Monk prayer solitude

Josealbafotos - pixabay - cc0

كلمات الصمت. حدّثني عن الصلاة – 1

الصمت أحيانًا فراغ. ولكنه أيضًا فسحة وفصاحة الأحبة.

Share this Entry

زار مرة شابًا راهبًا ناسكًا لكي يطرح عليه بعض مشاكله طالبًا الإرشاد والنصح. وقبل أن يخاطب الراهب مباشرة، أراد الشاب أن يراقبه عن بُعد. جلس الشاب على تلة غير بعيدة عم المنسكة وبات ينظر إلى أسلوب حياة الراهب. فرأى فيها من الرتابة ما حيّره كثيرًا. فحياة الراهب كانت تتألف من أوقات مكرسة للصلاة وأوقات مكرسة لصناعة سلال القصب في صمت بدا خانقًا للشاب.

وعندها جاء الشاب إلى الراب واعترف له بحيرته: “أيها الأنبا الجليل، لقد راقبت ما تقوم به وإني أجده – وأعتذر مسبقًا عن الصراحة – مملاً للغاية. كيف يمكنك أن تعيش بهذا الصمت؟ ما الغاية من كل هذا؟”.

لم يفتح الراهب فاه، بل أمسك بيد الشاب ومضى معه نحو البئر الذي يستمد منه الراهب الماء وأخذ بضعة حجارة ورماها في الماء وقال للشاب: “ماذا ترى؟”. نظر الشاب في الماء وقال: “أرى مياهً مضطربة”.

بعد دقيقة، قال الراهب من جديد: “انظر الآن، ماذا ترى؟”.

ألقى الشاب نظرة وقال: “أرى وجهي على صفحة المياه”.

“أنظر جيدًا. ماذا ترى أيضًا؟”.

أمعن الشاب النظر وقال بتأثر لأنه فهم درس الراهب: “أرى السماء فوقي”.

كان ذلك الدرس كافيًا للشاب. ولعله يكفينا أيضًا. عندما نبحث عن الصمت والخلوة، نشعر أولاً بضياع لأن ضجيج حياتنا وعاداتنا يشتتونا. ولكن بعد أن نسمح لمياه نفسنا أن تهدأ، نبدأ أن نرى أن الصمت ليس خاليًا، بل هو فسحة لقاء مع ذواتنا ومع الله.

الصمت يخيفنا لأنه يضعنا أمام “غريبين”. الغريب الأول هو ذاتنا. الغريب الثاني هو الله. بسبب عدم اعتيادنا على هذا اللقاء نشعر بفراغ رهيب. إلا أن أكثر الناس سعادةً هم الأشخاص الذين تعلموا أن يدجنوا هذا الصمت وأن يجعلوا منه فسحة لقاء.

الصمت أحيانًا فراغ. ولكنه أيضًا فسحة وفصاحة الأحبة.

قد يكون الصمت أحيانًا رمزًا للموت وللخصام، ولكنه أحيانًا أخرى أبلغ كلمة بين المحبين، عندما لا تعود الكلمات كافية للتلفظ بالحب، فيبقى الصمت. صمت مملوء من الحضور.

لكي نعيش الصمت نحن بحاجة لفضيلتين: الشجاعة والحب.

شجاعة عدم الهروب. فغالبًا ما يسعى المرء للهرب من صمت اللحظة الحاضرة. خصوصًا في عصرنا التكنولوجي حيث باتت الهواتف الذكية فرصة سهلة لعيش وهم التواصل حتى في الصحراء. الشجاعة المطلوبة هي شجاعة عيش الحاضر. شجاعة أن نلتقي بهذا الغريب الذي هو ذاتنا لذواتنا.

الفضيلة الثانية هي الحب. فمن دون الحب يبقى الصمت مجرد مرادف للموت وللخواء. فقط من يعيش الصمت حبًا يعرف معناه الحق. يضحي الصمت فسحة لقاء مع الآخر. فسحة اصغاء. يضحي الصمت اكتشافًا. يكتب بهذا الشأن الأديب جورج برنانوس: “أدركت فجأة أن الصمت هو حضور. في قلب الصمت كان هو (الرب) حاضرًا وكان صمتًا بكليته، سلامًا بكليته، تناغمًا بكليته”.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير