لم يكن للكون حقيقة كاملة قبل وجوده ولم يكن للحياة معنى قبل ولادته. بحضوره بدأت الحياة وأشرقت وبكلماته استنارت العقول .. كان التواضع حلته والحكمة زينته والعمل على ترميم وإرشاد الانسان رسالته. ” أنا قد أتيت لتكون لهم حياة، وليكون لهم أفضل” ( يو 10 : 10 ) … من هو ؟
هو من ولد بين ظلام الخطايا المتراكمة .
هو من أتى معلما ومرشدا .
هو من أعطى النور للنفوس الضعيفة وطيبها .
هو من سلك الطرقات بقوة حكمته وبصيرته .
هو من كسر شوكة الشر وانتصر عليها.
هو من قدم نفسه عطية للسلام .
هو من اخترق القلوب وجعلها تبهر بنعمته .
هو من اكسب الروح تواضعا .
هو من تحمل الضيقات والآلام والمتاعب من أجل فرحة دائمة.
هو من تفهم احتياجاتنا بقلب كله حنين .
هو من يقول: تشجعوا في كل حين لا تخافوا، أني أنا هنا معكم.
هو من قالوا عنه:” اليوم ولد لكم مخلص” ( لو 2 : 11 ).
حينما نعيش في كل عام ذكرى ميلاد المخلص يسوع المسيح، فأننا بذلك نريد أن نحيي حقيقة أن الرب يتذكرنا ويريدنا أن نكون معه على الدوام، ليس بالهدايا الشكلية ولكن بعيش ولادته وارتداء حياة التجدد ، حياة الخلاص والسلام والأمان والاستقرار والمحبة والغفران. يريدنا ان نستمر في تحقيق هدف المسيح الحقيقي على الأرض، في أن نكون أداة السلام التي تنزع الشر وتزرع الخير في النفوس العامرة بمحبة الطفل الفادي. هكذا تكون الحياة بوجود ومعرفة المسيح حينما نقابله ونستحضره في داخلنا، احساس صادق مرتبط بالمعنى الحقيقي لجوهر ووجود الحياة والتمعن في رسالته المملؤة فرحا ومحبة وانقياد للروح القدوس.
لا نريد أن يكون الطفل يسوع في يوم ميلاده مجرد زائر بل نريده أن يكون مقيم دائم في أعماقنا وقلوبنا وعقولنا وتعاملنا وسلوكنا مع الغير، نحتفل به معه وبحضوره الدائمي. باستقراره في داخلنا فأننا نجعل من حياتنا مصدر قوة وعظمة وغنى، لأننا نعلم أن هنالك أوقات تنتاب الإنسان فيها، ضعف شديد بسبب دوافع وميول واتجاهات ووسائل تجعل من الفرد يقود نفسه وغيره إلى طرقات التهلكة والخطيئة.
افرحوا .. ابتهجوا .. واقتربوا في خشوع ” اقتربوا إلى الله فيقترب إليكم ” ( يع 4 : 8 ). أنه قادم وأول تحية تقدم له هي تلك التي قدمها المجوس للملك الصغير في بيت لحم وهي السجود، سجود التوبة والتواضع والاعتراف والقبول والأبناء الصالحين. سبحوا ومجدوا اسمه القدوس، ” ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب” ( مز 34 : 8 ). أننا بحاجة الى التمعن أكثر في هذا الميلاد من اجل انسان يتمنى ان يكون كامل كما هو المسيح كامل .. أننا بحاجة لإعطاء أنفسنا ولكل من يقابلنا بداية جديدة كما هي ولادة المسيح المتجددة في حياتنا كل عام.
كل عام والجميع بألف خير ، خيرًا يبتدأ بقبول الفادي مخلصا أبديا للحياة ..