بِنَاءُ وإِعْمَارُ الكَنَائِسِ التي حرقها وهدمها الإرهابيون

أمرَنا الرب كي نبني البيت فيعود ويرضىَ، لكن بناء بيته (الكنائس) هو بناؤنا لنكون “بيته نحن” حجارة حية مرصوصة، تجديدها هو تجديدنا الروحي وبنيان نفوسنا؛ لأن العبرة ليست في عددنا ولا في أوزاننا وأحجامنا؛ لكن في هيكلنا اللحمي… الكنيسة مستشفى؛ وكلنا مرضى […]

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

أمرَنا الرب كي نبني البيت فيعود ويرضىَ، لكن بناء بيته (الكنائس) هو بناؤنا لنكون “بيته نحن” حجارة حية مرصوصة، تجديدها هو تجديدنا الروحي وبنيان نفوسنا؛ لأن العبرة ليست في عددنا ولا في أوزاننا وأحجامنا؛ لكن في هيكلنا اللحمي… الكنيسة مستشفى؛ وكلنا مرضى ولا دواء عندنا إلا دواء الخلود ومَصْل عدم الموت… الكنيسة بيتنا؛ هيكل الله الحي الذﻱ فيه نتلذذ بالقدير ونسجد بالروح والحق … الكنيسة هي حياتنا، فمعنى الكنيسة ولاهوتها هو الذﻱ يجعل لمبناها قدسيته الإلهية كبيت لله وباب للسماء .
إن لم يَبْنِ الرب البيت فباطل يتعب البناؤون، الرب يبنينا؛ هذا هو الأجمل، يبنينا باني الكل، ويجمعنا له ويوطدنا به، بعضنا البعض في شركة ووحدة نصيب وميراث جميع القديسين. لولا ذلك لبقي المبنى مجرد حجر… لهذا يتزامن الجمال الروحي مع البناء العمراني؛ لأن البهاء الحقيقي في اليقظة والسهر وطقس التائبين لتكون نفوسنا مهندَسة بالفضائل، كحجارة ومنارة تعلو لتجعل الرمز والمبنى حياة وحقيقة منظورة.
البهاء الروحي لا بُد أن يشمل المعنى والجوهر مثلما يتضمن المبنى والشكل… معمارنا وتجميلنا هو قصد بناء الكنيسة، هو عمل البناء الأعظم مرمم الثغرات ورب الهيكل، وكما نصير نحن مدشَنين ومميرنين بالمسحة، وكما تُمسح نفوسنا بالميرون لتعلن حياتنا غير المنظور وتجعله منظورًا، هكذا المبنى الكنسي يُمسح ويدشن ليتخصص لسكنىَ العلي ضمن المقادس الإلهية المملوكة أبديًا لله … تُمسح الجدران والأساسات والأعتاب بالميرون لتصير عِلِّيَّة جديدة، فوق الزمان والمكان وفوق التاريخ والجغرفيا، إنها باب السماء؛ وفيها نكون كالقيام في السماء، وعندما نخرج منها نحمل روحها وتعليمها وسلوكها ومضمونها إلى العالم الذﻱ نحيا فيه؛ لنجعله كنيسة كونية (المسيح فينا).
بالميرون تُمسح حجارة مبنى الكنيسة، وبالميرون نُمسح نحن كحجارة حية؛ لأن حياة جديدة قد صارت مدشنة للحجر والبشر… تشمل الكنيسة كمعنى ومبنى… لتكون هي سفينتنا وفلكنا ومركب إنقاذنا ومرعانا وملجأنا وبيتنا وحصننا وأساساتنا ومنارتنا وسماءنا الأرضية… أورشليم مدينة الملك العظيم الحقيقية… بلد السلامة التي أساسها حق، وأسوارها خلاص، وأبوابها طهارة، وطرقها حياة… لأن إله القوات اختارها لسُكناه؛ وسط تسبيحات محبيه الذين يتقدمون بذبيحة التسبيح؛ ونطق الحناجر والأصوات والأوتار والخفقات والطلبات والتضرعات بكل لسان ولغة ونغم روحاني.
مباركة هي الأيادﻱ التي تقوم وتبني الكنائس التي حُرقت وسُلبت وهُدمت، ومباركة هي الأيادﻱ التي تصلي وتعمل وتخدم وتقدم من أجل عمار المواضع المقدسة… ذكرهم يكون تذكارًا أبديًا لأنهم مجدوا السيد الوحيد وعمروا الأجيال، وستبقى أسماؤهم مسجلة في سجل سفر الحياة في الأعالي… فقد اهتموا وأنفقوا العمر والجهد والمال؛ لبناء أسوار أورشليم بكل مسرة روحية؛ وبها لم يملأوا أعمارهم أعمالاً ، لكن ملأوا أعمالهم حياة وخلود.
الجمال الحقيقي للكنيسة لا يتوقف عند مادتها وألوانها ونقوشها وإبهارها ومظهرها وأنشطتها؛ لكنه جمال التوبة والرحمة والمعرفة والوحدة وتكميل الوصية بخوف ورعدة. جمالها ليس في غناها وسطوتها ومنتجعاتها وأملاكها ورفاهية مؤمنيها؛ لكن جمالها في عبادتها ودراستها وخدمتها وبرها الحق كقوة يفتقر إليها العالم الحاضر الفاني والمزيف.. جمالها في رعايتها لفقرائها ومساكينها وجهالها ومهجَّريها ، جمالها في فك المأسورين من أنياب إبليس ورباطات الشياطين، وفي إعلانها لخلاص الله في كل الشعوب.
جمالها في سجودها وميطانياتها وقداساتها وصومها وتسبحتها وسيرتها وأعمالها… جمالها في كونها شبه السماويات وظلها كعروس مزينة… عملها التقديس والتطهير والتكريس للمسكن الأعظم والأكمل؛ قدس الأقداس؛ مسكن وبيت الحضرة الإلهية، موضع المخافة والمجد الأبدﻱ ، الذﻱ لا يمكن أن يُهدم أو يُحرق أو يُسلب إلا بالخصومات والعصيان والعبادة المغشوشة والتجارة واحتقار الصغار، لا يحرقه ولا يهدمه إلا الانقسام والعداوة والتسلط وقسوة التسيد على الأنصبة ومحاباة الوجوه… أما بناؤه لا يكون إلا على أساس الرسل والقديسين والمسيح رأس الزاوية… فخره ليس فقط في مبانيه بل في لاهوت معانيه وفهمها وعيشها، فخر البيت ليس في حوائطه ومناسباته ومهرجاناته وطرازه؛ لكن في مخافته كناطق سمائي… يعبر فيه المعمار الكنسي عن الحقيقة
اللاهوتية ويكون ككتاب مفتوح يجسم كلمتنا وإيماننا في واقعية وغنى، فنأخذ الألوان والأواني والأصوات والكتب وعناصر الكون لنقدمها كصعيدة… زهرة من البستان لتكون بخورًا وشمعة من خلايا النحل لتكون شموعًا وخيوطًا لتكون أقمطة ولفائف؛ ودقيقًا وماءًا ليكونا خبزًا … لكي بهذا تجعل الكنيسة من الكون كله هيكلاً مقدسًا لله.
من أجل هذا تصلي الكنيسة عبر العصور… كي يجعل الله أبواب الكنائس مفتوحة للمؤمنين، ويجعل اجتماعاتها بغير مانع ولا عائق، فنصنعها حسب مشيئته المقدسة الطوباوية… بيوت صلاة؛ بيوت طهارة؛ بيوت بركة، يُنعم بها الرب علينا، وعلى عبيده الآتين من بعدنا إلى الأبد .

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

القمص أثناسيوس جورج

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير