قام البابا تواضروس الثانى بابا الأسكندرية على رأس وفد كنسى، بزيارة إلى مدينة أورشليم لتادية الصلاة على جثمان المتنيح الأنبا أبرام أسقف الكرسى الأورشليمى والشرق الأدنى ، ووصل تواضروس والوفد المرافق له إلى أورشليم عبر تل أبيب.
وحظيت تلك الزيارة بحالة كبيرة من الجدل فى الأوساط المصرية، على المستوى الإعلامى، وفى أوساط ممن باتوا يعرفوا بالمثقفين والكتاب والسياسين والحزبيين على حداً سواء، ويأتى هذا الجدل بسبب، الموقف المتشدد الذى تتخذه الكنيسة تجاه زيارة الأراضى المقدسة منذ فترة طويلة والتى يعود تاريخها تحديداً إلى العام 1967 فى أيام البابا كيرلس السادس- البابا رقم 116 من بابوات الكنيسة القبطية الذى منع زيارة الأراضى المقدسة، عقب هزيمة 1967 وسيطرة السلطات الإسرائيلية علي المدنية، وفى العام 1980 إبان فترة حبرية البابا شنودة الثالث- البابا 117 من بابوات الكنيسة القبطية، تم إستصدار قرار من المجمع المقدس للكنيسة القبطية يمنع زيارة الأقباط إلى الأراضى المقدسة.
وأتى هذا القرار من البابا شنودة بعد رفضه لمرافقة الرئيس المصرى انذاك أنور السادات فى زيارته الشهيرة لإسرائيل، واعتراضاً منه على طلب السادات بإرسال وفود من الأقباط لزيارة الأراضى المقدسة عقب توقيع إتفاقية – كامب ديفيد فى أواخر السبعينيات، الأمر الذى جعل العلاقة بينهم متوترة، ودفع بالسادات إلى وضع البابا شنودة قيد الإقامة الجبرية فى دير الأنبا بيشوى بوادى النطروان، فى إطار حركة الإعتقالات التى شملت المعارضين من سياسين وكتاب ومثقفين فى سبتمبر/ أيلول 1981.وسار البابا الحالى تواضروس الثانى على نفس سياسية سلفه البابا شنودة فيما يتعلق بقضية زيارة أورشليم، وأكد بأنه لا دخول لأورشليم الأ ويده بيد شيخ الأزهر.
ولكن هل أمتنع الأقباط فعلاً عن زيارة الأراضى المقدسة؟؟.
الأجابة: لا.
لم يمتنع الأقباط عن زيارة الأراضى المقدسة فى موسم عيد القيامة، وقدرت أعداد الأقباط الذين توجهوا لزيارة الأراضى المقدسة، العام الماضى بحوالى خمسة الأف شخص، والدولة والكنيسة على علم بذلك، فكل ما يحتاج الأقباط لزيارة الأرضى المقدسة: تصريح أمنى يشترط أن يكون طالب الزيارة من هم فوق ال 45 عام، و خطاب من أحد الكنائس، وهنا يتم الحصول على ذلك الخطاب من الكنيسة الكاثوليكية او الأنجيلية فى مصر،ويرى غالبية الأقباط قرار البابا والكنيسة بمنع الأقباط من زيارة الأراضى المقدسة «قرار خاطئ»، وأنه فى الأصل قرار تم أتخاذه بناء على حسابات سياسية فى ظروف معينة ، وبأنه يجب الفصل بين الأمور السياسية والواجبات الدينية.
لكن هل البابا تواضروس أول شخصية عامة تزور إسرائيل والأراضى المقدسة؟.
الأجابة: لا.
الأول: كان كما ذكرت منذ قليل هو الرئيس الراحل أنور السادات، وقام بهذه الزيارة فى نوفمبر 1977 والقى خلالها خطابه الشهير أمام الكنيست الإسرائيلى .
الثانى: كان الكاتب المصرى المعروف على سالم، الذى قام بزيارة الى إسرائيل عام 1994، والتى ألتقى خلالها بالعديد من نظرائه من الكتاب الإسرائيلين فى محاولة لمد جذور التفاهم والتعاون على المستوى الثقافى والأنسانى، والتى أصدر بعد عودته من تلك الرحلة كتاب بعنوان ” رحلة إلى إسرائيل” تناول فيه تفاصيل زيارته وما جرى معه، وكان على سالم دائماً يردد مقولة ” إسرائيل ليست العدو، ولكن حماس هى العدو”.
الثالث: هو الرئيس الأسبق حسنى مبارك، والذى توجه إلى إسرائيل، وكانت تلك الزيارة فى نوفمبر 1995 لحضور جنازة رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق إسحاق رابين، وألقى خطاب تأبين واصفاً إياه ” بواضع أسس التعايش السلمى بين الإسرائيلين والفلسطينين”، وكان يرافق مبارك فى هذه الزيارة وفد رفيع المستوى، كان فيه عمرو موسى وزير الخارجية انذاك، والذى أصبح الأمين العام لجامعة الدول العربية فيما بعد.
الرابع: كان الشيخ على جمعة مفتى الجمهورية المصرية السابق، والذى كانت زيارته فى ابريل 2012، والتى زار خلالها المسجد الأقصى تحت حماية السلطات الإسرائيلية.
وبالعودة إلى زيارة البابا تواضروس وردود الأفعال عليها، التى تنوعت، جاءت على النحو التالى: فقال الكاتب الصحفى عبدالله السناوى أن تلك الزيارة ” ستساهم فى زيادة منسوب الأحتقان الطائفى” على حد قوله، وبأنه هدم للأرث الذى تركه البابا شنودة، وتابع قائلاً: “البابا تواضروس من تلاميذ البابا شنودة، وكان يتوجب ألا يتعرض الأقباط إلى محنةٍ تتعلق بالنسيج الوطني المصري في لحظة يحدث فيها أنَّ عددًا كبيرًا من الأقباط نجحوا على المقاعد الفردية في الانتخابات، وهذه الزيارة ترفع منسوب الاحتقان الطائفي والنيل من مقام الكنيسة الوطنية المصرية”.
وهنا بمنتهى الوضوح يدخل كلام السناوى فى إطار التحريض على الأقباط والكنيسة، وهذا يتضح من ربطه بين تلك الزيارة وبين الأحتقان الطائفى، الذى هو موجود بالفعل سواء جاءت هذه الزيارة أو لم تأتى، ويكمل السناوى تحريضه بمحاول الربط بين تلك الزيارة ونتيجة الأنتخابات
البرلمانية التى تشهدها البلاد والتى نجح فيه عدد من الأقباط بوصفهم مواطنين مصريين، والذى سيدخل بعضهم مرحلة الإعادة فى الأسبوع القادم، مما يعد تحريض على عدم انتخاب هؤلاء.
وفى نفس الأطار خرج علينا القيادى السابق بجماعة الإخوان المسلمين ومؤسس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح، بتغريدة عبر حسابه الشخصى على تويتر يقول فيها: ” الكنيسة المصرية هى كنيسة للوطن، زيارة الانبا توضروس للقدس تعد شرخا فى جدار المقاومة الشعبية للتطبيع مع العدو الصهيونى وهوخطأ يتحمله الانباوحده”.
وهنا من الواضح أن أبو الفتوح يتحدث عن أمور لا أساس لها من الصحة إلا فى مخيلته هو فقط، بل كل هدفه هو المزايدة والتحريض مثله مثل السناوى، فاى مقاومة وأى شرخ الذى يتحدث عنه، ونحن دولة لنا علاقات دبلوماسية وبيننا وبين إسرائيل اتفاقية سلام، وعلاقات اقتصادية،من الواضح أن أبوالفتوح الذى كان مرشح رئاسى فى عام 2012 نسى بأنه لو كان وصل إلى الحكم ، لكان ملزم بالحافظ على تلك الأتفاقية التى تضمن السلام بيننا وبين إسرائيل، وتجنبنا ويلات الحروب.
وبعيداً عن كل تلك المزيدات والتحريض والتهديد، أود أن اقول لكل شخص حق زيارة الأماكن المقدسة ، وممارسة الفروض الدينية المتعلقة بعبادته، بغض النظر عن مكان تلك المقدسات أو ماهية الجهة التى تشرف عليها، وهذا ما يشعر به الأقباط وما يفهمونه جيداً، وبالتالى فهم يحجون إلى الأراضى المقدسة كل عام غير عابئين بالحظر الذى تدعو اليه الكنيسة، ولذا يجب على الكنيسة مراجعة موقفها فى هذا الشأن، وعدم خلط الأمور السياسية بالدينية، لأن زيارة الأنسان إلى أماكن عبادته المقدسة لا يسئ إلى المجتمع ولا الوطن الذى ينتمى اليه الفرد، ولو رأى الأخرون غير ذلك، فهنا تكون الرؤية والأمور لديهم غير سليمة وتكون هذه مشكلتهم الذى يجب أن يعملوا على حلها، بعيداً عن المساس بحقوقنا.