ان نفهم معنى رسالة يسوع، امر صعب جداً، إذا تبنينا منطق العالم استندنا عليه، وابتعدنا عن منطق يسوع… لهذا في منطق يسوع، دائما علينا أن نعرف، أن يسوع لا يحب الظهور، يسوع لا يحب السلطات أبداً، يسوع لا يحب الامكنة الأولى أبداً، يسوع يبتعد عن العظمة، يسوع يريد ان يكون دائما آخر الكل وفي سبيل الكل… فإذاً كمسيحيين، إذا كنا نريد ان نتبع قائداً عظيماً كما يفهم العالم العظمة، فنحن عميان، لأننا حقيقة مقادين من قبل شخص معلّق على الصليب، نحن نتبع شخص خانه أقرب الناس إليه، نحن نتبع شخص مات مهاناً…. هذا هو قائدنا الحقيقي، وليس ملكاً قديراً جالس على عرش عظيم… فإذا، لكي نكون مع يسوع، علينا أن نبحث في الامكنة المظلمة حيث الفقراء والمعدمين والمرضى والمرذولين، هناك يسوع المتروك الذي ينتظر رؤيتنا له لنكون معه…
أيضاً، لنفهم يسوع، علينا ان نعرف بان يسوع ليس إله المؤمنين فقط، ليس فقط إله الراجين به، ليس فقط إله معظّم وممجّد من قبل القديسين، هو أيضاً، إله يبحث عن الزواني والعشّارين والسكارى، والحسودين، والنّمامين، والمنافقين، هو إله الكل للصغير كما للكبير أيضاً…
إن يوحنا ويعقوب اللذين سألا أن يكونا على يمينه وعلى يساره، هذا اللذان بحثا عن العظمة، يتجسّدان اليوم في عالمنا المعاصر، هنالك الكثير ممن هم مثل يعقوب ويوحنا، هنالك الكثيرين الغارقين في فخ هذه التجربة، تجربة العظمة..
يعقوب ويوحنا وسائر التلاميذ، كانوا من ضمن شهب إسرائيل الذي كان ينتظر مدي المخلص، مجيء القائد الذي يخلصهم من الاحتلال الروماني… لم يكونوا يفكرون كيف ان هذا المخلص سيأتي ليخلصهم من عبوديات كثيرة، عبوديات للخطيئة، عبوديات اجتماعية، فكرية، أفكار بالية، حب الظهور، حب التباهي والانانية…. إذا امل من التحرر من السلطة الزمنية، لأنهم كانوا يفكرون بمنطق العالم، متناسين ان عليهم ان ينظروا إلى الامر بعيون الله…
إذاً الكل ينتظر قائد عظيم محر من السلطة الزمنية، والتلاميذ كونهم من هذا الشعب نفسه، ينتظرون هذا المحرر، وراوا في يسوع هذا القائد الذي من الممكن ان يقود الشعب نحو الخلاص، لهذا كانوا يتنافسون على السلطة تماما كما يتنافس السياسيون على السلطة في زماننا… كل تلميذ يريد ان يكون له سلطة ومنصب عند يسوع…. التلاميذ يغضبون من يعقوب ويوحنا، لا لحسن النية، بل لان لديهم نفس الفكر، الكل يريد الوصول للقمة والسلطة وحب الظهور…. عندها يدنو يسوع من التلاميذ ويبيّن لهم بوضوح المعايير والأسس التي يتأسس عليها ملكوته، هذه الأسس التي تجعل من ملكوت يسوع يختلف كليّا عن ملكوت العالم… في العالم تبقى القوة هي المعيار الوحيد والأساسي…بينما في ملكوت يسوع هناك التواضع، هناك تقديم الخد الايسر عندما تُلطم من خدك الأيمن، هناك حيث تبحث عن الصغر عوضاً عن العظمة، هناك حيث فلس الارملة القليل أعظم من أموال الأغنياء… الضعف أعظم من القوة. سأل ستالين البابا عندما أراد البابا التدخل لإحلال السلام: كم من الجيوش والقوات يملك البابا؟ … فمبدأ العالم احبتي هو استهلاك وتدمير الآخر من اجل السيطرة..
في ملكوت يسوع لا يمكن تسخير الآخر لخدمتنا، في ملكوت يسوع هنالك تقديم الذات من اجل الآخر، فهل في أيامنا قائد او راعي يبذل ذاته من اجل رعيته، أم القادة نائمون والرعاة غافلون عن الكثير الكثير من المعاناة التي يعيشها الناس الأبرياء… بالتأكيد هناك الكثير من القادة والرعاة الذين يضحون بكل ما لديهم من اجل شعوبهم، هم بحاجة لنا لان ندعمهم ونشجعهم ليكملوا المسيرة إلى النهاية…. عالمنا اليوم بحاجة إلى اناس يؤمنون بالخدمة كطريق حقيقي للتعبير عن المحبة… العظيم العظيم العظيم، هو من يخدم، والاول هو من يضع نفسه خادما للجميع، هذه هي الحرية الحقيقية، هذه هي المملكة الحقيقية التي علينا لبحث عنها في عالمنا… يسوع واضح جداً، ما جئتُ لأُخدَم بل لأَخدُم…
الطموح لنكون في الاعلى ليس سيئاً بحد ذاته، بدون الطموح تكون الحياة فاترة ومملّة… الطموح دائما يحثنا على استثمار المواهب التي لنا لخدمة الإنسانية، ولا يكون الطموح مؤذياً إلا عندما نصبح عبيداً للطموح نفسه، وعندما نصمّم على النجاح بأي وسيلة حتى وإن كانت على حساب الآخرين….
في النهاية، كمسيحيين، وكتلاميذ ليسوع، علينا ألا نطلب من يسوع ان نكون عن يمينه او عن يساره، علينا أن نكون دائماً وراء يسوع، نتبع يسوع، ان نسير خلف يسوع لنعرف كيف نسير على الطريق متحدين معه…
في النهاية من كان عن يمين وعن يسار يسوع،لصّين شريرين، أحدهما خلص، والآخر هلك… لو عرف يعقوب ويوحنا من سيكون عن يمين وعن يسار يسوع لما تجرئا على طلب ذلك من يسوع، ولما استطاعا ان يجيبا على أسئلة يسوع، لانهما لا يريدان يريان الامور بمنطق العالم، ولا يريدان الألم والموت في سبيل الاخرين بل الوصول إلى العظمة والسلطة والمنصب.
الراعي الحقيقي والقائد الحقيقي، هو من يجعل الكل صديقاً له.. كله استعداد ليضحي بحياته من اجلهم…
اخوتي أخواتي، يسوع يعلن، جئت لتكون لكم الحياة، لا بل الحياة الأفضل، ولكي يحقق لنا هذا، تواضع اطاع حتى الموت، موت الصليب، لم يطلب مجداً، بل لم يعتبر مساواته لله امتيازاً وافتخاراً، بل مات على الصليب مهاناً ومتروكاً (فيلبي ٢)..
فلنفكر في الخدمة فهي أفضل طريق للوصول إلى يسوع… آمين.