* * *

كثُرَت الأقاويل في الآونة الأخيرة عن وضع المسيحيّين في سورية، والخطر الّذي يتهدّدهم، فكان منها الصائب ومنا المضلِّل، منها الموضوعيّ ومنها الذاتيّ الّذي يحوي كثيرًا من المبالغة.

ليس هناك اضطهاد للمسيحيّين في سوريا بل بالعكس، تثبت شهادات كثيرة أنّ الطرفين المتنازعَين حريصان كلّ على الحرص على عدم أذيّة أيّ مسيحيّ، اللهمّ إلّا إذا كان مشاركًا في الصراع مع هذا الطرف أو ذاك. وكلّ القصص المبالغ بها الّتي تروي اعتداءً على المسيحيّين لأنّهم مسيحيّون عارية من الصحّة.

ففي حمص مثلًا، لم يقصف الجيش السوريّ الكنائس لأنّها كنائس، بل أصيبت بالقذائف لأنّ المسلّحين يربضون في أحياء فيها كنائس. وقس على ذلك من قصصٍ أخرى كموت مسيحيّ في الاشتباكات لأنّه يحارب مع الجيش في خدمته الإلزاميّة أو التطوّعيّة، أو إصابة مسيحيّ لأنّه مرّ بمنطقة يجري فيها تبادل إطلاق النار.

المسيحيّون في سوريّة، كطائفة دينيّة، ليسوا طرفًا في الصراع، ولا ناقة لهم فيه ولا جمل. ومع ذلك فإنّهم ليسوا في أمان، بل معرّضون للخطر مثلهم مثل سائر المواطنين من جميع الطوائف، ويشعرون بالخوف مثل كلّ السوريّين، ولا علاقة لهذا بديانتهم.

ما يؤسَفُ له أنّ هناك مَن يحاول تحوير الحقيقة، وتصوير الصراع في سوريّة على أنّه حرب ضدّ المسيحيّين، أو أقلّه تهديد مستقبليّ للمسيحيّين، وهذا ليس صحيحًا البتّة. ففي طرفي الصراع نجد مسيحيّين: في النظام كما في المعارضة.

صحيح أنّ السلطات الكنسيّة لجميع الطوائف اتّخذت مواقف خجولة جدًّا في هذا الصراع وبطيئة، سواء في المساعدات الإنسانيّة المفتوحة لجميع الناس أو في اتّخاذ موقفٍ صريحٍ وحازم ضدّ العنف مهما كان مصدره، ولكنّ كثيرًا من العلمانيّين المسيحيّين شمّروا عن سواعدهم وبدأوا يسطّرون صفحاتٍ روحيّة مجيدة في التفاني لإغاثة المنكوبين من إخوتهم المسلمين وأبناء وطنهم. إنّهم يتكاتفون مع المسلمين في حملات جمع التبرّعات وتقديم المساعدات النفسيّة والعينيّة، يخاطرون بحياتهم ويبذلون أغلى ما لديهم في سبيل إخوتهم المنكوبين، بغضّ النظر عن طائفتهم أو ميولهم السياسيّة أو جنسهم.

كلّ ما يؤسف له هو أنّهم يعملون غالبًا بدون مشاركة فعليّة وواضحة من السلطات الكنسيّة.

اللقاء بالله

“كنت أظن أنه لكي نلتقي بالله يجب أن نصعد إلى العلاء. ولكني فهمت مؤخرًا أنه يجب أن ننزل… فالله نلتقي به فقط في دارة التواضع”