Maronite Patriarch Bechara Rai

Robert Cheaib - https://www.flickr.com/photos/theologhia/

"اسمه يوحنا"

عظة البطريرك مار بشاره بطرس الراعي ليوم الأحد 6 كانون الأول 2015

Share this Entry

1.   هو الاسم الذي قالته اليصابات، وكتبه زكريا الأبكم على لوح. لكنه اسم أوحاه الملاك جبرائيل يوم تراءى لزكريا الكاهن، وهو يقوم بفعل العبادة لله باسم الشعب المؤمن في الهيكل. والاسم يعني “الله حنون“. وقد شاء الله، في سرّ تدبيره الخلاصي، أن يعلن رحمته بشخص يوحنا، استباقًا لاتخاذ الرحمة الالهية جسدًا، بابن الله الذي صار انسانًا، واسمًا في التاريخ، يسوع المسيح.

 

2.   يسعدنا ان نحتفل بهذه الليتورجيا الالهية معكم، وبخاصة مع أسرة الطوباوي الأخ شارل دي فوكو، الروحية المؤلفة من جماعات رهبانية ومؤسسات حياة مكرسة من علمانيين وكهنة يعيشون تكريسهم في العالم، ورابطات عديدة من المؤمنين. إننا نحتفل معهم بافتتاح مئوية الأخ شارل الذي استشهد في أول كانون الأول 1916، على مذبح الشهادة لمحبة المسيح و”الاخوّة الشاملة”، في صحراء الجزائر يقينًا منه أن ابن الله بتجسده اتّحد نوعًا ما مع كل انسان. وأكّد بنوع خاص تماهيه مع الجائع والعطشان والعريان والغريب والمريض والسجين” وسماهم “اخوته الصغار” (متى 25: 40).

 

3.   لقد أدرك الأخ شارل، مع القديس اغسطينوس:”أن المسيح هنا في الفقراء. إنه غني بصفته إلهًا، ولكنه فقير بصفته إنسانًا. هو الإنسان نفسه الذي صعد إلى السماء غنيًا، وجلس عن يمين الآب، والذي مكث هنا فقيرًا في الفقير والجائع والعطشان والمريض”.

ولهذا اختار أن يعيش في صحراء الجزائر بين القبائل المهمّشة والفقيرة. فكان كواحد منهم. حضوره حضور الأخ والصديق لكل شخص يقرع بابه. وهو بذلك يجسّد، في نمط حياته، صلاته وتأملاتِه وخشوعه أمام القربان المقدس.

كان التحدي الكبير الذي اتخذه أن يعكس وجه يسوع في محيطه وردّد:”أودّ أن يقول الناس عندما يرونني أو يسمعونني:”إذا هكذا كان التلاميذ، فكيف يكون المعلم؟””

 

4.   إنه بذلك شهد لرحمة الله، المعلنة يوم مولد يوحنا وباسمه. فالله أظهر رحمته لزكريا واليصابات بهبة يوحنا النبي والمبشّر والسابق للمسيح المخلص والفادي. وأظهر الله رحمته في انحلال عقدة لسان زكريا، إذ أعاد إليه ابنَه المولود النطقَ، حالما كتب الأب اسم ابنه “يوحنا”، من بعد أن كان الملاك قد حبس نطقه، فكانت إعادة النطق علامة لأمانة الله لرحمته ولوعده. وأظهر رحمته في امتلاء زكريا من الروح القدس، فأطلق نشيدًا نبويًا(لو 1: 67-80).

 

5.   لقد رأى زكريا في ابنه المولود انعكاسًا لوجه المسيح الآتي كافتقادٍ من الله لشعبه وعملِ فداء، وبدايةِ عهدِ خلاصٍ جديد، بحسب وعده على لسان الأنبياء. وحيّا في ابنه المولود “نبيًّا للعلي المتجسد، الذي يسير أمام وجهه ليعدّ طريقه، ويكون نورًا يضيء الطريق لمجيئه، وهو آتٍ رحمةً من أحشاء الله، واشراقًا من العُلى، لكي يهدي الذين في الظلمة إلى سبيل السلام”.

 

6.   هكذا أراد الأخ شارل أن يكون صدى لصوت المسيح إلى الذين عاش معهم في صحراء الجزائر. هو الذي أراد أن “ينادي بالانجيل طيلة حياته، باحترام كلّي لثقافة وإيمان الذين يعيش بينهم. ذلك أنه كان يدرك أن الإنجيل هو بمثابة خميرة في عجين الثقافات، وملح في طعامها. فلا يلغيها بل ينقّيها ويغنيها ويعطيها نكهة. فكما أن الكلمة الإلهي تجسّد في الطبيعة البشرية ورفعها إلى سمو الألوهة، كذلك الإنجيل عندما ينثقف في ثقافات الشعوب والأمم، إنما يرفعها إلى قمة الحقيقة التي تنير ظلمات الحياة.

 

7.   ينادينا الطوباوي الأخ شارل نحن مسيحي الشرق الأوسط لنحافظ على وجودنا في بلداننا المشرقية التي تحتاج، اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى ثقافة الإنجيل، إلى أن نعيش مع شعوب هذه المنطقة ببساطة الإنجيل، وبمحبة المسيح الشاملة لجميع الناس، فنؤلف معًا عائلة موحّدة ومتنوّعة، تؤكد أن حوار الأديان والثقافات والحضارات ممكن، بل هو ضمانة للسلام في العالم.

 

8. أما لبنان فيقدم نموذجًا، على هذا الصعيد، يجب المحافظة عليه وتعزيزه وتطويره، في الحياة العامة والاجتماعية والمؤسسات الخاصة، ولاسيما في مؤسسات الدولة. إن الذين يتعاطون الشأن السياسي في لبنان مدعوون لتحمل مسؤولية هذا النموذج وقيمته بالنسبة إلى العالم العربي، وهو نموذج يجد ضمانته في المحافظة على المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية. واليوم، بعد سنة وسبعة أشهر، عجزت خلالها الكتل السياسية والنيابية عن القيام بدورها الوطني في انتخاب رئيس للجمهورية بقرار من الداخل، تأتي مبادرة جدّية من الخارج، لا من شخص فرد.

 

فإنا نكرر توجيه الدعوة إلى الكتل إياها للتلاقي من أجل درس جدّي لهذه المبادرة والتحاور والتشاور بشأنها وجهًا لوجه، بروح من المسؤولية الوطنية الرفيعة، بغية الوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية بقرار وطني موحّد وشامل، بحيث لا يُفرض فرضًا. وليعلم الجميع أن البلاد لا تستطيع تحمّل أي تأخير في تعطيل عمل المؤسسات الدستورية، والدولة مهددة اقتصاديًا ونقديًا واجتماعيًا وامنيًا.

 

إننا نصلي إلى الله، مستشفعين أمنا مريم العذراء سيدة لبنان والطوباوي الأخ شارل دى فوكو، أن يحقق أمنياتنا جميعًا، لمجده تعالى وتسبيحًا للآب والإبن والروح ال
قدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير