الحوار مع العالم
existentiel وإستقرائيّة inductive منفتحة على الجميع ومستنارة من الوحي الإلهي. فركّز على الأنتروبولوجيّة المسيحيّة الّتي تضع كرامة الشخص البشري المخلوق على صورة الله في الطليعة وتعطي دوراً مهماً للضمير من خلال تعليمها حول العائلة والأخلاق الحياتيّة. إعتقد اللاّهوتي إيف كونغار خلال مداخلة له في روما سنة 1967 أن المجمع لم يولي الأخلاق مكانتها في حين أن قضايا كثيرة بحاجة إلى تحديد. ولكن بعد التعمّق في مقرّرات المجمع يجب التخفيف من هذا الحكم القويّ لنشدّد على أنّ المجمع اهتمّ بصورة كبيرة بالأخلاق وأعطاها توجّهاً جديداً. لكنّ المجمع لم يُرد أن تتحوّل الأخلاق إلى التفكير المجرّد بل أن ترجع إلى الينابيع المسيحيّة أي الكتاب المقدّس والتقليد المستوحى من اختبار آباء الكنيسة. حاول المجمع أن يُظهر لنا كيفيّة عيش الحياة المسيحيّة وكيفيّة الحكم الأدبي تجاه المواضيع الساخنة والمعقّدة الّتي تُطرح في عصرنا والّتي تستدعي أكثر من أجوبة معلّبة وإنّما قدرة على تطوير التمييز الأدبي. يعرض إذاً المجمع نظرة جديدة للإنسان في وحدته وشموليّته ويدعو إلى الحوار بين الكنيسة والعالم وإلى خدمة الإنسان من أجل الأخوة العالميّة. وهذا يستدعي منّا الخروج من الفردانيّة لأنّ كلّ المعمّدين مدعوّين للمشاركة بتحمّل مسؤوليّاتهم تجاه كل الجماعة البشريّة للمساهمة في الخير العام بجوّ من التغيّرات الكثيرة الإجتماعيّة والثقافيّة. من هنا لم يدخل المجمع بالمسائل القانونيّة للأخلاقيّات بل ركّز على الأخلاقيّات المسؤولة المتجذّرة بالكريستولوجيّة وبتاريخ الخلاص. وإذا لم يتكلّم كثيراً عن الشريعة الطبيعيّة فإنّها تبقىى أساسيّة للقاء المسيحيّين بغير المسيحيّين وللبحث عن الحقيقة ولمعالجة قضايا أدبيّة شائكة في الحياة الفرديّة والجماعيّة ( فرح و رجاء 16 )
هل نحن في عالم المثاليّات ؟
كلّنا نريد أن تكون العائلة منزّهة ومفعمة بالرجاء وأن تكون علامة خلاص لعالمنا. والكنيسة عندما تخاطب الناس عن أهميّة العائلة تُشعرهم أنّهم قادرون بنعمة الله أن يرتقوا إلى الأسمى دون أن يتركوا العالم. ولكن هل تصطدم هذه المثاليّات بواقع حياة العائلة اليومي ؟ هل سنصل مع الوقت إلى أن لا نصبو إلى خلاص العائلات المسيحيّة بل إلى بعض العائلات ؟ هل يجب أن نعيش حداد العائلة ونقبل بأنّنا لن نتمكّن من تخليص عائلاتنا أو مفهوم العائلة المسيحيّة من كلّ الضغوطات الّتي هي بالنسبة لفاعليها نهضة أنتروبولوجيّة مجدّدة ؟ أنا أعتقد أنّه لا يجب التخلّي عن هذا الرّقي في حياتنا الكنسيّة إنّما يجب أن نذهب إلى ملاقاة الآخر ومعرفة مدى رغبته بالتغيير وعلى أيّة مستويات. يجب أن تتابع الكنيسة مساعدة العائلة على التعرّف على طاقاتها وعلى إمكانيّاتها وتفعيلها واستعمالها ولا تكتفي بالتكلّم عن هذا الصراع بين العائلة التقليديّة والعائلة المعاصرة. فليس بالضروري أن يكون مفهوم العائلة التقليديّة هو الضمانة الوحيدة لكلّ المسائل الأخلاقيّة كما أنّه ليس بالضروري أنّ ننظّم عائلاتنا بحسب المفهوم المعاصر للعائلة. لذا أجد أنّ العائلة التقليديّة هي غنى بذاتها، كما أنّ التفكير المعاصر ضروري من أجل لفتة ضميريّة ونهضة وجدانيّة.
الخاتمة :
لم يعطينا المجمع وصفات خالصة حول مسائل خلقيّة الحياة إنّما وضع الكنيسة على السكّة ووجّهها وأعطاها الدّفع وحب العالم الذي تجسّد فيه الرّب والذي لا يزال يعمل به من خلال كنيسته المدعوّة لمرافقة عائلاتنا. أوضح المجمع أنّ العالم لم يعد يفكّر مسيحيّاً ويتصرّف مسيحيّاً. لذا فإنّ القضايا الشائكة المطروحة في خلقيّات الحياة واّلتي لها تأثيرها على العائلة لم تعد حكراً على الكنيسة ولم تعد هذه الأخيرة قادرة أن تستحوذ كل الفكر. أعتقد بأنّ المجمع أعطى دفعاً جديداً وروحاً جديدة في الكنيسة وشجّع، خلال الخمسين سنة الّتي تلت، قيام مجامع بطريركيّة وأبرشيّة من أجل أن يأخذ هذا النفس جسماً إجتماعيّاً ويتمكّن الناس في كل البلدان من دراسة مشاكلهم الأخلاقيّة الّتي لا تخصّ فقط المسيحيّين الكاثوليك، بل كلّ الناس مع ما لها من تداعيّات على الجميع. لا يمكن للكاثوليكي اليوم أن يقول أنّه يريد أن يعيش لوحده ويعالج مشاكله لوحده ويبقى ضمن جبهة المعارضة المستمرّة وكأنّه وحده المؤتمن على قضايا الناس الأخلاقيّة. أجد بأنّ علينا أن نجاهد لا من أجل أن تُعلن الكنيسة مواقف أخلاقيّة ترضي الجميع بل أن يكون تعليمها أكثر قدرة على ملاقاة الناس حيثما هم فيساعدهم على التفكير أكثر في معضلات الحياة دون أن يشعروا بأنّهم متروكين أو يحملون أثقالاً تفوقهم. مع أنّ هذا التعليم يساعد الأشخاص على أن يعرفوا قيمة أجسادهم وإخوتهم. أعتقد شخصيّاً أنّ علينا تعزيز أخلاقيّة عائليّة على مستوى تطلّعات الجميع مواجهين التحدّيات بحوار يشبه الحوارات الّتي كانت تقام في parvis des gentils حيث كانت هناك مساحة مخصّصة لغير اليهود أمام الهيكل تفصلهم عن المكان المقدّس والطاهر مع أنّ المسيح أتى ليزيل هذا الفصل. تجري في هذه المساحة الحوارات والمواجهات الفكريّة الّتي تحاول أن تفهم اللامنظور لأنّنا كلّنا مدعوون للتفكير. فلا أحد منّا يدرك الحقيقة كاملة إنّما الحقيقة هي الّتي تدركن
ا. والعائلة اليوم قادرة أن تلعب هذا الدور بدءاً من البيت الواحد بالّرغم من التعدّديّة الموجودة. لأنّ العائلة ليست مجموعة أشخاص، كل يبحث عن الخاص به، بل جماعة تعيش ضمن إطار أساسي وضروري لصقل الشخصيّات. العائلة هي هذه المساحة الّتي تؤمّن التفكير، بالتضامن بين الأشخاص، خدمة للمجتمع وللكنيسة . عصرنا يحتاج، أكثر من أي عصر مضى، إلى الحكمة والحكماء ، ليجعل اكتشافاته، مهما كان نوعها، ذات طابع إنساني.