ستكون “سيّدة تشيستوخوفا” المعروفة أيضاً باسم “العذراء السوداء” إحدى المحطات الأساسية للبابا فرنسيس خلال رحلته إلى بولندا، للمشاركة في “يوم الشبيبة العالمي” في نهاية الشهر الحالي. وبناء على المعلومات الواردة في مقال أعدّته إليز هاريس ونشره موقع catholicnewsagency.com الإلكتروني، فإنّ الصورة التي تُوّجت “ملكة بولندا” مُكرّمة عبر أوروبا، وهي تشكّل محطّة لأيّ حبر أعظم يزور البلاد. لكن مع جميع المعاني التي تحملها لأوروبا وللبولنديين بوجه خاص، ما هي قصّة “العذراء السوداء”؟
يُقال إنّ الصورة تعود إلى زمن الرسل الاثني عشر، وقد رسمها الإنجيلي القديس لوقا، الذي يُعتقد إنّه استخدم خشبة طاولة صنعها يسوع لمّا كان نجّاراً. ويُقال أيضاً إنّه خلال رسم لوقا للّوحة، قصّت عليه مريم الأحداث التي جرت في حياة يسوع، ليدوّنها لاحقاً في إنجيله.
في سنة 326، أتت القدّيسة هيلانة إلى أورشليم بحثاً عن الصليب الحقيقي، فوجدت صورة مريم تلك، وقدّمتها كهديّة لابنها الملك قسطنطين الذي بنى مزاراً لتكريمها. وقد تمّ عرض الصورة من جدران القسطنطينية خلال إحدى المعارك، ممّا نتج عن هزيمة الأعداء وإنقاذ المدينة.
بعد ذلك، وصلت الصورة إلى يدي شارلمان، الذي قدّمها بدوره إلى أمير المجر. وبقيت الصورة في القصر لغاية غزوٍ طاله في القرن الحادي عشر. فصلّى الملك للعذراء، من خشيته على مصير المدينة، فاكتسحت ظلال سوداء المكان وغطّت الجنود الذين بدأوا يهاجمون بعضهم البعض.
في القرن الرابع عشر، نُقلت الصورة إلى دير “جاسنا غورا” في بولندا، كجواب على طلب سمعه لاديسلاوس في حلمه.
سنة 1382، غزا التتر قلعة الأمير في بيلز. وخلال عملية الغزو، أصاب سهم الصورة واستقرّ في رقبة العذراء. فهرب الأمير خلال الليل، خشية سقوط الصورة بين أيدي الأعداء، ووصل بها إلى مدينة “تشيستوخوفا”، حيث وُضعت في كنيسة صغيرة، ليطلب الأمير لاحقاً بناء دير في الموقع للحرص على سلامة الصورة.
لكن في 1430، اجتاح الهوسيّون الدير وحاولوا أخذ الصورة. خلال العمليّة، أخذ أحدهم الصورة وحاول وضعها في عربة والهرب بها. إلّا أنّ الجياد رفضت التحرّك، فضرب الصورة مرّتين بسيفه. وعندما رفع يده لإنزال الضربة الثالثة، وقع من شدّة ألم شعر به ومات. تجدر الإشارة هنا إلى أنّه على الرغم من محاولات عديدة لتغطية الندوب الناتجة عن ضربات السهم والسيف، ما زالت الآثار ظاهرة حتّى يومنا هذا، بما أنّ الألوان ممزوجة بالغراء وبالشمع المرقّق.
لاحقاً سنة 1655، وعندما كان ملك السويد شارل العاشر يحكم بولندا، بقي محيط الدير لوحده بعيداً عن الغزو. وبطريقة عجائبيّة، تمكّن الرهبان الذين يعيشون هناك من الدفاع عن الصورة خلال حصار دام 40 يوماً، وتمكّنت بولندا من التخلّص من الغزاة. وبعد هذا الحدث العجائبي، عيّن الملك جون الثاني كاسيمير فاسا صورة العذراء تلك “ملكة بولندا”، واضعاً البلاد برمّتها تحت رعايتها وحمايتها.
وآخر الأخبار المتعلّقة بالصورة تتضمّن الغزو الروسي لبولندا سنة 1920 وتهديد وارسو، عندما رأى الجنود صورة للعذراء في الغيوم فوق المدينة، ممّا حملهم على الانسحاب. وبعد زوال الشيوعية في بولندا، ازداد عدد زيارات الحجّ إلى المكان بنسبة كبيرة.
أمّا تسمية “العذراء السوداء” فتعود إلى بقايا السُخام التي تزيل الألوان، كنتيجة لحرق الشموع والبخور أمام الصورة على مرّ القرون.
من ناحية أخرى، كانت تشيستوخوفا موقع “يوم الشبيبة العالمي” الأوّل الذي حصل سنة 1991، أي الحدث الأكبر بعد سقوط “الستار الحديدي” الذي سمح لشباب أوروبا الشرقية بأن يطأوا القسم الغربي. وقد أشار الكاردينال دجيفيتش رئيس أساقفة كراكوف أنّ احتفالات “يوم الشبيبة العالمي” لهذه السنة ستقع في الذكرى الخامسة والعشرين ليوم شبيبة سنة 1991 في مزار سيّدة تشيستوخوفا، أي سنة نهاية اضطرابات “الحرب الباردة”.
والآن، بعد 25 سنة، سيتبع البابا فرنسيس خطوات سلفه، وسيذهب في 28 تموز لتكريم الصورة، خلال زيارته لدير “جاسنا غورا” الذي يأويها، جاذباً معه عدداً كبيراً من الحجّاج.