أحد اليوم هو دعوة لنا لنتأمل بالناس الصغار الذين يعلموننا معنى أن نكون عظماء بصغرنا، لا أن نتصارع على العظمة والسلطة لنكون الأوائل، متناسين أننا بتعظيم شأننا إنما ننخفض….
يطرح النص سؤالاً يشغل بال التلاميذ وبال الكثيرين على مر التاريخ، وبالتأكيد في بداية مسيرة الكنيسة الأولى أيضاً: من هو الأعظم؟ … ودائماً ما نبحث عن العظمة، وننسى اننا مدعوون لان نكون على صورة يسوع، بن الله: الذي ما اعتبر مساواته لله امتيازاً وافتخاراً، بل أخرى ذاته، تجرد من تلك العظمة، وأخذ صورتنا البشرية، أصبح بسيطاً مثلنا، ولأنه قام بهذا الفعل حباً بنا، رفع الله واعطاه اسماً فوق كل اسم…. إذا لنكون فوق، علينا أن نبدأ من تحت.. لنكون عظماء، علينا ان نتعلم كيف نكون صغاراً قبل ذلك…
لماذا نطرح هكذا سؤال: من هو الأعظم، لماذا نحب دوماً عن العظمة؟ بالحقيقة، فقدان الحب، وعدم عيشه كأساس انطلاقاتنا، يجعلنا نتعالى، فان تحب، سيجعلك ترضى وتسعى لان تكون آخر الكل من اجل الكل… إذاً فقدان المحبة، هو الذي يجعلنا نطرح هكذا سؤال، وفقدان الهدف الذي هو الله يجعلنا نبحث عن هكذا سؤال…. الحب هو أن تبحث عن كل ما يجعلك آخر الكل ليكون الكل أولاً….
إذا تأملنا في النص جيداً، ونتساءل: متى بدأ التلاميذ يسألون هذا السؤال؟ … التلاميذ بدئوا بالنقاش مع بعضهم البعض دون الاعتماد على يسوع، بعيداً عن يسوع، وعندما يكون يسوع بعيداً عن حواراتنا وعلاقاتنا، سنحاول حقيقة أن نحتل مكانه، وان نبحث عن مكانة مرموقة لأنفسنا دون أي اعتبار لمن هم حولنا، وهذا يؤدي بنا إلى الحسد… عندما نبتعد عن الحب ونفقده في حياتنا، ستون السلطة والمكانة العالية على حساب الآخرين هي شغلنا الشاغل… لان المحبة تبحث عن التواضع والتضحية… وعادة من يبحث عن السلطة لا يعرف كيف يضحّي… فإذاً، ابتعادنا عن المصدر، يسوع، سيجعلنا نتبنى كل ما هو عكس ما ينادي به يسوع.
ويسوع، ولكي يعطي درساً للتلاميذ، يشبّه العظمة في ملكوت السماوات، بالطفل الصغير… بلا قوة… بريء، لا يقلق ويدع حياته تقودها الحياة ليرى كل ما هو جميل وليحسن كل ما هو قبيح ببراءته وبساطته وعفويته… إذا طفل صغير، بلا قوة، قوته الوحيدة هي اتكاله الحر والمطلق لمن هو مؤمن به بانه سيحميه ويرعاه…
لن تكون مستحقاً العظمة، إلا إذا كنت اميناً على صغرك ومحدوديتك، فمن يكون اميناً على القليل يكون امينا على الكثير…
لقد تعلم الإنسان أيها الإخوة والأخوات، ان يطير كالعصفور، وان يسبح كالسمك، ولكن لم يصل الإنسان لحد اليوم إلى أن يعيش مع الآخرين في تضحية وتواضع ومساواة… أنا الأول والباقي درجة ثانية، انا الأول وأنتم بعدي، نحن اهل البلد وأنتم لا، نحن الأصل وانتم الفرع، نحن خير من اختارهم الله وانتم وضعاء… نحن الأغلبية وانتم الأقلية، فنحن إذا من له الحق في السيطرة… وكم هو ضيّق هذا المنطق، منطق الأغلبية والأقلية..
إذا كان الله يريد تعظيمنا، فهذا ليس لنفتخر ونتباهى، ولكن لنخدم، ويكون الفعل العظيم الذي يصنعه الله فينا، شهادة ليتمجد اسمه هو.. كما يقول يوحنا: له هو ان يكبر ولي انا ان أصغر..
إذاً، جواب يسوع هو: كونوا كالأطفال… ان لم تعودوا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت السماوات…. الأطفال يلعبون ويتشاجرون ويتصالحون، كل هذه الأمور تحدث معهم بصفاء نيّة وليس عن حقد، امام نحن الكبار، أو الذين يحسبون أنفسهم كباراً، فالقطيعة هي أولى المبادئ التي نؤمن بها في تعاملنا مع الآخرين، خاصة وان أتت العلاقة ضدّ مصالحنا… في الحقيقة، نحن الكبار لسنا كباراً بل صغاراً، وسنبقى صغاراً ما لم نتبنى روح الأطفال، منطق الأطفال…. ولولا عظمتهم وبراءتهم لما استخدمهم ربنا ليكونوا مثلا حقيقية لنا في حياتنا……. عالمنا اليوم بحاجة إلى اناس يؤمنون بالخدمة… ان تخدم يعني أن تسعى إلى رفاهية وسعادة الآخر، وتعمل من أجل مصلحته ونجاحه، بعكس الأنانية تماماً… فالعظيم هو من يخدم، وليس من يجلس على الكرسي…
موجز تعليم يسوع هو هذا: طريق العظمة يبدأ بان تكون صغيراً، يبدأ طريق العظمة في ألا تطلب العظمة أبداً… فالعظمة في ملكوت السماوات هي لمن لا يطلبها أبداً…. العظمة التي يطلبها الإنسان هي مجد زائف…. أملنا كبير وثقتنا كبيرة بالله الذي يهيئ دائماً من يستطيع ان يستخدم الخدمة ليقود الناس إلى السلام والمحبة والحرية… علينا أن نتعلم ولو ليوم واحد ان نعيش حياة الصّغار… ان نعيش حياة الأطفال، متكلين بكل فرح على ربنا يسوع… آمين
Robert Cheaib - theologhia.com
من هو الأعظم؟
الاحد الخامس بعد عيد العنصرة (مرقس 9: 32-41) بحسب طقس الكنيسة السريانية الانطاكية الكاثوليكية