في خضمّ التجارب التي تواجهها مؤسّسة الزواج، يتساءل كثر عن معنى الزواج في مجتمعنا الحالي وعن كيفيّة وجوب تصرّف الزوجين لأجل ديمومة علاقتهما. وبهدف إلقاء الضوء على هذا الموضوع المهمّ، سنعالج المسألة ضمن مقالتين مبنيّتين على كتاب Three to get married للمونسنيور فولتن ج. شين. وفي هذا القسم الأوّل، سنتطرّق إلى معنى الحبّ، على أن نقتبس في الجزء الثاني أهمّ ما قيل في الجنس والشهوة. تجدر الإشارة هنا إلى أنّ المونسنيور فولتن وُلد في 8 أيار 1895 واستجاب لنداء الله، سالكاً درب الكهنوت. وبعد حياة أمضاها في خدمة الرب سواء بالوعظ أو بالتعليم أو ببثّ برنامج ديني إذاعي أو بتأليف الكتب، أعلنه البابا بندكتس السادس عشر مكرّماً بتاريخ 28 حزيران 2012.
في كتابه الذي نُشر سنة 1951 في الولايات المتّحدة الأميركيّة، والذي يستند إليه موقع goodreads.com الإلكتروني لاقتباس أهمّ جمله، يسطّر المكرّم شين مبدأ واحداً أساسيّاً، ألا وهو أنّ الحبّ يعني حبّ الله. “تخيّلوا دائرة كبيرة تنبعث من وسطها أشعّة نحو خارجها. النور في الوسط هو الله وكلّ واحد منّا هو شعاع. كلّما اقتربت الأشعّة إلى الوسط، كانت أقرب إلى بعضها البعض. لذا، كلّما عشنا قريبين من الله، اقتربنا من الآخرين. وإن ابتعدنا عن الله، ابتعدنا عن بعضنا البعض. أمّا عندما يخرج كلّ شعاع مبتعداً عن الوسط، فيصبح أضعف”. ومن نقطة البداية هذه، ينطلق المكرّم ليسأل: “كيف يمكننا أن نحبّ أنفسنا بدون أن نكون أنانيين؟ وكيف يمكننا أن نحبّ الآخر بدون أن نخسر أنفسنا؟” ليأتينا الجواب: عبر حبّ نفسنا وقريبنا بالله، لأنّ حبّ الله هو ما يجعلنا نحبّ نفسنا كما قريبنا، بما أنّ حبّ النفس بدون حبّ الله هو أنانيّة، وحبّ القريب بدون حبّ الله ينطبق على من يعجبوننا فقط.
أمّا مَن يحبّ الله فهو لا يعرف معنى كلمة “كثيراً”، ومن يتّهمون الآخرين بأنّهم يحبّون الله أو ديانتهم “كثيراً” فهم لا يحبّون الله على الإطلاق ولا يعرفون معنى الحبّ. من هنا، كانت معادلة الزواج الذي بدوره يستلزم وجود ثلاثة أطراف: الله والذكر والأنثى، ليصل المكرّم إلى القول: “لا يمكن لأيّ أحد أن يحبّ نفسه كما يجب، إلّا إن عرف المعنى الحقيقي خلف عيشه، فالحبّ عديم النفع إن كان الإنسان لوحده. والحبّ يقتضي العلاقة؛ لذا إن تمّ عيشه بعزلة، يصبح أنانيّة”. كما وأنّ الإنسان يستطيع أن يحبّ أكثر ممّا يدرك. “يمكن لأيّ مؤمن أن يُكنّ لله حبّاً أعمق من حبّ أيّ لاهوتيّ، كما ويمكن لآخر أن يفهم في قلبه طرق الرب وأساليبه أكثر من علماء النفس”. واستطراداً، نقتبس جملة “مَن لا يحبّون بعضهم البعض بعمق، يحتاجون إلى الكلمات؛ ومن يحبّون بعمق ينمون في الصمت”. أوَلا نقول إنّ الله يكلّمنا بالصمت؟؟
من ناحية ثانية وضمن تفسيرات أخرى للحبّ، يشير المكرّم شين إلى أنّ هذا الشعور قد ينبع من صداقة مبنيّة على الفائدة أو الرغبة. ففي هذا النوع من الحبّ، يكون “العاشق” يحبّ نفسه أكثر من شريكه، لذا إن حال الشريك دون تحقيقه ما يرغب به، يتحوّل الحبّ إلى كراهية. فكما ينبع الحبّ من المعرفة، تنبع الكراهية من الرغبة في المعرفة. “إنّ التعصّب هو ثمرة الجهل”. وهنا ينطبق على هذا النوع قول: “لم يعرفوا الحبّ منذ البداية، لأنّ الحبّ لا يستعيد ما أعطاه، حتّى في الخيانة”، بما أنّ “الصلاح محبوب بطبيعته، والحبّ يجد أنّه من المستحيل ألّا يلاحق الصلاح”. وفيما “ما يحبّه البعض ليس الشخص الآخر، بل اختبار كونهم مغرمين، نقول إنّه لا يمكن استبدال الأوّل فيما العكس صحيح مع الثاني”.
في ختام القسم الأوّل من المقالة، نقتبس جملة أخرى من الكتاب، يشير فيها المكرّم إلى أنّ “حبّ ما هو أدنى من البشريّ هو انحطاط؛ وحبّ البشريّ لأجل البشريّ هو اعتدال؛ وحبّ البشريّ لأجل الله هو إثراء وحبّ الله لمجرّد حبّه هو القداسة”. ومع القدّيس أغسطينوس، يذكر المونسنيور شين أنّ “الخجل مرتبط بالعصيان، وهذا يعني أنّ طاعة أوامر الرب تمحو الخجل. من هنا، توصّل الأساتذة الكاثوليك إلى خلاصة القول إنّه كلّما ازدادت الطاعة لتعاليم المسيح، تراجعت حدّة الرغبة الملحّة أو الشهوة الجنسيّة”، والتي سنتناولها في القسم الثاني.