سنتعرّف في هذه المقالة حول معنى العري الأصلي؛ الجسد الممهور بالحب؛ جسدنا والروح القدس. اما الهدف هو اكتشاف روحانية اجسادنا من خلال دعوة كل واحد منا، سواء في الحياة الزوجية أو الحياة المكرّسة.
١- العري الأصلي
لقد راى القديس يوحنا بولس الثاني، في مسألة العري او الاباحية، التي تروج لها وسائل الاعلام وشركات الانتاج السينمائية، أنها اساءة قوية الى هوية الانسان المخلوق على صورة الله ومثاله (راجع، تك١: ٢٧) التي أفرغت الجنس من إطاره الإنساني لتضعه في منطق الإستمتاع. أما العري الحقيقي الذي اعلنه القديس البابا، جذوره هي الكتاب المقدس (تك ٣: ١١) انه العري- النقي/ البريء الماقبل خطيئة الأبوين، حيث كان يعكس في الجسد الزوجي قداسة الله في العالم المرئي، عالم الإنسانية الصادرة من يد الله، لهذا فالعري مقدّس، فقداسة الله ازلية هي سر تبادل محبة الاقانيم الإلهية الثلاث، يحياها الانسان- المخلوق (الرجل والمراة) في إنسانيتهما المخلوقة من الله القدوس. لهذا فإن قداسة الإنسان مرتبطة بالله القدوس، قداسة تعبر بحسب البابا القديس عن ” تجسيد الانسان لعمق جسديته وذلك تحديدا من خلال عطية ذاته الحرّة”. كيف نعيش العري الاصلي؟ من خلال نقاوة القلب والجسد والفكر، إنها مسيرة داخلية روحية، تقودنا نحو اختبار عري روحي اصيل، يحررنا من اوهام ثقافات الاستمتاع والاستهلاكية، عري روحي يعيدنا الى حالة المصالحة مع الذات بقبول ضعفها وجروحاتها ونواقصها وجمالها…
٢- الجسد الممهور بالحب
لقد طبع الله المحبة، جسد الانسان الرجل- المرأة في الحب الزوجي المختلف، ومنحهما شرف المسؤولية والحفاظ عليه والقدرة على عيشه وتوريثه، من خلال نقل صورة الله المحبة عبر فعل الإنجاب المسؤول. وفي هذا البعد اللاهوتي للجسد الزوجي، ومن خلاله تتمظهر حقيقة سر المحبة من خلال الدعوة الى الزواج والحياة المكرّسة، حيث أن الجميع مدعوين كل بحسب موهبته الى اختبار القداسة، تتمظهر بعيش حرّ ومسؤول للعطية – الذات الغير المشروطة والمجانية والمضحية، انطلاقا من الاقتداء بشخص يسوع المسيح مثال كل عطية، فبقدر ما نتبع شخص الفادي في حياتنا الزوجية أو التكرّسيّة بالقدر عينه نحقق الدعوة الاصلية لهويتنا الجنسية، اي عيش العطية بحسب ارادة الخالق، والتي ستكتمل في الإسكاتولوجيا.
٣- جسدنا والروح
العيش بحسب الشهوة، يجعل الانسان في حالة من عبودية وفوضى لرغباته وميوله وغرائزه. اما الحياة بحسب هدي الروح القدس، تحرر الانسان من سيطرة الشهوة، وتهيئ الذات لان تكون عطية مجانية، فتستنير بصيرتها بنور الروح، مختبرة المعنى الحقيقي للجسد المدعو الى القداسة. فبقدر ما نضع حياتنا تحت قيادة عمل الروح القدس، بالقدر عينه نختبر منذ الآن ” فداء الأجساد”، فهذه الموهبة المفاضة من الروح القدس، عطية مجانية مقدمة لنا، لكي بواسطتها تتقدس شهواتنا وميولنا وغرائزنا ورغباتنا، فنتألّه بكلّيتنا بيسوع المسيح. وبقدر ما نحيا في إنسانيتنا – أجسادنا هذا البعد الإنساني/ الروحي للموهبة، بالقدر عينه نكتشف معنى حبنا البشري والمعنى الزوجي للجسد، وهذه الحقيقة، تسمح لنا بان تضع كلّية الذات في حقيقة المحبة.
وفي الختام، نصلي الى قديسنا العظيم البابا يوحنا بولس الثاني، أن يلهم البابا فرنسيس واعضاء سينودوس العائلة المنعقد في روما، في تقديم العائلة كحالة رجاء لعالم اليوم، هذا العالم المتخبط بأزمات وجودية وخطيرة. وتبقى تعاليم البابا القديس لسينودوس العائلة درّة ثمينة لا تقدر بثمن لأنها قادرة أن تجيب على تساؤلات كثيرة طرحهتا فئات كثيرة على آباء السينودوس.