ما أسعد الناس الذين يعيشون حياتهم في سلام مع الآخرين، فالمجتمع الذي يسوده السلام، هو مجتمع مثالي ومتطور. لذلك فعلي قدر طاقتكم حاولوا أن تسالموا جميع الناس، وأقول علي قدر طاقتكم، لان عدم السلام أحيانا قد يكون سببه نحن فأحيانا من الاخرين وأحيانا منكم أو منك.حتى في مثل هذه المواقف حاولوا أن تحتفظوا بسلامكم الداخلي إن استطعتم، ولكنكم ربما لا تستطيعون مسالمة الكل، إذا كانت تلك المسالمة علي حساب ضميركم وروحنياتكم ، وعلاقاتكم بالرب.
إن هناك أمورًا يمكن للإنسان أن يمررها في هدوء، دون أن يفقد السلام بينه وبين الناس. ولا يعطي خطورة لأمثال تلك الأمور البسيطة التي لا تتعب ضميره، فكيف يستطيع الإنسان أن يتعامل في سلام مع الذين يعاملونه بالشر؟ أو كيف يعيش في سلام مع الذين يتعبونه ويقاومونه؟ هناك بلا شك بعض مبادئ روحية وأساليب معاملات، إن اتبعناها يمكننا أن نعيش في سلام مع الكل، ومن ذلك حياة الوداعة والاتضاع فالإنسان الوديع، الهادئ، الطيب القلب، ذو خلق رفيع،الرقيق، اللطيف، المبتسم، البشوش، . لاشك انه يستطيع أن يسالم جميع الناس.
وبالمثل الإنسان المتواضع، الذي في تواضعه ،لا يغضب من احد، ولا يُغضب أحدا. وبعكس ذلك الشخص العصبي الثائر، سهل الشجار مع الناس ، وصعب المصالحة معهم ، لذلك إن أردت أن تسالم الكل، لا تكن عصبيًا، فعليك بالتدريب على الهدؤء بذلك تهدئ أعصابك، ولاتكن سهل الاستثارة، وان حاول احد أن يثيرك، لا تستسلم إلى الضعف البشري وتثار بسهولة، إن الشخص القوي هو الذي يستطيع أن يحتمل لذلك إن غضبت وثرت علي من يسيء إليك، تكون ضعيفا لم تحتمل، وان ثرت تخسر الكثير، أولا : من أساء إليك، ثانيا : تكون قد هبطت من مستواك الروحي والاجتماعي والثقافي، ثالثا : تصبح مثل أولئك المسيئين،، وما أجمل قول سليمان الحكيم، “لاَ تُجَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ لِئَلاَّ تَعْدِلَهُ أَنْتَ” (سفر الأمثال 26: 4) أي صرت معادلا له أو مساويا له في أخطاءه.
اذن كيف تعامل من يثيرك ويغضب عليك؟ يقول الحكيم: “اَلْجَوَابُ اللَّيِّنُ يَصْرِفُ الْغَضَبَ، وَالْكَلاَمُ الْمُوجعُ يُهَيِّجُ السَّخَطَ” (سفر الأمثال 15: 1) اذن فالإنسان الوديع هو الذي يقابل غضب غيره بكلام طيب هادئ وبهذا الأسلوب يصرف غضبه عنه ويسالمه، أما إن رد عليه بكلام موجع، فإنه يهيجه عليه بالأكثر، وقد يتحول الأمر إلى معركة. لذلك حسن ما قاله الآباء في هذا المجال: إن النار لا تطفئها النار، بل يطفئها الماء ، النار تزيد النار اشتعالا أما الماء فإنه يخمد لهيبها .
لذلك إن اردت أن تسالم الناسجميعا، لا تكن حساسا جدا في مقابلة أخطائهم، لا تقل هذه الكلمة جرحتني أو أغضبتني، وهذه الكلمة أهانتني، لأنه إن كان كل شيء يجرحك فلن تستطيع أن تحيا في سلام مع الناس، لا تكن كنبات الخروع الذي تهزه أي ريح، بل كن مثل السنديانة الصلبة التي تثبت إمام الريح العاصفة ولا تهتز.
تستطيع أيضًا أن تسالم الناس، إن اكتسبت فضيلة الهدوء والاحتمال، لا تقل فلان متعب، فلم اقدر أن أتعامل معه، ولكن لو كان عندك احتمال، ما استطاع هذا المتعب أن يتعبك، تأكد يا أخي إن ما يتعبك ليس هو أخطاء الناس، بل أعصابك وطريقة تفكيرك، فإن استطعت أن تهدئ أعصابك، ولا ترهق تفكيرك بالحكم علي تصرفاتهم، حينئذ يمكنك أن تسالمهم، ولو بالبعد عن مجالهم المتعب، وهنا أذكرك بقول القديس يوحنا ذهبي الفم: لا يستطيع احد أن يؤذ إنسانا، ما لم يؤذ هذا الإنسان نفسه، فأنت تؤذي نفسك إن تركت أفكارك تتعبك.
لذلك قال نفس هذا القديس: هناك طريقة تستطيع بها أن تتخلص من عدوك، وهي أن تحول هذا العدو إلى صديق، وكيف تحوله إلى صديق؟ ذلك بالمسالمة بل والإحسان إليه. ولا تجعل شره يغلبك، بل اغلب الشر الذي فيه بالخير الذي فيك كذلك تستطيع أن تسالم الناس بالحكمة. فالإنسان الحكيم، يتصرف برزانة، وبهدوء وبعد تفكير،ولا يخسر الناس لان رابح النفوس حكيم،والنفوس لا تستطيع أن تربحها بالمنازعة والعداوة والرد المثل بالمثل، إنما بالمسالمة.
إن الإنسان الحكيم يعرف ما هو المفتاح الذي يمكنه به أن يدخل إلى قلب كل احد، وهكذا يعامل كل شخص بما يناسبه، حسب ثقافته وطباعه وصفاته، وهكذا ليس فقط يسالم الناس، بل يصل لابعد من ذلك،أن يكسب محبتهم،إذن لكي تسالم الناس، ادرس شخصياتهم، وعاملهم بما يناسبهم، وبالحكمه لا تتسرع بمجابهة الأمور، بل عامل الغير بطول أناة وسعة صدر ورحابة قلب، بل حسب التعبير العامي لتكن لك صفة إنسان بحبوح انك قد تخسر الناس بوجهك العابس المتجهم، وبجديتك الزائدة، ومقابلة كل أمر بحزم شديد، إنما بالبشاشة واللطف، يمكنك أن تكسب الناس في أصعب المواقف، حاول أن يكون لك روح المرح في معاملة الآخرين، وربما الشخص الذي يعاملك بطريقة متعبة: إن ابتسمت في وجهه ورددت عليه بفكاهة تضحكه فإنه قد يشاركك المرح فتكسبه، وطبعا ليس الجميع يمكنهم أن يتقنوا أسلوب المرح هذا، أني أنصحك بالبشاشة واللطف، والوجه البشوش محبوب من الناس، ويمكنه أن يكسبهم علي الأقل ليعيشوا في سلام معه، وثق انك لو كنت
إنسانا غليظ القلب، لا تركك الناس وشأنك، ولو كنت تحاسب غيرك علي كل كلمة وتصرف ولا تسامح فأنك تربي عداوة ، ولن تقدر علي مسالمة الناس.
أحيانا يسمح الله أن يعترض طريق حياتك بعض المتعبين، فهم مفيدين جدا في حياتك، لكي تتدرب علي فضيلة الاحتمال والصبر وعلى المغفرة للمسيئين، فتنمو في القداسة