ما أغربك أيها القديس يوسف، ما هو هذا الحب التي تكنّه في أعماقك، لمريم فتاة أحلامك، وللربّ إلهك وسيّدك، يا له من حبّ مملوء بالجنون والتضحية والبذل والإنسحاق.
حلمك بأن تكون مريم زوجتك، بأن تكون مريم فتاة أحلامك، رسمت أحلام عديدة لها، تمنّيت وصلّيت من أجلها ومن أجل أن تتحقق أحلامك وأحلام مريم، هذه الأحلام التي طالما تشاركتما بها، وفجأة تكتشف بأن الرب لديه حلم آخر لمريم، مشروع أعظم لكما. فلم تختار يا يوسف حلمك أنت، لم تقبل بأن يكون حبّك أناني، لم تشأ أن تفرض على مريم أحلامك، بل بصمت، قررت أن تقتل أحلامك، أن تقتل مشاريعك الخاصة، التي تمنيتها لمريم، فتاة حياتك، قتلت حلمك لمريم، ليعيش حلم الرب الذي أراده لمريم. عرفت بأن إصرارك على تحقيق حلمك أنت وليس حلم الرب، كان سيؤدي إلى قتل مريم ورجمها. بصمت، وبألم، صمتت على أوجاعك، لأن همّك الوحيد هو فرح مريم، فأدركت بأن فرحها الأعظم هو ما إختاره الرب لها، وليس ما أنت تريد لها. فإنسحبت إلى الخلف، وكنت الملاك الحارس لمريم، وقفت بعيداً تنظر إلى فرحها وتفرح لفرحها، وقفت بعيداً لكي لا تكون عائقا بمسيرتها مع الرب، وعند الحاجة تهبّ مسرعاً لمساعدتها، لا لتحقيق أحلامك أنت، تساعدها لتحقيق أحلام الرب لها.
حلمك الكبير، بأن يكون هناك طفل لك، طفل يحمل إسمك، طفل من لحمك ودمك أنت، وفجأة تدرك بأن الرب لديه حلم آخر، بأن تكون أب لطفل ليس منك، لطفل حلمت به الشعوب كافة، طفل إنتظرته الأجيال. نعم، أنت أمام تحدي كبير، بأن تختار هذا الطفل الذي هو حلم لكثيرين، أو أن تختار حلمك أنت، طفل من لحمك ودمك. فقتلت حلمك بأن تكون أب لطفل من لحمك ودمك، لكي يتتحقق حلم البشرية. قتلت مشروعك الخاص، لكي يتحقق مشروع الرب للبشرية. فصرت أب لهذا الطفل والحارس، وفي نفس الوقت صرت أب للبشرية جمعاء، نعم، ألوف الناس تناديك يا “أبانا أيها القديس يوسف”. وكنت تعلم، لو قررت أن تكون اناني، أي بأنك لا تريد سوى طفل منك، لقتلت “أحلام البشرية ومشروع الله”.
أيها القديس يوسف، ما أروع هذا الحبّ وما “أنضج” هذا الإيمان، وما أنقاهما، حبّ وإيمان ملؤهما التّضحية من أجل الحبيبة ومن أجل الله. نعم، إخترت أن تسير على الجلجلة، وبأن تقتل أحلامك على “الصليب”، لكي تحيا أحلام الله لحبيبتك، أحلام الله للبشرية. “نكرت ذاتك” لتنتصر مشيئة الله من خلالك.
علّمني أن أكون مثلك، علّمني أن أحب مثلك، علّمني أن أؤمن مثلك. أن أقتل أحلامي أنا، لكي أحقّق أحلام الله للآخر، وليس ما أنا أتمناه له. علّمني أن أضحي مثلك، أي أن أضحي بهذا الحلم الرائع بأن أكون أب طفل من لحمي ودمي، لكي أصبح أب للبشرية جمعاء، للبشرية التي تنادي “أبونا”.
علّمني أن أحقق قول يسوع المسيح، الذي حقّقته أنت، ” ليس هناك حب أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبائه” (يوحنا 15\13). آمين.
Robert Cheaib - theologhia.com
عشية عيد القديس يوسف: بين الحلم الرائع والأروع، ماذا نختار
ما من حب أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل من يحبّ