Father Najib Baaklini

الزواج من منظار "فرح الحبّ". النص الكامل

1- إنقلاب أم تجدّد وتطوير؟! تعتبر “الثقافة المستحدثة” أو التطوّر “الثقافيّ المتجدّد” في عالم اليوم، أنّ التكوين الطبيعي للإنسان وللبشرية، بحاجة إلى إعادة النظر، والبحث مجدّدًا، عن حقيقة ضاعت في مهبّ التعاليم الدينيّة أو الخضوع الأعمى للتعاليم والشرائع الإلهيّة. وتذهب “الحضارة المفبركة” […]

Share this Entry

1- إنقلاب أم تجدّد وتطوير؟!
تعتبر “الثقافة المستحدثة” أو التطوّر “الثقافيّ المتجدّد” في عالم اليوم، أنّ التكوين الطبيعي للإنسان وللبشرية، بحاجة إلى إعادة النظر، والبحث مجدّدًا، عن حقيقة ضاعت في مهبّ التعاليم الدينيّة أو الخضوع الأعمى للتعاليم والشرائع الإلهيّة. وتذهب “الحضارة المفبركة” بتغيير المفاهيم والمبادئ والأسس والمقوّمات، التي بُنيت عليها البشرية منذ خلقها؛ وعلى رفض القانون الطبيعيّ والاعتراض عليه. وهذا “الانقلاب” على الواقع الطبيعيّ، لمسيرة الإنسان على الأرض، يطاول مفهوم الحبّ والزواج والعائلة.
نتطرّق من خلال هذه الأسطر، إلى مفهوم الزواج، من منظار الإرشاد الرسوليّ حول العائلة، بعنوان “فرح الحب”. فهدفنا، هو توضيح مبادئ الزواج، القائم بين الرجل والمرأة، من خلال التركيبة البشرية، المبنية على القانون الطبيعيّ، كما رسمه الله، ووضعه من أجل خير الإنسان “ولذلك يترك الرجل أباه وأمّه ويلزم إمرأته فيصيران جسدًا واحدًا” (تك 2: 24)؛ كما التأكيد على أنّ الزواج بين الرجل والمرأة هو دعوة ونعمة من الله. فالزواج المبنيّ على الحبّ يُسهم في نجاح العائلة.
استُهلك موضوع الزواج، على مرّ العصور، ولكنّه يبقى حديث الساعة، لا سيّما في هذه الأيّام، مع تواجد تيارات فكريّة واجتماعيّة ضاغطة مخالفة لشريعة الطبيعة، من أجل إبراز وتطبيق مفاهيمها ومعتقداتها وأساليبها ونظرتها، لقضية الزواج. تلك التيارات تؤثّر سلبًا، على فكرة الزواج، زِد على ذلك “بعض” النتائج السلبيّة، التي تشوّه حالة الزواج والشركاء معًا، أبرزها: الفشل في استمرار العلاقة والعنف والقتل وإلى آخره. ندرك جيّدًا تلك الحالات وسواها والتي تطاول بنيويّة الزواج، ولكن لن نتوقّف عندها كثيرًا، وإنّما نريد أن نؤكّد، بأنّ الزواج هو سرّ من أسرار الكنيسة، كما هو حالة طبيعيّة بين الرجل والمرأة، كما أرادها الخالق لإسعادهما، إذا أحسنا الخيار وعملا على التربية والتنشئة ومعرفة إدارة حياتهما.
“فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرًا وأنثى خلقهم. وباركهم الله وقال لهم: “إنموا واكثروا واملأوا الأرض واخضعوها…” (تك 1: 27-28). ويتابع الكتاب المقدّس تعليمه حول الزواج فيقول:”وقال الربّ الإله:”لا يحسن أن يكون الإنسان وحده، فلأصنعنّ له عونًا يناسبه… ]…[ وأمّا الإنسان فلم يجد لنفسه عونًا يناسبه … ]…[ وبنى الربّ الإله الضلع التي أخذها من الإنسان امرأةً، فأتى بها الإنسان” (تك 2: 18-22). ويذكر الكتاب المقدّس، هذا الترابط والتعاون والتفاعل، بين الرجل والمرأة، عندما يعيشان الحبّ معًا. وهنا نستشهد بنشيد الأناشيد “حبيبي لي وأنا له ]…[ أنا لحبيبي وحبيبي لي” (الأناشيد 2: 6؛6: 3)
يعتبر البعض، أنّه حان الوقت، لتطوير فكرة وهيكليّة الزواج والعائلة. نعم، نحن مع التجدّد والتطوّر في الأداء والتصرّف، وليس بتغيير التركيبة والأسس والمبادئ، التي نشأ على أساسها الزواج والعائلة. من هنا، نطرح هذا الموضوع، مستعينين برؤية ونظرة ومفهوم الكنيسة، لسرّ الزواج، من خلال الإرشاد الرسوليّ “فرح الحبّ”، الذي صدر عن البابا فرنسيس حول العائلة ( 8 نيسان 2016)
2- الزواج “شركة حبّ وحياة”
تعترف وتعتبر الكنيسة، مثل سائر الديانات والحضارات، بأنّ الزواج مؤسّسة طبيعيّة. وتؤكّد الكنيسة، من خلال تعليمها، بأنّه هو أيضًا في نظام الخلق “إنّ الشركة العميقة، شركة الحياة والحبّ، التي يقيمها الزوجان، قد أسّسها الخالق وجهّزها بقوانينها الخاصة. فالله هو نفسه الذي وضع الزواج. الدعوة إلى الزواج منقوشة في طبيعة الرجل والمرأة كما خرجا من يد الخالق.”[1] وتعلّمنا الكنيسة، بأنّ الزواج، هو عهد وحبّ وحياة، أي أنّ الله، الذي خلق الإنسان عن حبّ، يدعوه إلى هذا الحبّ بالذات. وهي دعوة فطريّة أساسيّة وجوهريّة في كلّ إنسان. وهذا يخلق عهد الحبّ والحياة شركة بين الزوجين (الرجل والمرأة)، لمدى الحياة، تتصف بالوحدة والديمومة والحبّ والأمانة.
إنّ الحبّ يتجه إلى ذات الشخص الآخر؛ “أوكَلَ الله إلى الرجل والمرأة شرارة حبٍّ حقيقيّة، وهما يدركان الفرح الناتج عن حبّهما، ولكنّه ليس فرحًا أنانيًّا متّصلاً بالاحساس وحده. إنّه فرح حبّ الذات من خلال الآخر.”[2] ويؤكّد هذا الحبّ الإرشاد الرسوليّ “فرح الحبّ” ويقول في العدد 27 “لقد أدخل المسيح قبل كلّ شيء كعلامة مميزة لتلاميذه شريعة الحبّ وهبة الذات للآخرين، وقد قام بهذا من خلال مبدأ الأب والأم من خلال حياتهما الشخصيّة “ليس لأحد حبٌّ أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبّائه” (يو 15: 13). فالرحمة والمغفرة هما من ثمار المحبّة أيضًا”. ويتابع الإرشاد “في منظور الحبّ، هناك فضيلة أخرى أيضًا، وهي أساسيّة في الاختبار المسيحيّ للزواج وللعائلة، وهي فضيلة مجهولة بعض الشيء في زمن العلاقات المسعورة والسطحيّة هذا: ألا وهي الحنان”.
الزواج مجبول بالحبّ، من هنا، يجب على أصحاب الغرام، أن يدركوا مفهوم الحبّ ومبادئه ونتائجه. فالحبّ، لا يكون مع أوّل خطوة وفي البداية فقط، وإنّما في آخر الطريق وحتّى النهاية:” إنّ شرارة الحبّ هذه تفرض مسؤوليّة تقدّس القلوب، وتتوق إلى أن يُعطي الواحد ذاته للآخر بالأبوّة والأمومة. إنّ الزواج هو “مكان” اتّحاد الله بما يعطيه الشريك لشريكه.”[3]
إنّ سرّ الزواج يُدخل الثنائي في سرّ الخلاص، مع كامل واقعهما كرجل وامرأة. إنّه علامة العهد، بين الله والبشر وبين المسيح وكنيسته. “إنّ الرجل والمرأة، إذ يُعطي أحدهما ذاته للآخر في حبّ يستمرّ مدى الحياة، فهما يعنيان العهد ويعيشانه، وهو عهد بين المسيح وكنيسته. إنّه “الموقع المنظور من سرّ الزواج. ففي هذا السرّ قدوة تغيير. يستقبل المسيح حبّ الزوجين ويجعله خاصًا به. ويُنجز هذه المبادرة بواسطة الكنيسة، فبها يتقبّل حبّ الزوجين.”[4] نعم، إنّ نعمة سرّ الزواج، تُعطي القدرة للعلاقة، بين الزوجين، بعيش الزواج بالمسيح. فهي تساعدهما، على البقاء أوفياء لحبّهما ودعوتهما؛ وتساعدهما على تحمّل مسوؤليتهما، “هذه النعمة التي يختصّ بها سرّ الزواج تهدف إلى رفع الحبّ بين الزوجين إلى درجة الكمال، وتمتين وحدتهما غير المنفصمة. بهذه النعمة “يتعاون الزوجان في تقديس ذاتهما في الحياة الزوجيّة، وفي إنجاب البنين وتربيتهم.”[5]
3- تأكيد “فرح الحبّ”
يؤكّد الإرشاد الرسوليّ “فرح الحبّ”، بأنّ الزواج هو عهد الحبّ، ويشرح مطوّلاً عن العهد الزوجيّ فيقول “إنّ العهد الزوجيّ الذي بدأ في الخلق وكُشفَ في تاريخ الخلاص ينال ملء وحي معناه في المسيح وكنيسته. من المسيح وعبر الكنيسة ينال الزواج والعائلة النعمة اللازمة ليشهدا لمحبّة الله ويعيشا حياة الشركة” (عدد 63). ويتابع الارشاد الرسوليّ تأكيده على أنّ الزواج سرّ من أسرار الكنيسة. فإنّه يمنح النعمة، لأنّه هبة لتقديس الزوجين وخلاصهما. “هذا السرّ الذي يتدفّق منه كلّ حبّ حقيقيّ. فالمسيح، بواسطة الكنيسة، يمنح الزواج والعائلة نعمة الروح القدس كي يتحوّل الزوجان إلى شهود لإنجيل محبّة الله” (عدد 71). وبما أنّ الزواج هو دعوة إلى القداسة، لا بدّ للزوجين، أن يعرفا كيف يحافظا على النعمة والعطية، التي أُعطيت لهما، بفضل حضور السيّد المسيح في حياتهما. فكما أعطى المسيح ذاته للعالم، عن طريق الحبّ والتضحية والفداء، كذلك عليهما أن يُعطيا الواحد للآخر بمباركته. المسيح أراد خير الزوجين وسعادتهما، بإعطائه القدرة والقوّة، للرجل والمرأة، لتقبّل عطاياه ونعمه، من أجل بناء وحدة عائليّة. فهو يهتم بسعادتهما، ويرشدهما إلى الطريق الصحيح، الذي يؤدّي إلى الفرح. إنّ حضور المسيح في حياتهما، ما هو إلاّ شاهدٌ وداعمٌ لوحدتهما وإخلاصهما. إنّه يؤكّد بنفسه ويدعم ال”نعم” ويدافع عنها ويحميها. يذكّرنا البابا فرنسيس من خلال الإرشاد الرسوليّ، بخصائص الزواج، التي تدعّمه في مسيرته، وتجعل منه ومع العائلة الحالة المميزة لعيش الإيمان والإنجيل ونقلهما للآخرين، من خلال العلاقة الوثيقة مع الله. يقول الإرشاد بهذا الخصوص في العدد 77: “ويبدو مناسبًا أن نفهم، من خلال محورية المسيح، الخصائص الطبيعيّة للزواج والتي تشكّل خير الزوجين، الذي يتضمن الوحدة، والانفتاح على الحياة، والأمانة وعدم الانحلال، في إطار الزواج المسيحيّ، ويتضمن أيضًا المساعدة المتبادلة في المسيرة نحو صداقة أكمل مع الربّ”. يحاول البابا فرنسيس تأكيد نظرة الكنيسة ورأيها في الزواج، لا سيّما عندما يشدّد على قدسيّة الزواج وتدخّل الله المباشر في حياة الزوجين وسعادتهما. فالوثاق الزوجيّ الذي أقامه الله بنفسه، يعبّر عن محبّة الله للبشر، كما عن الشراكة بين الأقانيم الثلاثة، “إنّ الله، في الواقع، هو شركة أيضًا، تعيش فيها الأقانيم الثلاثة الآب والابن والروح القدس دائمًا في وحدة كاملة، وهذا هو سرّ الزواج: يصنع الله من الزوجين كيانًا واحدًا” (عدد 121).
يخصّص الإرشاد فقرات كثيرة عن أهمية فهم مبادئ الحبّ وتطبيقه، بين الرجل والمرأة؛ وما ينتج عنه من شراكة وتعاون وتعاضد واتّحاد وفرح وبهجة وإلى آخره. إنّه يشدّد ويذكّر بأنّ لا زواج من دون حبّ. كما أنّه يغوص في مفاهيم الحبّ والطرائق والوسائل المعبّر عنه. “إنّ جوهر الزواج ]…[ يتضمّن سلسلة من الواجبات التي تنشأ من الحبّ نفسه، من حبٍّ حازم سخيّ لدرجة أنّه قادر على المجازفة بالمستقبل” (عدد 131).
ويتابع الإرشاد شرحه وتوضيحه للحبّ، عندما يُعلن بأنّ الحبّ، لكي يستمرّ في الطريق والهدف الصحيح، لا بدّ من أن ينمو تدريجيًّا ومتواصلاً، بالرغم من بعض الصعوبات والتحوّلات الطبيعية وغير المنتظرة.
يصنع الحبّ الزواج، ويهدف إلى الارتباط الرسميّ والعلنيّ، ومن ثماره خير الزوجين والأبناء؛ وكما يطاول أفراد المجتمع بحمل رسالة البشرى السارة، أي كلمة الإنجيل، المتجسّدة من الشهادة والدعوة، التي أُعطيت للزوجين، بأن يكونا شهودًا للحقيقة والعدل والقداسة. “إنّ هدف الاتّحاد في الزواج هو دعوة دائمة ومتجدّدة لتعزيز هذا الحبّ وتعميقه” (عدد 88). وهنا يشرح الإرشاد مطوّلاً، عن الوسائل والأداء والتعامل، من أجل صمود الحبّ والحياة الزوجيّة، في وجه التحدّيات والصعوبات والعقبات، التي يواجهها الرجل والمرأة في حياتهما الزوجيّة والعائليّة. فيذكّر الإرشاد، بضرورة الحوار والتواصل ومبادئ المحبّة ومفاعيلها؛ كما بالشراكة والاتّحاد والالتزام؛ الذي يغلب على هذا الأخير، عالم المشاعر والحنان والصبر، فيتجسّد بالخصوبة والفرح والجمال والحبّ المتّقد.
 
4- من أجل زواجٍ أفضل
يمكننا القول والتأكيد، بأنّ الكنيسة تهتمّ كثيرًا بالحبّ الزوجيّ والزواج والعائلة؛ لإنّها تعتبر إذا كانت مفاهيم الحبّ ومبادئه واضحة وصحيحة وسليمة، سيؤدي ذلك حتمًا إلى زواجٍ ناجح. وإذا عاش الزوجان حياتهما المشتركة بطريقة حسنة وتطوّر سينشئان عائلة متماسكة ومتضامنة ومُحِبَّة. ومن أجل زواجٍ أفضل، تعمل الكنيسة دومًا، بشتّى الوسائل والطرق إلى إنجاح مسيرة الزواج، من خلال تعليمها ومرافقتها وإعدادها للمتزوّجين. هذا يدلّ على أهميّة الإعداد للزواج وضرورته؛ لا سيّما في عصرنا، بالرغم من كثرة المعلومات والاطلاع عليها بحرية. مع هذا يبقى هذا الجيل بحاجة ماسة إلى المرافقة والمتابعة.
على الرجل والمرأة من خلال الزواج، أن ينظرا إلى هدفٍ واحد وليس فقط الواحد نحو الآخر. وأن يعلما بأنّ جوهر الزواج وأساس الحياة المشتركة والشراكة هما الالتزام المبنيّ على الإرادة والحريّة. “الحياة المشتركة ضمن الزواج، عندما نفرغها من الحبّ وسائر مدلولاتها، يصبح الشريكان، وكأنّهما مهاجران عن ذاتهما، وفي أعماق تلك الذات صراع، مرصودة للتيه في صحراء البُعد والغربة والانتظار والوهم والسّراب”[6]
تعترض الزواج صعوبات جمّة، وحضارتنا تحاول أن تقلب المفاهيم، وتعطي صورة مشوّهة عنه، مستندة إلى حالات التفكّك الأُسريّ وغيرها من العوامل التي تفتك بالزواج والعائلة. من هنا أتى الإرشاد “فرح الحب” ليعلن قيمة الزواج ويؤكّد جمال الحياة الزوجيّة ويشرح مفاهيم الحبّ ومبادئه، ويدافع عن الحياة المشتركة، ويشجّع الشباب لاختيار الزواج ويطلب الإعداد له. كما ينبّه من المخاطر ويرشد إلى الطريق الصحيح وينصح بالإرشادات والتعليمات ويعلّم الطرق الناجحة، ويقدّم “بعض الحلول”.
نعم، حضارتنا تستدعي الدفاع عن الزواج وتركيبته، لأنّه يتعرّض لأخطار كثيرة تؤدي إلى إنهيار مؤسسة الزواج والعائلة معًا. لذا يُطلب اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى النضال والدفاع عن قضية الزواج من أجل إستمراره كما أراده الخالق للإنسان. “ويقيننا، أنّ الدفاع عن الحياة المشتركة لا يتمّ إلاّ بالتشديد على خصوصيّة الزواج وقيمته وأهميّته، وبالتركيز على النواحي الإيجابيّة فيه، ]…[ أضف إلى ذلك مرافقة الأزواج روحيًّا ونفسيًّا بإيجاد الوسائل والفرص السانحة لتحقيق الأهداف، عندئذٍ يكون دفاعنا فعّالاً، ومنطقيًّا ومُحقًّا وعمليًّا ومدعومًا بأمثال إيجابيّة…”[7]
نعم، إنّ الزواج بالمطلق هو حركة تطاول الإنسان بجوهره وكيانه، فعندما يعيش الرجل والمرأة العهد فيما بينهما، يكونا في حالة حبّ وهذا الحبّ يعطيها القدرة على الاستمرار، وأن يستمرّا فلكي يعيشا الحبّ أيضًا.
نذكّر أنّ الزواج حركة مستمرّة بين الرجل والمرأة. إلتقيا باسم الحبّ، لتحقيق أهداف مشتركة ومبادئ واضحة وسليمة وصحيحة وأعمال ورؤىً ناصعة. وهذا يخلق بينهما، تفاعل إيجابيّ بتحقيق حلمهما، من خلال التعاون لإنجاح مسيرتهما.
من أجل زواجٍ أفضل، لا بدّ أن يكون هذا الزواج مبنيًّا على الحبّ الخالي من الأوهام وأن يكون الرجل والمرأة متمتّعان بالحريّة الداخليّة، والإرادة الحرّة، والشخصيّة السليمة، والتربية الناضجة، و”الوعي الذاتي”، والنضح الفكريّ والعاطفيّ والنفسيّ، والتحلّي بالصفات والأخلاق الحميدة، والقدرة على معالجة الصعوبات والمشاكل، والسعيّ الدائم لإنجاح الحياة المشتركة، والتكيّف مع التحوّلات والتغيّرات، والتمكّن من تطبيق الوسائل العلميّة والعمليّة مثل: الحوار والتواصل وإلى آخره.
فمن أجل زواجٍ أفضل، يُطلب القدرة على الصبر، والمسامحة، ونكران الذات، والتضحية، و”المساومة”.
ومن أجل زواجٍ أفضل، يُستحسن معرفة الذات والآخر، والتأقلم مع متطلبات الحياة الزوجيّة من: إنسجام، وعطاء، وصراحة، وثقة، وإيمان وانفتاح.
فمن أجل زواج أفضل، يُطلب اليوم أكثر من أي وقت مضى الإعداد للزواج: البعيد، والقريب والمباشر. فالإعداد يُسهم في نجاح الزواج واستمراريته. ويُعطي القدرة للرجل والمرأة بتوضيح وتحسين رؤيتهما للحبّ وللحياة الزوجيّة بطريقة فاعلة وعلميّة وعمليّة وناجحة من خلال تحقيق أهدافهما. وهذا كلّه من أجل التقدّم نحو الأفضل للحياة الزوجيّة. يشدّد الإرشاد الرسوليّ على الإعداد للزواج، كما يحثّ الشباب، لاختيار سرّ الزواج.
أخيرًا، يحتاج بعض شباب اليوم وعدد من المتزوّجين، إلى تقديم الدعم والنصح والمرافقة والمتابعة والقدرة على التمييز، لكي لا يقعوا في الوهم والجهل والاعتداد بالنفس والمثاليات. “فالواقع الذي يحياه الثنائي يحتّم عليه معرفة الوسائل لتحقيق الانتصارات ]…[ وتخطّي الحواجز التي تعترض طريقه ]…[ مسلّحًا بالمنطق والتماسك والانسجام والتضامن والصمود.”[8]
نعم، من أجل زواجٍ أفضل. هذا ما تريده الكنيسة، وتتمناه للثنائي، لأنّ هذا يولّد عائلة ناجحة، أي مجتمع تسوده المحبّة والسلام. لذا تطلب وتشدّد الكنيسة على أهميّة الإعداد لسرّ الزواج وضرورته، في مسيرة نجاح الزواج والعائلة. يُطلب اليوم التربية على الحبّ والإيمان والقيم الإنسانيّة والأخلاقيّة. “والحياة الزوجيّة مغامرة وتحدٍّ متواصل، وعلى الثنائي إنجاح سُبُلها المعقولة وتحقيق غاياتها الممكنة بما يكتنف تلك السُبُل وتلك الغايات من طمأنينة وفرح وسعادة.”[9]
 * * *
الأب نجيب بعقليني

  • يحمل كفاءة في اللاهوت العقائديّ، ودكتورا في اللاّهوت الراعويّ.
  • أخصائي في راعويّة الزواج والعائلة.
  • خدم عدّة رعايا كما عمل في الإدارة التربويّة والتعليم: نائب رئيس الجامعة الأنطونيّة، المدير الماليّ والإداريّ للجامعة الأنطونيّة، مدير الجامعة الأنطونيّة فرع زحلة والبقاع، رئيس مدرسة مار روكز الأنطونيّة رياق، مدير المعهد الأنطونيّ بعبدا (لبنان).
  • عمل في الحقل الراعويّ: إصدار كتب ومقالات، مقابلات وبرامج تلفزيونيّة وإذاعيّة، محاضرات وندوات.
  • صدر له:
  • الطريق إلى الزواج (بالعربيّة والفرنسيّة)
  • حبّ واستمرار
  • كي نبقى معًا
  • لقاء وعهد
  • المرأة والتّنمية
  • الإعداد لسرّ الزواج في الكنيسة المارونيّة (بالعربيّة والفرنسيّة)

 
 
 
[1]التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، المكتبة البولسيّة، لبنان، 1999، عدد 1609.
[2]نجيب بعقليني، الطريق إلى الزواج، الجامعة الأنطونيّة، لبنان، 2007، ص 66
[3]المرجع السابق، ص 66
[4]المرجع السابق، ص 63
[5]التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، المكتبة البولسيّة، لبنان، 1999، عدد 1641.
[6]كلوديا أبي نادر ونجيب بعقليني، لقاء وعهد، الجامعة الأنطونيّة، لبنان، 2008، ص 8
[7]المرجع السابق، ص 17
[8]كلوديا أبي نادر ونجيب بعقليني، كي نبقى معًا، الزواج واقع وآفاق، الجامعة الأنطونيّة، لبنان، 2005، ص 9
[9] المرجع السابق، ص 9.

Share this Entry

الأب د. نجيب بعقليني

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير