Saint Francis of Sales - Church of the Salesians in Rome - sacro Cuore

Robert Cheaib - Theologhia.com

أب الروحانيّة الحديثة (فرنسيس دو سال) .. قراءةٌ منعشة في كتاب " مدخل إلى الحياة التقيّة

فرنسوا دو سال هو من مدرسة روحانيّة خاصة به . فهو بادئها ومطوّرها وذروتها . يقول فيليب هوغ : إنه في فرنسوا دو سال ” تنصّر عصر النهضة الفرنسيّ ، وصارت الأنسيّة تقيّة ” . إنه أيضا جسرٌ بين عصر النهضة والفترة […]

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

فرنسوا دو سال هو من مدرسة روحانيّة خاصة به . فهو بادئها ومطوّرها وذروتها . يقول فيليب هوغ : إنه في فرنسوا دو سال ” تنصّر عصر النهضة الفرنسيّ ، وصارت الأنسيّة تقيّة ” . إنه أيضا جسرٌ بين عصر النهضة والفترة الحديثة ، وأحد أشدّ التأثيرات في الروحانيّة منذ القرن السابع عشر حتى اليوم .
ولدَ فرنسوا في إقليم السافوا العام 1567 ، ودرس لدى اليسوعيّين في باريس ، ثمّ ذهب إلى بادوفا حيث نال الدكتوراه في الحقوق المدنيّة والكنسيّة . رُسِمَ في كانون الأوّل 1593 ، وعيّن رئيس مجمع جنوة . كرّس نفسه مباشرة لتبشير الكالفينيّين ، ونجح في عمله نجاحــًا باهرًا فعُيّن مساعدًا لأسقف جنوة .
إنجذبَ فرنسوا منذ سنواته الآولى إنجذابًا شديدًا إلى أمور الله، وكانت مختلف أحداث حياته علامات على أنّ دعوته إلى الحياة الكهنوتيّة هي دعوة إلهيّة مباشرة . يقول ميشيل دو لا بودييه إنّ فرانسوا دو سال هو ” أعظم القدّيسين ، أقلّه في الزمن الحديث ” ، وأبني هذه القناعة على الشعور الذي تملّكني طوال الوقت أنه جسّد كيانا بشريّا في فترة تاريخنا الغربيّ ، يعكس مباشرة ، وبشكل طبيعيّ وعفويّ وفائق الطبيعة ، شخصيّة المسيح ربّنا وطريقته ” .
عقيدة فرنسوا ، تقدّم تعليمًا روحيّا بطريقة مميّزة ، وتدعم حركة انتقال الروحانيّة المسيحيّة من الإطار الديريّ الذي تكوّنت فيه طوال قرون ٍ عديدة. وإن كان قد تدرّب على يد اليسوعيّين ، كان فرنسوا إغناطيّا بوضوح ٍ في ممارساته الروحيّة ، ولكنّه أوغسطينيّ في لاهوته ، مع واقعية وتفاؤل أكوينيّين .
كتاب ” مدخل إلى الحياة التقيّة ” – الذي سنأخذ قسمًا منه هنا – صدرَ أوّلا في العام 1609 ، والطبعة الأخيرة التي أشرف هو نفسه عليها صدرت في العامّ 1619 . والكتاب هذا كُتبَ خصّيصا للعلمانيّين ، ويقول الأب جوردان أومان الدومنيكيّ في كتابه الذي أقتبسُ منه هذا المقال (تاريخ الروحانيّة المسيحية في التقليد الكاثوليكيّ ) ، أنّ القديس فرنسوا هو أوّل الكتّاب الروحيّين الذين ألّفوا مقالا في الروحانيّة العلمانيّة . ويقول في المقدّمة إنّ الذين كتبوا في السابق عن الحياة الروحيّة وجّهوا كتاباتهم إلى من تركوا العالم أو علّموا روحانيّة تقود إلى الترك .
ما المقصود من تعبير ” الحياة التقيّة – التقوى ” ؟!
أولا ، التعبير لا يعني أيّ نوع من النعمة الفائقة العادة أو الإمتياز (وكأنّ صاحبها أصبحَ الرجل الخارق – سوبر مان!) ، ويقول القديس فرنسوا بوضوح : ” هناك بعض الأمور يعتبرها كثيرون فضيلة وهي ليست كذلك … وأقصد الإختطافات ، والنشوة ، وفقدان الإحساس ، والإتحادات التأليهيّة ، والإرتقاءات ، والتحوّلات ، وما إلى ذلك من كمالات أخرى تمّت مناقشتها في بعض الكتب ، وهي تبشّر برفع النفس إلى المشاهدة التأمليّة الفكريّة الصرفة ، وإلى الإنكبات الجوهريّ للعقل ، وإلى الحياة الفائقة … هذه الكمالات ليست فضائل ، بل هي بالأحرى مكافآت يمنحها الله للفضائل ، أو عيّنات من لذة الحياة المستقلبيّة … لذلك لا ينبغي للمرء أن يتوق إلى نِعَم ٍ كهذه ، لأنها ليست ضروريّة على الإطلاق لحبّ الله وخدمته كما يجب ، اللذين يجب عليهما أن يكونا غايتنا الوحيدة ” .
ثانيا ، التقوى الحقيقيّة ليست في أيّ ممارسة روحيّة خاصّة : ” لا أسمع سوى الكمالات ، وأرى قليلا من الناس يمارسونها … فبعضهم يجعل فضيلته في التقشّف ، وآخرون في الإمتناع عن الطعام ؛ وبعضهم في إعطاء الصدقات ؛ وآخرون في التردّد على سرّ التوبة و الإفخارستيّا ؛ وآخرون مجموعة صلاة لفظيّة أو فكريّة ؛ ويبقى آخرون في نوع من التأمل المنفعِل والسامي ، وآخرون في النِعَم الفائقة الطبيعة الممنوحة بسخاء . كلّ هؤلاء مخطئون إذ يجعلون النتيجة سببــــًا ، والجدول نبعًا ، والأغصان جذورًا ، والثانويّ أساسيّا ، وحتى الخيال جوهرًا . أمّا أن(يقول القدّيس فرنسيس ) فلم أعرف ولا اختبرتُ أيّ كمال ٍ مسيحيّ غير محبّة الله من كلّ قلبنا ومحبّى قريبنا كنفسنا . وكلّ كمال ٍ آخر غير هذا هو كمال مزيّف ” .
لهذا ، فالتقوى الحقيقيّة ، في نظر فرنسيس ، هي مثل الكمال المسيحيّ ، إتمام وصيّتي المحبّة التي أعلنها الربّ يسوع (متى 22 : 34 – 40) ، ويعطي في المدخل إلى الحياة التقيّة عرضا مفصّلا يشبه التقوى بحسب لويس الغرناطيّ .
التقوى الحقيقيّة الحيّة ، فيلوثيا ، تفترض حبّ الله ، ولكن ليس أيّ نوع من الحبّ : فطالما أن الحب الإلهيّ يجمّل نفوسنا ، يُدعى ” نعمة ” ويجعلنا نرضى العزة الإلهيّة .
يعالج القديس أيضا مسائل التجارب ، والحزن ، والتعزيات ، والجفاف ، ويختم عمله بسلسلة ٍ من الفحص الذاتيّ والإعتبارات بحيث تستطيع النفس أن تحكم على تقدّمها في التقوى الحقيقيّة . وهكذا ، فإنّ مجمل كتاب ” المدخل ” يعطي برنامجـــًا كاملا للتقدم الروحيّ العلمانيّ .
من الناحية العقائديّة ، كانت أهمّ مساهمات القديس فرنسوا دي سال في اللاهوت الروحيّ هي ” توحيد كلّ الأخلاق المسيحيّة والقداسة في رباط المحبّة ” . وهذه العقيدة علّمها بوضوح القديس توما الأكوينيّ ولاهوتيّون آخرون من العصر الوسيط ، وكان من الضروريّ ، في زمن القديس فرنسيس ، الإلحاح مرّة أخرى على أنّ الكمال المسيحيّ ليس في أيّ تمرين خاصّ أو ممارسة خاصّة ، بل في محبّة الله والقريبْ .

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير