دخل السيد الرب إلى هيكله ليفتقده وليعاين أمجاده ؛ فيصل لحظات البدء الأولى بآخر لحظات خدمته… دخل الي الهيكل وهو رب الهيكل – (الألفا والأوميجا) – دخل إلى بيت أبيه، عندئذٍ وجد الزينات والشكليات والتجارة والاستهانة بالهيكل والساكن فيه ؛ حيث ضاعت هيبة البيت وصاحبه… لذا أخذته الغيرة ؛ فصنع سوطًا من حبال (يو ٢ : ١٥) وأمسك به كرمز للسلطان والغيرة لا للعنف ، وطرد الباعة والصيارفة وقلب الموائد ، كي يطهر هيكله… وعلى الرغم من طيبته وهدوئه ؛ إلا أنه حازم حاسم مع مفسدﻱ الهيكل… طردهم وأخرجهم خارجًا ولم يدَعْ لهم متاعًا. فالذي قيل عنه انه لايصيح ولايسمع احد في الشوارع صوته ،والذي لايقصف القصبات المرضوضات ولايطفئ الفتائل المدخنة ،لم يقبل ان يتحول بيت أبيه الي مغارة للصوص ،كونه بيت صلاة .
إنه يريد أن يقيم كل شيء جديدًا ، يقيم هيكله الجديد وكهنوتًا هارونيًا مقدسًا ، يرفض عبادة الشكل والغش وتجارة الربح القبيح ؛ لذا كَبَّ دراهم الصيارفة بعد أن صَكَّ عُملته بروحه القدوس… طرد الغنم والذبائح والمكاسب ؛ لأنه هو الذبيحة الوحيدة الحقيقية المعدة التي تُبطل عهد الذبائح القديمة ، مخرجًا الذين يبيعون ويشترون ؛ إذ لا مكان فيه للنقود والمكاسب وسرقة الأمجاد… وهو إلى الآن يرفض المتظاهرين الكذبة الذين يدنسون بيت إلههم بالظلم والخبث.والنفاق والتزلف والمجد الفارغ . أيضًا لا يبالي بالأعداد المتجمهرة عند الأبواب الخارجية ؛ ما دامت تقدماتها شكلية ومغشوشة وبلا روح.،ومادامت لاتصب في غاية خلاص النفوس .
ففي درس تطهير الهيكل ؛ أراد الرب أن يعلن رفضه الحاسم لعبادة الحرف والفريسية والاستغلال ، يرفض الصراخ والصخب والسعي ناحية النجومية وتضخيم الذات ،يرفض البيع والمتاجرة والتسلط على الأنصبة واقتناص النفوس بكل صورها وأشكالها …. بنار غيرته أراد أن يطهر ويقدس بثمار تليق بمقادس خلاصه. فحضرته إنما هي للتقديس والبركة ، ومحضر بيته إنما هو للخلاص والمخافة ، لا مكان فيه للهرج والمرج والانتفاع الزمني أو المعنوﻱ ؛ لذلك يعلن أنه ليس لهؤلاء مكان في هيكل قدسه. حيث موضع الصلاة والانسكاب بالروح والحق والمخافة والاستقامة البعيدة عن خمير الفريسيين ورياءهم .
إن بيته بيت صلاة بيت طهارة ؛ بيت بركة “لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة” (يو ٢ : ١٦) ، مواهبه مجانية وعطاياه بلا ندامة… لا تُشترَى ولا تُباع بفضة أو بمحاباة الوجوه ؛ لكنها تُقتنَى بالإيمان والأعمال ، تقتنَى بالنعمة والتجاوب والقبول السينرچي… أما من يفسد هيكله يفسده هو ، وتكون فضته للهلاك.
لقد رفع سوط سلطانه فأرعب المتاجرين بالمقدسات ؛ والذين حوّلوا مسكنه إلى بيت خاص لهم ؛ يتربحون منه مالاً أو مكانةً أو منفعةً او سلطانًا؛ لأن أبواب هيكله لؤلؤية وأساساته كريمة ، وهو نفسه حجر زاويته الكريم وأصل ورأس بنيانه ، وهو لا يعطي أبدًا مجده لآخر. ولا يسمح لأحد بأن يسرق مجده ويستولي على بيت أبيه .
سَوْطه هو روحه القدوس الذﻱ يقود الكنيسة ويدبرها بروح نارﻱ يبكّت ويدين كل عمل لا يرضيه… رافضًا حسابات الصيارفة والباعة الذين حولوا هيكله عن غايته الذبائحية الإلهية ، فلا بيع للمواهب “الحمام” ولا مكان لكراسي التجار.
لذا قَلَبَ كل موائدهم التي صيرت بيت الله بيوتًا لهم ؛ منتفعين منها ؛ لأنه هو كنز الهيكل وربه المعبود والمسجود له وحده ، وهو وحده الذﻱ يليق به المجد والإكرام والسجود ، فلا هتاف ولا صياح ، ولا روائح كريهة ولا وجود لدنس الحيوانات ورائحتها ببيت أبيه ، فقد عطرها المسيح بحضوره ، وحوّل الصياح إلى عبادة الروح والذهن ، وصار هو غنَى الحضرة.
“ارفعوا هذه من ههنا ” (يو ٢ : ١٦)، لا مكان للأمتعة والأقنعة الزمنية ؛ لأنه هو الحالُّ في هيكله وهو وحده فصحنا ومركز عبادتنا، ولا يقبل أﻱ تحويل لأعمال مجده عن مقاصدها ؛ مبكتآ الجميع لتنتهي مظاهر الزيف والتستر الكاذبة ، وهو يُخرج كل الذين جعلوا كرمته للفساد وتينته للانحطاط.. لا مكان فيها للذين أتلفوا القطاف وذبلت شجرتهم ؛ مبطلين الذبيحة والسكيب.
طردهم لأنهم عملوا الشرور وتشامخوا بأعناقهم واقتسموا بِقَاعَهُ.. أخرجهم من نعيم بيته ، وصب على وجوههم الخزﻱ ؛ لأنهم سرقوا مجده لأنفسهم وجازوه عن الإحسان بالإساءة… قلعوا السياج وهدموا الجدران فصارت منهوبةً مدوسةً ، وَصَلوا بيتًا ببيتٍ وحقلاً بحقل وارهقوا رعيته بمقتنيات صولجانهم ؛ سالبين حقوق الفقير والمسكين .
فيا له من نداء “بيتي بيتَ صلاة” لا تصيِّروه مسكنًا للصوص ؛ ولا تجعلوا موضع الغفران والخلاص بيت تجارة. ونحن نسأله أن يفتح أمامنا باب الكنيسة المؤسسة بالياقوت؛ والمبنية بالحجارة الكريمة وبالأبواب البهرمانية ؛ ويقبلنا برحمته في مجد هيكله الاكمل،داخلين الي مذبحه بمخافة وعبادة حسنة لنعاين تدبير خلاصه في أسبوع السر .