Cross

Pixabay CC0

ما معنى " مات يسوع من أجل خطايانا " – وهل هذا التعبير صحيح ؟؟

في الحقيقة ، ليس هذا التعبيرُ صحيحًا مئة بالمئة ، ولا خاطئا مئة بالمئة . فله جانبٌ إيجابيّ وآخر سلبيّ .كيف؟ يقول الاب فاضل سيداروس اليسوعيّ : ” في لاهوت بولس الرسول ، يستخدم لا التعابير والكلمات القانونيّة للحديث عن الخطيئة والتحرّر […]

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

في الحقيقة ، ليس هذا التعبيرُ صحيحًا مئة بالمئة ، ولا خاطئا مئة بالمئة . فله جانبٌ إيجابيّ وآخر سلبيّ .كيف؟
يقول الاب فاضل سيداروس اليسوعيّ : ” في لاهوت بولس الرسول ، يستخدم لا التعابير والكلمات القانونيّة للحديث عن الخطيئة والتحرّر منها ومغفرتها ، بل السياسيّة ، للدلالة على أنّ سلطتها زالت كما تزول سلطة رئيس سياسيّ على ذويه . فليست الخطايا تقصيرًا في الشريعة ، الأمر الذي يستوجب حكمًا قانونيّا ، بل هي نابعة من حالة الخطيئة ، من سلطانها على الإنسان . فبولس الرسول يدركُ أنّ موت المسيح يُبطل سلطان الخطيئة ، فيغيّر حالة الخطيئة التي يتميّز بها الإنسان .  (هذا ما يردّدونه الكثير من المسيحيّين في تساؤلاتهم  : إن كان المسيح خلّصنا من خطايانا ، فلماذا نحن الآن لا زلنا مستمرين فيها ؟! ) .
لهذا ، بولس الرسول لا يستخدم كلمة ” خطايا ” بالجمع ؛ بل كلمة ” خطيئة ” ، بالمفرد ، واصفا هكذا حالة الإنسان المعادي لله . فما الخطايا التي يقترفها البشر وكل إنسان سوى نتيجة حالة الخطيئة الشموليّة الكامنة والمتأصّلة فينا . إنه يشبه السمّ في الجسم .
المسيح مات ليهدم ويخلّصنا من هذه الحالة المؤلمة والمأساويّة ، حالة الخطيئة الشموليّة . ويعتقنا منها ، لكي لا نظلّ عبيدا لها.
يقول الأسقف الدكتور يوسف توما مرقس في دراساته حول لاهوت المسيح :
” المسيح نفسه ماتَ من أجل خطايانا ، مات بار من أجل فجّار ” (1 بط 3 : 18 ) . عندما نقولُ إنّ المسيح يخلّصنا أو ينقذنا أو يفتدينا أو يحرّرنا (كلها مرادفات متقاربة) ، نعني بذلك أنه مات من أجل خطايانا ، كما كان اللاهوت دائمًا يقول . ولكن ، هذا القول يشوبه اليوم شيءٌ من الإبهام والغموض وعدم الدقّة ! خصوصا إنّ  الإنحراف قد أصابَ بعض هذه المفاهيم بسبب هذه التفاسير الثقافيّة أو الخرافية . فالصور والتشابيه ضروريّة  أحيانا ، لكنها خطرةٌ بمنطقها وإنزلاقها . هكذا كانت كلمة ” الخلاص ” ، في الماضي تعني ” شراء العبد من صاحبه ” . فصاروا يتساءلون : إلى مَن دفعَ المسيح ثمن إفتدائنا ؟ أإلى الشيطان أم إلى الله ؟ لقد فكّروا في الخلاص باسلوب قانونيّ  أو كصفقة تجاريّة ، وحاولوا شرح الخلاص ببناء منطق رهيب مرعبْ ، كأني بيسوع يحاول  إخماد غضب الله المنتقم ، كأنّ يأخذ يسوع مكاننا ليتحمّل عوضنا عقوبتنا المقرّرة من الله ( حسب سفر إشعيا 53) .
السؤال : كيف تحوّلت صورة الحبّ التي وضحها المسيح كل حياته ، إلى صورة بشعة كاريكاتوريّة رسمتها هذه النظريّات ؟ كلّ هذه الصور والتصوّرات ، التي تدور حول فكرة العقاب والتكفير والألم وتطييب خاطر الله وتعويضه ، والتي يستعملها العهد الجديد باسلوب ٍ مختلف جدّا ، صارت لدينا اليوم مرفوضة وغير معقولة ، برغم أنها تحملُ فكرة إيمانيّة مركزيّة ، ألا وهي : أننا كنا عبيدًا للخطيئة والموت وأن يسوع حرّرنا . خطر هذه التصوّرات ، هو أنها تزيح موت المسيح من إطاره ومن بعده التاريخيّين ، وتفضّل موت المسيح على قيامته ، معطية ً له معنى قائمًا بذاته . فلا معنى لموت يسوع بدون قيامته .
ما معنى إذن : ” مات يسوع من أجل خطايانا “
يقول برنار راي (الراهب الدومنيكانيّ  مختصّ في علم الكرستيولوجيا ) : اهتمّت الجماعات الآولى في بادىء الأمر ، بقيامة المسيح . ولكن سرعان ما تساءلت عن معنى موته على الصليبْ : ترى كيف تجاوز التلاميذ شكّ الصليب وتوصّلوا إلى أنه فعل خلاص ؟ للإجابة على هذا السؤالب يمكننا تمييز ثلاث مراحل :
لنرى هذه المراحل مع ج . ن . بزانسون
1 – في خطوة آولى ، رأى التلاميذ أنفسهم إزاء ” الشرخ ” الفاصل بين حدث الموت وحدث القيامة . الصليب شك ، لأنه يعني موت البرئ ، ولقد أخذ على أنه إخفاقٌ لمخطّط الله (لو 24 : 19 – 21) . لم يفهم التلاميذ معنى هذه الميتة ، فبانت لهم القيامة كــ ” احتجاج الله على الظلم ” ” هذا الرجل الذي أسلمتموه وقضيتم عليه ، لكن الله أقامه ” (أعمال 2 : 24 ؛ 2 : 36 ؛ 13 : 30) .
2 – في خطوة ثانية ، يدخل الموت في مخطّط الله . فلقد فهم التلاميذ ، تدريجيّا ،  أن الله إذا برّر يسوع هكذا ، فلأنه يؤيّد رسالته وأعماله . فيسوع ، إذن ، هو هذا الذي يأتي ملكوت الله على يده ، لذا لا يمكن أن يُنظَر إلى موته كحدث طارئ باغت الله ؛ بل ينبغي أن يدخل كحلقة في مخطّط الله ( لا بمعنى القدر )  . هذا ما فعله يسوع على طريق عمّاوس ، عندما كان يستعرض لهم وجود التورا الكبرى  والأنبياء (العبد المتألّم) ، أو المزامير (البار المضطهد) ، مبيّنا لهم أنّ هؤلاء هم صور سابقة وإعلانات تُنبئ بالمصلوب .  وهكذا ، لم تعُد القيامة في مواجهة الموت (ولكن) ، بل في شركة مع الموت .
3- الخطوة الثالثة المتقدّمة ، عندما يفهم التلاميذ أنّ هذا الموت هو في ” سياق ومنطق وجود يسوع ”  ، فليس قدرًا محتومًا ، بل نتيجة اختيارات يسوع الذي أحبّ ” حتى النهاية ” (يوحنا 13 : 1 ) ، ودخل ” في آلامه طوعـــــــــــــــــــــًا  ”  . وهكذا ، إرتبط الموت بالقيامة ارتباط السبب بالمسبّب ، شيئا فشيئا .
كان موت المسيح إنسانيّا بكل ما تحمل الكلمة من معنى .  موته هو الطريق الحتميّ والمنطقيّ لصراع ٍتاريخيّ موضوعيّ وليس خياليّ . فهو لم يمتْ مصادفة ، إذ كلّ كلامه وموقفه وأعماله وحركاته والآمال التي أيقظها في الشعب ، جعلته مكروها ، لأنه صدمَ مصالح الأقوياء ، وفضح رياءَ الكثيرين . فالله الذي تكلّم عنه ليس إلههم ، كان عليهم إذن أن يتخلّصوا منه بأسرع وقت ٍ وبأي ثمن (كما يحصل اليوم في عالمنا ، عندما نجدُ شخصا محبّا للخير وللسلام وللرحمة ويحبّ أن يعمل أمرًا جديدًا ، نغارُ منه ونحقد عليه ونقومُ بمحاربته لئلا يكون أفضلَ وأقوى ، فنكبته ونوقف عمله !)  . فيسوع مات بسبب خطيئة البشر . فهذا التعبير هو أقوى من تعبير ” مات من أجل خطايانا ” . مات بسبب حقد الإنسان وعنفه .  لكننا ، لا نرفضُ أبدا العبارة الآولى .
المراجع
مدخل إلى رسائل القديس بولس ، الأب فاضل سيداروس اليسوعي ، دراسات في الكتاب المقدّس
يسوع الذي هو المسيح ، الراهب برنار راي ، سلسلة أبحاث كتابيّة
لاهوت المسيح ، الأسقف د . يوسف توما مرقس ، دراسات لاهوتيّة
 

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير