"قضايا تتعلق بإلتزام الكاثوليك وتصرفهم في الحياة السياسية، وقراءة في نتائج الإنتخابات البلدية" في المركز الكاثوليكي للإعلام 2 حزيران 2016

عقدت قبل ظهر أمس الخميس ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام حول ” قضايا تتعلق بإلتزام الكاثوليك وتصرفهم في الحياة السياسية، وقراءة في نتائج الإنتخابات البلدية “، (على ضوء المذكرة العقيدية، الصادرة عن مجمع العقيدة والإيمان، حاضرة […]

Share this Entry

عقدت قبل ظهر أمس الخميس ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام حول ” قضايا تتعلق بإلتزام الكاثوليك وتصرفهم في الحياة السياسية، وقراءة في نتائج الإنتخابات البلدية “، (على ضوء المذكرة العقيدية، الصادرة عن مجمع العقيدة والإيمان، حاضرة الفاتيكان 2002). شارك فيها: رئيس أساقفة بيروت للموارنة، ورئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، معالي الوزير سليم الصايغ، سعادة النائب السابق فارس سعيد، وحضور المسؤول عن الفرع السمعي البصري في المركز، وأمين عام جمعية الكتاب المقدّس الدكتور مايك باسوس، والإعلاميين والمهتمين.
المطران مطر
بداية رحب المطران بولس مطر بالحضور وقال:
“نحن في الكنيسة عندما نتطرق إلى موضوع السياسة نضع نصب أعيننا كلام الإنجيل القائل “أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله”، فالكنيسة تميز بين القطاع الزمني والقطاع الروحي الديني المتعلق بالخلاص الأبدي للإنسان، نحن نقرّ بالشوؤن الزمنية على أساس أنها لها قيمة بحد ذاتها ولها إدارتها المستقلة عن السلطة الدينية بصورة خاصة، ولكن إذا كان هناك تمييز بين السياسة والدين فالسياسة ليست معفية من الأخلاق ولا من القيم التي يجب أن تلهمها.”
تابع “لذلك نقول أن السياسة يمكن أن تكون بلا أخلاق، ويمكن أن نعيش أخلاقاً بلا سياسة أي في عالم غير دين لا علاقة له بالأرض، المطلوب فعلاً أن تكون السياسة متصالحة معنا، نريد سياسة بأخلاق وليس سياسة بلا أخلاق.”
وقال “كيف نترجم هذه المقولة نترجمها بالقول “إننا نتمسك في الشأن السياسي بقيم أساسية ضرورة لحياة الإنسان، طبعاً على الناس أن يتدبروا أمرهم ينظموأ صفوفهم أن يطلقوا سلطتهم لتكون مسؤولة عن الوضع الأمني عن حضاراتهم ولكن ذلك كله ضمن المعايير الأخلاقية. فنقول الكنيسة تتدخل بكل ما يعود إلى القيم الأخلاقية وعلى سبيل المثال: كل قيمة تتعلق بكرامة الشخص البشري، الشخص البشري له قيمة مطلقة، السياسة لها حدود أمام كرامة الشخص البشري لا تتصرف به على الإطلاق.”
تابع “المفكر الكبير Emmanuel Kant كان يقول: “تعاطى مع الناس على أساس أنهم غايات وليسوا وسائل”، الإنسان غاية وليس وسيلة، نحن نتمسك بالكرامة البشرية، بكرامة المرأة بكرامة الطفل بكرامة الغريب ونتمسك بحقوق المحتاج له كرامته،الإنسان يجب أن ياخذ من مجتمعه ما هو بحاجة إلية وتحديد الحاجة أمر ضروري، وفي صلاتنا أعطنا خبزنا كفاف يومنا، هذا الكفاف أمر ضروري يتعلق بالكفاف المادي بكل أنواعه ولو كان ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.”
أضاف “من جهة ثالثة الكنيسة ترفض كل ما يتعلق بالنسبة الأخلاقية، نحن نؤمن بوحدة الجنس البشري ولو كان هناك حضارات متنوعة ومختلفة، إنما الإنسان يبقى إنسان على صورة الله ومثاله. لذلك الكنيسة ملزمة الدفاع عن هذه القيم ولو لم تتدخل في عالم السياسة اي أن تسمي فلان أو فلان.”
أردف “بما يخص القراءة في الانتخابات البلدية لست متطلعاً في هذا الأمر أنما كمراقب يسعى إلى فهم الأمور أرى أولاً أن الشعب اللبناني أثبت تمسكه بالديمقراطية وهذا أمر مهم جداً نحن لا نرضى بغير الديمقراطية سبيلاً للعيش ولتدبير أمورنا السياسية، طبعاً الديمقراطية صعبة، وقال عنها روسو “يجب أن يكونوا الممارسون لها آلهة حتى تمارس بشكل صحيح”، أي أن يكونوا كل الناس متعلمين وكل الناس من ذوي الأخلاق حتى تستقيم الديمقراطية، ولكن بالرغم من كل مصاعبها ومساؤئها نذكر كلام تشرشل ” الديمقراطية هي أسوأ نظام انتخابي.. ما عدا كل الإنطمة الأخرى..”، أي تبقى هي الأفض والأحسن “, هذا أمر مهم جداً أن ننظر إلى الشعب اللبناني كمتمسك حقيقة بالديمقراطية”
تابع “القضية الثانية التي فرضت نفسها هي عودة إلى الاصالة الديمقراطية بمعنى أن الشعب هو مصدر السلطات ومصدر الإرادة، الشعب تكلم خلافاً لما كان متوقعاً في بعض الأماكن، أعطى كلمة خاصة به مهما كانت هذه الكلمة، لذلك لا تستقيم سياسة إذا كنا نعلل الديمقراطية وقوانين الإنتخابات لتأتي بالنتائج التي نريدها نحن والتي لا يريدها الشعب, في الدول الراقية عندما يختلف السياسيون من معارضين ومن حكام يذهبون للإحتكام إلى الشعب، هذا الإحتكام هو قمة الصحة والسلامة في العمل الديمقراطي الإنتخابي.”
وقال “لذلك ما ظهر في الإنتخابات الأخيرة يدل على أن الشعب هو الذي يجب أن يقرّر، نأتي بقوانين انتخابات عادلة ومنصفة كل ما نريد ولكن أن لا نعطي مسبقاً النتائج انطلاقاً من هذه القوانين، اتركوا الناس يتكلمون ويعبرون عن رأيهم هذا أمر أمر ضروري يجب أن نتعلمه من الانتخابات الأخيرة.”
وختم “ثالثاُ وأخيرا بدأنا نرى شيئاً من المحاسبة وهذا أمر طبيعي وربما كان كلامي معاكس لكلام كثيرين، ليس من الضرورة أن نتعامل بالنسبية في كل شيء، في الانتخابات البلدية هناك دول كبيرة لا تتعاطى النسبية، اولاً النسبية تشرذم المجلس النيابي بحيث لا يمكن أن يؤلف كتلات كبيرة يستطيع من خلالها سياسة واضحة. النظام الأكثري له أفضلية أي أن أكثرية تحكم وأقلية تعارض على اساس في المرة التالية قد تصبح الأكثرية أقلية والأقلية أكثرية ثم اناس يحكمون واناس يعارضون، هذا إذا وضغنا كل الناس في سلة واحدة من يعارض ومن يحكم ويحسم الأمور، هناك شيء من المحاسبة قد حصل في الإنتخابات البلدية ما يدل على أن شعبنا متمتعاً بصحة جيدة. هكذا عندما ننظم الإنتخابات كل 4 سنوات كل 6 سنوات يعتاد الناس أن يحاسبوا، هذه المحاسبة رأينا بعضاً منها في الإنتخابات الأخيرة ما يدل على أن شعبنا قد يكون متمعاً بصحة جيدة أكثر من حكامه, ولذلك كما يقال بالفرنسية à bon entendeur” ” فليسمع السامعون وليقرأ القارئون ولندرك ما هو خيرنا” لعلنا نصل إلى أحسن مما نحن عليه.”
الصايغ
ثم كانت مداخلة الوزير سليم الصايغ عن الديمقراطية ونتائج الإنتخابات البلدية على ضوء النعليم السياسي للكنيسة الكاثوليكية جاء فيها:
“لا بد في مقدمة هذه الكلمة من توجيه الشكر لأصحاب الدعوة القيمين على المركز الكاثوليكي للإعلام، المطران بولس مطر، اللاهوتي العلاّمة وصاحب القرار يوم القرار، والحكمة في كل يوم، والأب عبده أبو كسم، الحاضر المبادر بمحبةٍ وقدرةٍ، أطال الله في عمرهما.
إن الكلام الذي سنقوله يخدجنا من أزقة الأحياء، من دون حياء، ليضعنا بصدقٍ وجرأة تفوح منه موضوعية الرأي ورحمة الإيمان، ولو فتح جروحاً في الجسد، فنزف الدم الفاسد يخلّص، إنما دون تجريح في الروح. وهي نقاط عشر سنعالجها برشاقة المتلهف إلى الإحاطة ولو بقي مقصراً لضيقٍ في الوقت أو نقصٍ في المعرفة.
1- في معايير الديمقراطية
يؤسس مفهوم الكرامة الإنسانية لمنظومة حقوق الإنسان. ولا يستوي هذا المفهوم إن لم يكن في خدمة الخير العام. والتفاعل بين مفهوم الكرامة ومفهوم الخير العام يتم عبر الإعتراف بالإنسان. المواطن المؤتمن والمتمتع بحقوقٍ مكفولة قانوناً وبواجبات موازية لها. وبالتالي تكون الديمقراطية نظاماً قِيمًاً كما هي طبيعة نظام حبث تحتكم إلى مبدأين أساسيين: مبدأ الأغلبيّة التي تحكم، ومبدأ الإحتكام الى الحقوق السياسية والإجتماعية والإقتصادية والمدنية التي نشأت عبر العصور منذ الأنوار بعد أن ارتكزت أساساً على تعاليم الديانات الأبراهمانية، لاسيما المسيحية.
من هنا، نطرح السؤال: إلى أي مدى أتت الإنتخابات البلدية مطابقة للديمقراطية؟ وهل يكفي أن تتم عملية التصويا والإحتكام إلى قرار الناس عبر صندوقة الإقتراع للقول والجزم ان الديمقراطية بخير؟ وأين الإلتزام بمنظومة الحقوق والقيم؟ إن السؤال يطرح شكوكاً سنزيل بعضها، ونعالج بعضها، ونثبت بعضها الآخر في النقاط اللاحقة.
2- في حقوق الشخص والجماعة
ان التعبير الديمقراطي هو تعبير فردي ولو تبنته الجماعة. لقد أظهرت الإنتخابات البلدية توق الناس إلى إبداء الرأي في ظل نظام تتعطل مؤسساته الواحدة تلو الأخرى، في ظل حكومة قال رئيسها عنها انها أفشل حكومة منذ الإستقلال. ومع تحفظنا على هذا الإستنتاج لأن العلة في فشل الدولة وليس الحكومة لأسباب تتعلّق بالإستقلال السياسي وتحجيم السيادة، نرى ان الإنسان في لبنان في حالة نزاع مع الواقع المرير وهو يسعى إلى التغلب عليع ساعياً إلى تغيره عبر الوسائل المتاحة. إلا انه – أي الإنسان – يبقى في حالة ردة الفعل ولا الفعل، فتتغلب الكيدية، والتنافسية والربحية والنفعية باسم الحقوق، تارةً حقوق التمثيل المسيحي أو الطائفي، وطوراً حقوق العائلة أو المنطقة أو الحي، فتطغى حقوق الجماعة على حقوق الفرد. ويغدو هكذا التصويت لولاءات تربطها العصبية، على حساب الخيار الخاص الحد المسؤول المحتكم إلى العقل وحسن الأداء الديمقراطي مسائلةً ومحاسبةً.
3- في الإلتزام السياسي والحزبي والعائلي والإلتزام الأدبي؟
هل هم على نقيض أن ان اختلاطَهم ممكن؟ وأين تلعب التعددية دورها وهل يمكن انسحابها على التعددية الخلقية؟
تعلم الكنيسة ان لا نسبية ثقافية، استطراداً لا نسبية مذهبية أو مناطقية أو حزبية أو قروية أو عائلية عندما يتعلّق الأمر بالإلتزام الأدبي الذي عليه أن يبقى متماسكاً على أساس نظام اجتماعي أكثر عدالة يتوافق وكرامة الشخص البشري. فالقول في الإنتخابات البلدية ان «السياسة هيك»، «الشاطر ما يموت»، «الكذب ملح الرجال»، أو ان الإلتزام في الدائرة السياسية هو على نقيض عن الإلتزام في الدائرة الدينية، هو أقوال مرفوضة ولا أساس لها.
وبالتالي، ما تطلبه الكنيسة هو الإلتزام الأدبي بغض النظر عن ماهية الإلتزام الآخر. لقد نجح كثيرون في هذه الإنتخابات في الأصوات، إنما هم قد سقطوا في الإلتزام الأدبي، وقد يجتاز كثيرون امتحام الطعون القانونية إنما هم حتماً راسبون في امتحان الإعتراف بشرعيتهم.
ان عدم الإلتزام هذا يؤسس في القرى حالات قرف، ونزاع طويل، يعثر الأمور وقد يعطل مجالس بلدية برمتها. ان التقيد بالإلتزام الأدبي يؤمن الإستقراب وله مردودية ثابتة بعد الإنتخابات.
4- في التنافس والتوافق
يشجع القانون التوافق للفوز بالتزكية، وهذا ما حصل في العشرات من البلديات. ولكن أين المحاسبة فيما بعد؟ وتبقى القاعدة العامة في الديمقراطية هي التنافس بين لوائح تتقابل على أساس احترام حصص عرفية تتوزع على القوى البلدية، عائلية كانت، فردية أو حزبية. المهم قبول الخسارة، وطوي الصفحة، والتجانس.
ان تجميع الحصص لا يبني مجلساً متجانساً ويؤدي إلى فقدان الفعالية. ولاحظنا تشكيلاً كبيراً في اللوائح. وهذا مطلوب درسه لفهم لماذا شكلت الناس في اللوائح؟ والدوافع الحقيقية لمثل هذا التصرف. وبخلاف ما قد يُقال أنا أرى في تشكيل اللوائح مساحات مشتركة جديرة بالإهتمام.
5- في المشاركة في العملية الإنتخابية
وهذا المبدأ هو تطبيق لمبدأ آخر وهو دعوة الكنيسة للإنخراط في الشأن العام. والملاحظ في هذه الإنتخابات هو تغيير معدل نسبة المشاركة بحسب حجم الكتلة الناخبة والمنطقة الجغرافية. فكانت النسبة قليلة (26٪ في أحسنها) في المدن وعاليه في القرى (أكثر من 60٪). أمّا في جونية فهي عبارة عن 4 قرى مما يفسر النسبة العالية للتصويت.
ان تدني نشسبة الإقتراع في المدن سببان:
السبب الأول: وهو سؤ القوانين وتقسيم الدوائر الإنتخابية فيشعر المواطن على عدم قدرته على ترجيح كفة او فريق وبالتالي الإحباط لعدم القدرة على التغيير.
السبب الثاني: وهو الرهبة من الثورة من دون نتيجة او مردودية مع ضعف البدائل كما حصل في بيروت.
والقدرة على المشاركة لا تخص فقط الناخبين بل المرشحين كذلك. ان ربط الترشيح على مركز رئيس بلدية بقدرته المادية على القيام بمهامه، لاسيما صرف أمواله الخاصة لتمويل الحملة الإنتخابية ومن ثم تأمين الخدمات العامة أو الخاصة هو ضرب لمبدأ تكافؤ الفرص والعدالة والمساواة بين المرشحين.
مشاركة المرأة في الإنتخابات البلدية
لقد اقترعت المرأة بنسبة عالية ولو متفاوتة بين المناطق. إلاّ ان ترشحها يبقى متواضعاً، مما يعني ان اسباب انكافها عن التقدم للعمل البلدي لا تزال قائمة. ومنها: التلوث بالفساد المستشري؛ ذكورية الشأن العام؛ انحسار سلطة المعايير لصالح سلطة القوة؛ عدم ترسخ المرأة المتزوجة في بيئة زوجها إلاّ بعد زمن؛ المجتمع البطريركي العائلي الذي يوّلي الرجل؛ والإنخراط الخجول في الإحراب وتلكؤ الأحزاب عن تقديم نساءٍ للعمل في الشأن العام.
6- «في حرية الضمير»
قال البابا القديس يوحنا بولس الثاني «ان الحقيقة والحرية تسيران على قدم المساواة وإلاّ هلكتا معاً ببؤس»، وقال ايضاً «في مجتمع لا يكترث للحقيقة، أو لا يعمل للبلوغ اليها، يضعف أيضاً كل شكل ممارسة صحيحة للحرية فينفسح المجال أمام موقف تحرري وانفرادية تلحقان الضرر بحماية خير الإنسان والمجتمع بأكمله».
جاءت هذه الإنتخابات لتشوة صورة هوية الضمير: الفساد عبر شراء الأصوات؛ الضغط والإرهاب المعنوي للمنع من الترشح؛ محاولات فرض موازين قوى على القوى المحلية؛ انتقاء مبدأ العدالة بحيث الترجيح للمقتدر مالياً.
7- «في الأدبيات السياسية» خطان معاكسان: أ- طغيان لغة الشارع باسم التقرب من الناس؛ ب- محاولات جدية لعرض برامج انتخابية غير ملزمة مع وعي شامل لدى الناس لضرورة طرح القضايا والمشاريع.
8- إشكالية العائلية والأحزاب
أ- ترسخت العائلية كرد على الإحتكار الحزبي كما ترسخت الحزبية كرد على حصرية العائلة.
ب- إشكالية الحداثة والتقليد هي إشكالية شكلية = الأحزاب بزرت كقوى محلية تعؤلت تماماً كما تحزَّبت بعض العائلات إلاّ ان الطابع الطاغي يبقى التقليد بالرغم من مظاهر الحداثة. وإذا ربطنا هذا الأمر بالأداء الإنتهازي أو النفعي أو المصلحي لأغلب القوى الحية في المجتمع، والهدف هو ربح الإنتخابات، نرى تقهقراً في تطور الديمقراطية، وتحجيماً لدور الأحزاب كوظيفة حداثوية وتطويرية في المجتمع، ولو ان هذه الأحزاب قد نجحت كما قلنا في الظهور كقوى محلية معؤلة ولكنها تقليدية المنطق والأداء.
بالنسبة للكنيسة لا تضر التعددية مهما كان شكلها السياسي بالأدبيات طالما انها لا تذهب إلى النسبية الثقافية كما ذكرنا.
9- «المحافظة على الخير العام وكرامة الفرد» ويكون بالاداء البلدي؛ بالمراقبة والمسائلة والمحاسبة؛ بالإكثار من الوعود الإنتخابية؛ بالإنتخاب لوظائف المجلس البلديب؛ بإعلاء شان البيئة؛ بالإنماء؛ بالرفاهب؛ وبحماية الضعيف.
10- «في إذكاء المذهبية والطائفية»:
بدعة التمثيل المسيحي. إن رد الكنيسة على هذا الموضوع هو العلمنة (المؤمنة) حيث لا خلط أو اختلاط بين السياسة والدين.
المسيحيون خاصة اطهروا خطين متناقضين مع خط لم يستطع أن يشق طريقه بعد.
أ‌- خط تقليدي: يستعمل «عدة الشغل لتجييش الرأي العام المحلي، وفيه عائلات وأحزاب.
ب- خط انتهازي: يمخر عباب موج التقليد، ساعياً إلى الخروج نحو بحار الحداثة وهذا في الأحزاب وبعض العائلات.
ج- خط أدبي: مكون من مجتمع مدني وبعض الأحزاب يسعى إلى الإفلات من الإنتهازية لركوب مشروع التغيير حيث أمكن.
خلاصة: والمستقبل لن يبتسم إلاّ للقوى التي تجرأ على الخروج من التقليد والإنتهازية إلى التغيير، والتغيير يبدأ من الذات ومع الذات ليبلغ الفضاء الأصعب في المجتمع.”
سعيد
ثم كانت مداخلة الدكتور فارس سعيد حول الإنتخابات البلدية فقال:
“أولاً في الملاحظات:
أ‌- أثبتت أجهزة الدولة، الإدارية والأمنية والسياسية، أنها قادرة على تنظيم وتنفيذ عملية انتخابية على مساحة لبنان إذا توفّر القرار السياسي، إذ أن صناديق الاقتراع فُتحت في المحافظات على أربع دورات متتالية ولم يتحدث الاعلام أو المعلومات عن أحداثٍ صعبة أعاقت عملية الانتخابات.
ب‌- أثبت الشعب اللبناني بكل أطيافه ومناطقه أنه قادر على ممارسة حقّه الديموقراطي بسلام وخبرة وجهوزية، وهو صاحب تراثٍ وتجربة طويلة قد يتفرّد بها في هذه المنطقة من العالم التي حرمت لسنين عديدة من ممارسة حقها الديموقراطي.
ج‌- كان للمال مساحةٌ وازنة في كل المعارك، ساحلاً وجبلاً وسهلاً شمالاً وجنوباً. إذ أن المرشحين في المدن الكبيرة والبلدات كانوا بغالبيتهم الساحقة أصحاب قدرة مالية عالية وإمكانية إدارية تجعل منهم أرقاماً صعبة في العملية الانتخابية.
د‌- لم تنجح الأحزاب المسيحية والإسلامية يميناً ويساراً في أن تكون “رافعة” حقيقية لتجديد النخب السياسية لا بل على العكس تماماً، إذ تميّزت بالتعاون “البراغماتي” مع قوى التقليد والعائلات في كل قرية وبلدة، ووصلت عملية التعامل الحزبي مع الأطر التقليدية إلى حد أن قال لي أحد القرويين أنه أضيف على كل قرية في لبنان “عائلة بيت القوات وعائلة بيت التيار وعائلة بيت المستقبل”.
ه‌- غابت العناوين والاهتمامات البيئية والإنمائية وموضوع اللامركزية الادارية وبرزت بالمقابل المحاصصة، أي تحديد الأحجام السياسية والعائلية في كل مدينة وقرية، ولم تبرز مشكلة حل النفايات مثلاً كموضوع أساسي في اهتمامات الناخبين، وكأن أزمة نفايات بيروت حصلت في بكين أو في أحدى عواصم أميركا اللاتينية.
و‌- في غياب قانون عصري للبلديات، حافظت بيروت على تنوعها الطائفي بفضل تفاهمات سياسية ولم تحافظ طرابلس على تنوعها بسبب تصويت الطرابلسيين الكثيف في وجه التحالف السنّي العريض الذي احترم التمثيل المسيحي.
كما برزت مشكلة تمثيلية في بعض القرى المختلطة الشيعية المارونية في قضاء جبيل تم تذليلها بالحوار مع المرجعيات المحلية بعيداً عن الارجحيات العددية لكل فريق.
ز‌- دخلت القوى السياسية العملية الانتخابية بإدعاء واضح أنها تحتكر تمثيل طوائفها على مستوى الدولة، ثم اسقطت هذا الادعاء على الواقع البلدي المحليّ، فاصطدمت باعتراضات في كل المناطق وداخل كل الطوائف، إذ برزت جرأة شيعية في بعلبك وجبل لبنان والجنوب في مواجهة الثنائية الشيعية.
كما برزت حالة اعتراضية مسيحية على تحالف – القوات / التيار الوطني الحر في جبل لبنان (المر مثلاً) وفي الشمال (حرب – حبيش – فرنجية – معوض…).
وبرزت معارضة سنية في وجه تحالف عريض في طرابلس قام على قاعدة التلفيق وليس على قاعدة الانسجام السياسي الأمر الذي أحدث انقلاباً على صعيد النتائج لم يكن بالحسبان.
ح‌- لم يستطع اي حزب إثبات ادعاءاته بتحقيق انتصار كامل في أي من المناطق بسبب التحالفات الهجينة وسقوط هيبة الطبقة السياسية لدى الناس وأرجحية القوى العائلية والتقليدية على حساب من يدّعي العمل السياسي الحديث والمنظم داخل الأحزاب.
ثانياً في القراءة السياسية:
أ‌- عندما يعود اللبنانيون إلى داخل مربعاتهم الطائفية تحت عنوان “تقوية الطائفة” بهدف حمايتها، تبرز حالة اعتراضية في وجه الاختزال في كل المناطق.
ب‌- بيّنت هذه الانتخابات أن عملية الاختزال التي قام بها حزب الله في طائفته قد غدت مثلاً يحتذى لدى الاحزاب الطائفية الأخرى، على قاعدة خاطئة تقول بأن الأقوى هو الأكثر مصادرةً لقرار المواطنين في مناطقهم وطوائفهم.
ج‌- سقطت الذريعة الأمنية لتأجيل أي إستحقاق إنتخابي قادم – رئاسي أو نيابي.
د‌- للبلديات نكهة أهلية عائلية تقليدية:
– في الريف يخلط الناس بين السياسة والوجاهة.
– في المدن الكبرى الوصول إلى المجالس البلدية مرتبط بالنفوذ.
ه‌- برزت أكثر وأكثر الحاجة لتطوير قانون الانتخابات البلدية:
– هناك من يتكلّم عن النسبية.
– وهناك من يتكلم عن ضرورة إعطاء حق الاقتراع بناءً على مكان الإقامة حيث يدفع المواطن الضرائب ويستفيد من الخدمات البلدية.
– وهناك من يتكلم عن ضرورة تطوير اهداف إتحاد البلديات وإعطائه مزيداً من الصلاحيات وفقاً لمبدأ اللامركزية الادارية.
ثالثاً في الخلاصات:
1- سقط عون وفرنجية في صناديق الاقتراع في طرابلس التي صوتت ضد من دعمهم إلى رئاسة الجمهورية.
2- رغم المرونة الزائدة التي استخدمها تيار المستقبل في التعامل مع أكثر المسائل الشائكة، والتي لم تَخلُ من بعض الأخطار (الحوار الدائم مع حزب الله دون جدول أعمال واضح – حكومة أضداد – ترشيح شخص لرئاسة الجمهورية من فريق 8 آذار، فيما الثابت حتى الآن أن حزب الله يرفض ملء الشغور الرئاسي بالمطلق… الخ)، أقول: رغم ذلك لم يحصد التيار سوى خسائر متلاحقة.
3- دخول القوى المسيحية في اختبار الثنائية وإصرارها عليها حتى انتخابات 2017 النيابية من شأنه أن يُدخل هذه القوى في محلية سياسية خانقة، فيما القضايا الأساسية التي تواجه البلاد تحتاج إلى مقاربة مختلفة.
4- ويبقى دور الكنيسة في دائرة الضوء، ومسؤوليتها كبيرة في ابتكار مخرج لأزمة رئاسة الجمهورية، ربما من خلال التراجع عن مقولة الزعماء الأربعة أو المرشحين الأقوياء.”
ابو كسم
واختتمت الندوة بكلمة الخوري عبده أبو كسم وقال: “الكنيسة هي أم ومعلمة وهي الأم الساهرة للمحافظة على القيم الأدبية وكرامة الإنسان.”
أولاً أدعو جميع الأبناء في القرى إلى طي صفحة الإنتخابات والإنطلاق إلى العمل الإنمائي الذي يجمع المسيحيين واللبنانيين لخير المجتمع وخصوصاً في الجنوب والبقاع والشمال وجرود جبيل وكل المناطق اللبنانية.
ثانياً الذي شهدناه في طرابلس غير مقبول، ومعالي الوزير المشنوق قال أن ما حصل جريمة. نحن لدينا في لبنان ميثاقية علينا المحافظة عليها، هذا الإقصاء في غير مكانه، ومهما كانت الأسباب علينا أخذ العبر للمرة القادمة.
ثالثاً الإنتخابات النيابية تؤجل من مجلس إلى مجلس ويبدو أننا اليوم لا نتفق على قانون انتخابي. منذ 7 سنوات ولا نستطيع انتخاب رئيس للجمهورية، علينا الخروج من هذه المراوغة السياسية، وندعو المجلس النيابي رئيساً وأعضاء لإنجاز قانون انتخابي، البلد بحالة خطر، وعلينا انتخاب رئيس للجمهورية وسيدنا البطريرك من سنتين قبل نهاية الرئيس السابق يطالب بإنتخاب رئيس للبلد، لبنان صدر الحرف وصدر الحضارة ومن غير المسموح أن نبقى بهذا الوضع وان شاء الله تكون هذه الإنتخابات لخير لبنان وشعبنا.”

Share this Entry

فيوليت حنين مستريح

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير