بكركي، الاثنين ١٦ يوليو 2012 (ZENIT.org). – 1. “عبد الله“، في الكتب المقدسة، هو المؤمن العابد لله من كل قلبه، فيختاره الله ويرسله لمَهمّة إلهية خلاصية، وهو يؤدّيها بالطّاعة والخضوع الكامل لإرادته، على وداعةٍ وتواضعٍ وامّحاء. المسيح الرب هو عبد الله بامتياز، ويشرك معه أعضاء جسده الجديد، الذي هو الكنيسة بمسحة المعمودية والميرون، ومسحة الدرجة المقدسة:الأسقفية والكهنوت والشماسية.فعن المسيح وعنا يقول الرب اليوم: “هوذا عبدي الذي اخترته، حبيبي الذي به ارتضيت”.
2. يسعدنا أن نحتفل بهذه الذبيحة المقدسة، مُرحِّبين بكم جميعاً وبخاصة أبناء الدّيمان: المختار والهيئة الإختيارية ورئيس نادي الإتحاد الديمانيّ وأعضاء اللجنة الإدارية والتنفيذية ولجنة إدارة الوقف، والمُغتربين الذين أتَوا من بلدان الإنتشار الى لبنان، الوطن الأم، والوطن الروحي، من أجل تفقد الأهل والأصدقاء، والاستجمام، والإرتواء من ينابيعه الروحية والثقافية والإنسانية، ولدعم لبنان بكَيانه وميثاقه ورسالته. ونُرحّب أيضاً بجمعية العناية الإلهية – زغرتا، التي تُنظِّم مُخيَّماً تربويّاً-ترفيهياً في مدرسة راهبات المحبة في حصرون.إننا نُثني على أعمال هذه الجمعية التي أنشأت مركزاً للمُسنّين، وتعتني عناية خاصّة بالمُعوَّقين وذوي الحاجات الخاصّة، وتعمل على تعزيز قدراتهم ومهاراتهم، وتبسط نشاطها إلى خارج منطقة زغرتا-الزاوية وإلى مختلف الطوائف.بارك الله عملكم، حضرة رئيسها وأعضائها والمحسنين عليكم من نعمه وبركاته.إنّنا، إذ نُرحّب بكم جميعاً، نُصلّي ونعمل من أجل وحدة اللبنانيين، وإنماء لبنان الشامل، بإنسانه ومجتمعه.ونتمنّى للقادمين من بلدان الإنتشار إقامة طيّبة مريحة.ونرفع معاً الصلاة، مُستشفعين القديس شربل، ابن بقاعكفرا، بمناسبة عيده اليوم، والقديسة مارينا، ابنة وادي قنوبين، التي سنعيّد لها بعد غدّ، لكي يُحقّقا جميع الأُمنيات، وأنتم تحملون معكم عطر وادي القديسين، قاديشا وقنوبين وقزحيا.
3. أجل، في هذا الوادي المقدس عاش الموارنة الأوائل، وقد أتَوا من نواحي أنطاكية، وتحديداً من القورشية بين حلب وأنطاكية بعد الفتح العربي والإنشقاق الكنسي في أعقاب مجمع خلقيدونية المنعقد سنة451.أتَوا حاملين معهم روحانية القديس مارون وتلاميذه ومنهم حوشب وسمعان ويعقوب وإبراهيم، ومارانا وكيرا ودومنينا، وهي روحانية الأمانة المثلّثة للمسيح والإنجيل والكنيسة.لقد استوطنوا هذا الوادي، معشعشين في صوامعه كالنسور.تقدّسوا فيه وقدّسوه، حتى أصبح وادي القديسين(قاديشا).ومنه انتشروا في منطقة الجبّه، ومنها الى مختلف المناطق اللبنانية الجبلية ثم الوسطية والساحلية، فإلى بلدان الانتشار.
إحتمَوا في الجبال الوعرة، ولجأوا الى الأودية السحيقة، بقيادة بطاركتهم واساقفتهم ومقدّميهم الزمنيين، محافظين على الأغليين:ايمانهم الكاثوليكي الحرّ في العبادة والممارسة، واستقلاليتهم في جبل لبنان.وهي مسيرة بلغت بهم، مع شركائهم في المواطنة، الى ما هو لبنان اليوم بميثاقه الوطني وصيغة العيش المشترك، ونظام الحريات العامة والديموقراطية وحقوق الانسان، وحوار الثقافات والاديان.ولئن كان لبنان اليوم متعثراً على المستوى السياسي والاقتصادي، بسبب الخضّات والتوترات القائمة في المنطقة مع ترابطها الدولي، فاننا نعتمد على ذوي الارادات الصالحة لحمايته وانهاضه واستعادة دوره كعنصر سلام وحداثة وانفتاح في هذه المنطقة من العالم.ان موقع لبنان الجغرافي والثقافي والسياسي على الضفة الشرقية من البحر المتوسط، يجعله بمثابة جسر بين الشرق والغرب، منفتحاً على قضايا الشرق الاوسط وحاجاته، وعلى قضايا الانتشار والتفاعل مع حداثته وقيم العولمة.ولا بدّ من اجل هذا الدور، من ان يكون لبنان ويُعلن بلداً حيادياً ملتزماً قضايا السلام والعدالة والحوار بين الشعوب والانماء الانساني الشامل، محيَّداً عن الانجراف في محاور واحلاف اقليمية ودولية، ليست لا من طاقته، ولا لمصلحته ومصلحة المنطقة.
4. ” هوذا عبدي الذي اخترته“.لقد أشرك المسيح،”عبد لله”بامتياز، المسيحيين المؤمنين به، بواسطة المعمودية والميرون، في هويته ورسالته ومسلكه التي أوضحها على لسان اشعيا النبي:
الهوية هي مسحة الروح القدس: “أضع روحي عليه، ليبشّر الامم بالحق”.
الرسالة هي الوصول بالحقيقة الى النصر فيكون علامة رجاء للشعوب.
المسلك هو الهدؤ والوداعة: “لا يصيح ولا يماحك”؛ والصبر ورجاء الانتظار: “قصبة مرضوضة لا يكسر، وسراجاً مدخناً لا يطفىء”.
هذه الثلاثة تعطي المسيحيين في لبنان وبلدان الشرق الاوسط، معنى وجودهم، واهميته، والدور الذي لا غنى عنه.ولذلك هم مدعوون للمحافظة على ارضهم وممتلكاتهم، لكي يضمنوا حضورهم وقيمتهم المضافة في اوطانهم.سيذّكرنا قداسة البابا بندكتوس السادس عشر بكل هذا في زيارته الى لبنان واعلان الارشاد الرسولي بشأن المسيحيين في بلدان الشرق الاوسط، في ايلول المقبل.وسيكون لنا هذا الارشاد الرسولي خطة عمل متنوّع الابعاد، نأمل ان يكون المنطلق لربيع مسيحي، يساهم من دون شك في ولادة الربيع العربي المنشود.
5. لقد بيّن لنا المجمع البطريركي الماروني في نصه الثالث والعشرين، بعنوان ”
الكنيسة المارونية والارض“، قيمة ارضنا الموروثة من الآباء والاجداد. انها عطية من الله عبدناه عليها، ونمونا انسانياً وثقافياً وروحياً. عليها كتبنا تاريخنا، وحققنا رسالتنا، وأدّينا شهادتنا. ومنها، كمن نقطة ارتكاز انطلق الكثيرون من بيننا الى بلدان الانتشار. ويدعونا المجمع البطريركي الماروني للمحافظة على الارض في وطننا، ولاعادة اكتشاف اهميتها وقيمتها، ولتربية اجيالنا الطالعة عليهما، ولوضع استراتيجية تنموية شاملة للحفاظ على الارض وبيئتها ومياهها واشجارها (التوصية 1 و2). ويناشد هذا المجمع الموارنة المنتشرين وسواهم ويقول : ” من واجبهم ومن حق هذه الارض عليهم ان يخلصوا لها ويحبّوها ويرتبطوا بها مصيرياً، ويغتنوا بتقاليدها وبتراثها الروحي والثقافي، فيغنون به المجتمعات التي تستضيفهم” ( عدد 29). ويرسم خطة للمحافظة على الارض واستثمارها من قبل المنتشربين، من مثل اقامة توأمة بين المنتشرين وقراهم او مدنهم الاصلية، وانشاء مشاريع تنمية يكون لهم فيها امكانية المساهمة واستملاك اراضٍ او بيوت لهم، وزيارة الوطن وتمضية الفرص الطويلة فيه، مع برامج تثقيفية لشبيبتهم(عدد32).
6.مرة جديدة نرّحب بالمنتشرين الحاضرين معنا اليوم، ونتمنى لهو طيب الاقامة.ومعاً نجدد ارتباطنا بارضنا المقدسة، ومنها نرفع نشيد التسبيح والشكران للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين