في قلب الصراعات، كيف تٌبقي قلبك مفتوحا..؟

صرخة مواطنة ومؤمنة

Share this Entry

مللنا من الديباجات التي تخبرنا بضرورة التسامح ونشر الحب وكيف نبقي قلبنا مفتوحا للآخر وللحياة في هذه الأيام المجيدة، ومع نهاية عام وبداية عام جديد، لبدء صفحات جديدة مع أنفسنا ومع الآخرين، سهل جدا التنظير والتدريس، ولكن الواقع المُعاش مختلف تماما، كيف أستطيع تجاهل مشاعري وألمي؟ تجاهل غضبي ونفاذ صبري من كل ما يحدث حولنا؟ كيف أُسامح وأحب وأنا أرى الشر يعبث حولي، الحياة تزداد صعوبة حتى تكاد تخنقنا، أينما توجهنا وجدنا الغش والتعدي على حقوقي وحقوق غيري، وجدنا الاستهتار بمشاعري ومشاعر الآخرين، لقد أصبح الاستهتار والاستهزاء بالمشاعر والحقوق وبالكرامة علنيا، بدون أي حياء. جوع هنا، مرض هناك، تشرد وتهجير في تلك البقعة، وفوق كل ذلك متاجرة بكل ذلك الألم.. فكيف نطلب التسامح والحب وفتح صفحات جديدة بيضاء ناصعة وبالأصل قاعدتها غرقى بالدم والألم والغضب؟!

من السهل جدا التحدث عن كيف نبقي قلبنا مفتوحا عندما يكون الجميع على نفس النهج، والأسهل تطبيقه مع أشخاص نشعر معهم بالأمان وبالحب، ولكن، كيف نبقي قلبنا مفتوحا في قلب الصراعات والأزمات؟ عند انفجار طائرة ملئى بالأبرياء، عند وقوع حادث مروع بسبب سائق متهور أرعن، عندما نواجه أب قاسٍ وأم خائنة مهملة، عندما تتعرض أنت للجرح والتعذيب من قبل أقرب الناس إليك، صديق، أهل، وحتى عندما لا ينصفك عملك الذي تفني فيه أغلب سنين عمرك، هل تستطيع أن تُبقي قلبك مفتوحا لهم وهو مازال يتألم، يشعر بالخسارة، الوحدة والخيانة؟ هل تستطيع أن تفتح قلبك لمجرم سبب الموت والدمار لبلدك او لأبناء شعبك أو حتى لبلد وشعب غريب عنك ولكنهم أبرياء؟

هل تستطيع أن تبقي قلبك مفتوحا وأنت ترى السياسيين الفاسدين يعوثون فسادا في بلدك، يسرقون حق المواطنين الشرفاء؟ يسرقون حق الأطفال في التعليم بمدارس محترمة؟ يسرقون حق سيدات معنفات لجأن لمؤسسات مختصة للدفاع عنهم وحمايتهم؟ حق المشردين ومن يحتاجون للعناية الطبية؟ ومن تأتيهم التبرعات ومع ذلك يسرقونها منهم؟

مع كل هذا، ما هي المشاعر التي تضطرم في قلبك الآن؟

نحن، وككل باقي الناس، من السهل أن نُبقي قلبنا مفتوحا مع الذين يُشعروننا بالأمان، بالاحترام، بالحب، وبالتقدير، ومن الطبيعي كذلك أن نشعر بالغضب ونُغلق قلبنا في وجه الظلم والألم ونرفضه ونبتعد بعيدا.. ولكن التحدي الأكبر هو كيف نبقي قلبنا مفتوحا في قلب كل تلك الأحداث، عندما نشعر أن قلبنا مهدد؟

فَكِّر بالطبيب عندما يأتيه مريض مستهتر بصحته وبحاجة للعناية، فهل سيرفضه بسبب استهتاره أم عليه استيعابه ومعالجته؟ فكر بالطفلة التي هجرتها والدتها في طفولتها وحضرت فجأة وقت زفافها تطلب العفو، فهل تتجاهلها وتجرحها أو تستقبلها؟

عندما تشعر بالقسوة، بالغضب، بأنك ضحية لأفعال الآخرين، هل تستطيع لمس بذرة صغيرة في داخلك تدعوك للتسامح؟ في عمق ذاتك، هل تستطيع إيجاد مبررات لذلك الشخص تبرر تصرفه؟ فقد يكون هو متألم بصورة أكبر، ضحية لشيء أو لشخص آخر، فريسة لفكرة ولتعليم شرير معين، كم ستكون روحهم معذبة وتائهة حتى جعلهم يتصرفون كذلك؟ هل تستطيع لمس العذاب والألم الذي يشعر به أخيك الإنسان؟ أن تلقاهم عند نقطة الألم، بدلا من إدانتهم والحكم عليهم وتنفيذ العقوبة؟

هل تستطيع أن تسامح؟ أن تكون أنت المُعالج؟ عالما بأنه، لكي تتصرف بهذه الطريقة لابد أن تكون تعرضت لأذى كبير، عالما بأننا كلنا مجروحين ومتألمون وبأننا في لحظات معينة نعمل ما بوسعنا.

لا نطلب هنا أن تتغاضى وتتجاهل الألم وتبقى فيه، أو تسكت عن الخطأ الذي تراه أو الوضع السيء الذي تعيشه أو يعيشه غيرك، أن تبقي قلبك مفتوحا لا يعني التناسي والتجاهل عن ما يدور حولك من أخطاء، ولا  يعني أن لا ينال الخاطيء الحكم العادل. أن تُبقي قلبا مفتوحا يعني أن تتعاطف مع نفسك ومع الآخر، أن تكون عادلا بدون قسوة، بدون أن ترد الإساءة بمثلها، أن تُبقي قلبك بعيدا طاهرا بريئا من دائرة الحقد والغضب، فتلك الدائرة مفرغة تبتلع بسهولة من ينجرف خلف مشاعر الغضب والألم والانتقام، فكن أنت مختلف، ابتعد، وذلك بالتسامح والمغفرة والحب والتعاطف وبالعدل.

أن تفتح قلبك لا يعني أن تبقيه معرضا وهدفا سهلا لكل ذلك الخطر، بل عليك حمايته وأن تكون حكيما وعاقلا، وإن تعرضت للأذى تعرف كيف تستجيب، فبإغلاق قلبك تضيع فرص كثيرة لنموك ونمو الآخر، نعلم أن ذلك كثير لنطلبه، أو حتى لنفكر فيه، بل جزء من حقي أن أغضب وأن أعبر عن غضبي.. ولكنها مسيرة طويلة، وليست سهلة، وهو قرار، في حال اتخذت القرار قد قطعت شوطا كبيرا، حاول أن تتعاطف مع الآخر، أن تفكر بالألم الذي عاناه هو بالمقابل، تعاطف مع نفسك ولا تجلدها، قُل الحق، طالب بحقك وبحق غيرك ولكن بقلب مفتوح بدون إهانة أو جرح الآخر، تَفهم وأخيرا حِب..

وهذا مجمل ما يطلبه الله منا، أن نٌحب، لأنه هو محبة، أن نكون عادلين كذلك كما هو عادل، ولكن لا ننسى، أن محبته غلبت عدله، وضحى بابنه حيث أرسله طفلا صغيرا ضعيفا معرضا لكل أشكال الأذى والألم التي نختبرها نحن أيضا، من فقر وتهجير ورفض وإهانة وفقد عزيز، ولم يكن له كرامة بين شعبه، وإدانة وظلم وتعذيب حتى القتل، وكل ذلك ليقول لك: “ها أنا عانيت مثلك تماما، ولم أترك شيئا لم اختبره، ومع ذلك أحببت حتى الموت، سامحت وغفرت حتى الصليب، وأبقيت قلبي مفتوحا للجميع دون استبعاد أحد، أطلب منك الكثير ولكن ليس المستحيل، تعا
ل في حضني وأنا أعلمك وأعينك في ذلك.. كن قديسا كما أنا”.

افتح قلبك في هذه الأيام المجيدة وابدأ عاما جديدا بكتاب أبيض.

أعياد مجيدة وسنة مباركة للجميع.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير