر منّا جميعاً من عَدَم إخلاص وعدم أمانةٍ للربّ. نريدها ذبيحة استلهام لأنوار الرّوح القدس لأجل انطلاقة جديدة لهذا الدّير ولنا، إنطلاقة من المسيح، إنطلاقة نحو المستقبل، مستقرئين دعوة الكرمل ورسالتها، فيما الكنيسة تستعدّ لالتئام مجمع السّينودس في روما في تشرين الأوّل المقبل تحت عنوان: إعلان جديد للإنجيل، أو الأنجلة الجديدة. والكنيسة تنظر إلى العالم وهو يعيش مآسيه، إنّه يجهل كلمة اللّه ولا يستنير بأنوارها.وعالم اليوم يعيش بلبلةً كبيرة:حروباً ونزاعات وخلافات وابتعاد عن اللّه.ألعالم بحاجة إلى أنوار الكلمة الإلهيّة، فكان لا بدّ أن تعود الكنيسة، بكلّ أبنائها وبناتها ومؤسّساتها ورعاتها وكهنتها ورهبانها وراهباتها ومؤمنيها، الى ان تدرك من جديد أنّها تحمل مسؤوليّةً كبيرةً في عالمٍ يعيش ظلمةً، فكانت الأنجلة الجديدة، وهي إعلان جديد للإنجيل.الإنجيل هو ذاته، ولكن عالم اليوم هو الذي تغيّر مع ما فيه من اكتشافات وتقنيّاتٍ ومتغيّرات في الإنسان والمجتمعات، فالكنيسة مدعوّة لكي تستنبط مناهج جديدة ووسائل جديدة وتقنيّاتٍ جديدة لكي يصل الإنجيل، الّذي بدونه سيبقى العالم في خراب ودمار.

هنا، في خُلوة الكرمل والصّلاة، بعيداً عن ضجيج العالم، تتحقّق كلمة الربّ يسوع في إنجيل اليوم.هنا الرّاهبات يسمعنَ متوحّدات كلمة اللّه، يقبلنها في القلب، يحتفلن بها في اللّيتورجيا، يتأملن بها في العمل والصّلاة والصّمت، يَعيشونها مع كلّ الّذين يتوافدون إلى هذا الدّير، هذه هي رسالة الكرمل، إنعكاس وجه يسوع في الحياة وفي العمل والإرشاد إليه.إنّني أحيّي كلّ هذا الجمهور الذي اعتاد ان يأتي إلى هنا للصلاة.تأتون إلى هذا الكرمل لأنّكم تعرفون أنّكم هنا ترون وجه يسوع، من خلال الصّمت والتّاملّ والصّلاة والتّقشّف، بحياةٍ صعبةٍ ضمن جدران الدّير، غير أنّها حياة فرح كبير، لأنّه هنا، وجدت الرّاهبات الكنزَ الخفيّ، ومعه”تبوخ”كلّ الكنوز.نتذكّر في ذلك الوقت الّذين أتوا من الأمم إلى أورشليم يبحثون ليروا وجه يسوع وتوسّطوا الرّسل وقالوا: “نريد أن نرى يسوع.”هذا هو الأساس من كلّ الحياة.هذا هو الكنز الخفيّ.هذا هو الهدف، الّذي يسعى إليه الإنسان، أن يرى في هذه الدّنيا وجه يسوع.

كلمة اللّه هي يسوع المسيح.الإنجيل ليس كتاباً، بل هو يسوع المسيح، هو شخصه، ولذلك سماع الكلمة وقَبولُها هي سماع وقبول يسوع المسيح، هو اللّقاء الشّخصيّ بيسوع المسيح، ولطالما أنا لم ألتقِ عبر الكلمة والإنجيل يسوع شخصيّاً، أنا لم أسمع بعد ولم أقبل الإنجيل.نعرف أنّنا التقينا يسوع عندما يغيّرنا من الدّاخل، عندما يصوّرنا على مثاله، عندما يعطينا ذهنيّات جديدة، خلقيّات جديدة، رؤية جديدة للأمور، عندما يبدّل مسلكنا مع اللّه ومع ذواتنا ومع النّاس.ومن منّا يتجرّأ ويقول أنّني التقيت يسوع؟ من يتجرّأ ويقول أنّه يتغيّر يوميّاً؟

تحضرني في هذه اللّحظة مسيرة القدّيس نعمة اللّه الحرديني، الّذي كان يلجأ إلى التّوبة والإعتراف كلّ يوم، وكنت أتساءل: ماذا كان يفعل؟ “شو كان من قطّاع الطرق”؟ ولكنّه كان يُدرك أنّه لا يتغيّر كفاية
من الدّاخل بفعل المسيح وكان يُدرك أنّه بعيد وبعيد جدّاً. أجل، عندما نقبل كلمة اللّه، نحن نقبل المسيح نفسه الّذي وهو الحقيقة، يزرع في عقلي حقيقة تحرّرني من كلّ كذب وازدواجيّة ورياء وعدم شفافيّة.عندما أقبله في الإنجيل إنّما أقبله في إرادتي صلاحاً وخيراً، يُبعدني عن الشّر وأميل دوماً إلى ما هو خيرٌ وصلاح، وألتقيه حقيقةً في الإنجيل، عندما يُدخل في قلبي الحبّ الّذي يعلّمني أن أعطي بسخاء، أن أرحم، أن أغفر، أن أتفانى، أن أتواضع وأن أفرح.أجل هذا هو كلام الربّ يسوع. “أمي وإخوتي هم الّذين يسمعونني ويَعملون عبر سماعهم كلمتي”.

عالم اليوم بحاجة إلى معرفة عميقة لإنجيل المسيح، لكي يجد معنى وجوده ولكي يجدّد علاقته باللّه خالقه، وفاديه. عالم اليوم، إنسان اليوم، الشؤون الزّمنيّة، العائلة، المجتمع، الأوطان، الكنيسة، كلهم بحاجة إلى كلمة الإنجيل، إلى كلمة اللّه، لكي ندرك كلّنا وكلّ واحد منّا، وكلّ جماعة معنى الوجود ودورنا في التّاريخ، كلّ الشّؤون العائليّة والوطنيّة وكلّ الشّؤون الزّمنيّة: الإقتصاد والتّجارة والإعلام والفنون، كلّ شيء يحتاج إلى نور الإنجيل لكي يخرج من ظلماته المتنوّعة. رسالتنا أن ندخل ثقافة الإنجيل الى ثقافتنا أوّلاً في لبنان، فثقافات الشّعوب، وثقافات البلدان العربيّة الّتي تتمخّض باحثةً عن هُوّيّتها وعمّا يُسمّى الرّبيع العربي.لن يكون ربيعاً عربيّاً من دون ربيع مسيحيّ، ولن يكون ربيع للبشريّة من دون الإنجيل، وهذا ما أراده اللّه أن يكون.علاقتنا باللّه هي علاقة أمومة وأخوّة، عندما يُصبح الإنجيل ثقافتنا اليوميّة وعندما يرتفع بنا إلى قمم الرّوح.

هذا الدّير، هذا الكرمل لوالدة الإله، والوحدة، هنا في حريصا، يحمل هذا الدّور الكبير، وعليه تحمل تهانينا بالعيد كلّ معانيها، ولكنّ العيد الحقيقي هو أنّه هنا، في هذا المكان، يتحقّق إنجيل اليوم. “أمّي وإخوتي هم هؤلاء الّذين يسمعون كلمة اللّه ويعملون بها”.

أيّها الربّ يسوع، في عيد سيّدة الكرمل والدتك وفي اليوبيل الذهبي لتأسيس هذا الدّير، نسألك ربّي أن تفتح عقولنا وإراداتنا وضّمائرنا وقلوبنا لنور إنجيلك، فنفرح بالحقيقة الّتي هي أنت، والخير الأعظم الّذي هو أنت، ونجد الطّريق الّذي هو أنت، لك وللآب وللرّوح القدس، كلّ مجد وإكرام الآن وإلى الأبد آمين.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير