ترأّس البابا اليوم قدّاسًا في بولندا لمناسبة مرور 1050 عامًا على معمودية بولندا وننقل إليكم أبرز ما جاء فيها: “إنّ قراءات هذه الليتورجيا تجعلنا ننغمس في تاريخ البشرية وينسج تاريخ الخلاص. يحدّثنا القديس بولس عن مشروع الله الكبير: “عندما تمّ الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا لإمرأة، مولودًا في حكم الشريعة” (غل 4: 4) يخبرنا الكتاب المقدس بأنه أتى “لما تم الزمان” أي أصبح الله أنسانًا ولم يكن العالم يعيش فترة استقرار وسلام: لم يكون “عصرًا ذهبيًا”. إنّ مشهد العالم لم يكن يستحقّ مجيء الله بل على العكس “ما قبله أهل بيته” (يو 1: 11). إذًا ملء الزمان كان نعمة من الله: لقد ملء الله زماننا من وفرة رحمته وحبّه الطاهر”.
وأخبر البابا أنّ الله لم يدخل إلى العالم بالقوّة بل بطريقة بسيطة جدًا كطفل لأمه “مولودًا لامرأة”، كحبة قمح التي نبتت على العكس ما كنا ننتظره أو ربما ما نرغب به، ملكوت الله الآن كما دائمًا غير مرئي إنما يأتي بالبساطة والتواضع. ثم علّق البابا على المعجزة التي حصلت في قانا الجليل وقال: “لم يقم يسوع بفعل كبير أمام الجماهير ولم يقم بمداخلة لحلّ مشكلة سياسية أو لإخضاع الشعب للسلطة الرومانية بل حصلت المعجزة في بلدة صغيرة. أعجوبة صغيرة أفرحت العريس من عائلة مجهولة. الماء تحول إلى خمر وهذه العلامة العظيمة أظهرت وجه الله العروس الذي يجلس على الطاولة معنا ويحلم معنا ويشاركنا. تشير لنا هذه المعجزة إلى أنّ الرب قريب وواضح ووهو يهتم بنا من دون أن يقرر عنا ومن دون أن يطّلع بمسائل السلطة. يحبّ كل ما هو صغير على عكس الإنسان الذي يجنح الى التملك الكبير. أن نكون مشدودين بالقوة والعظمة والمظاهر الخارجية هو أمر بشري وهي تجربة نشاهدنا في كل مكان”. أن نظهر ذاتنا للغير علينا ان نمحي ونعبر المسافات وأن نبقى صغارًا وأن نصمت ونسكن بصورة حسية في عالمنا بتواضع وهذا هو معنى الألوهة”.
وتابع: “الله خلصنا عندما صار صغيرًا وقريبًا ومنظورًا وملموسًا. الله أصبح صغيرًا قبل أي شيء. الله الوديع والمتواضع القلب يفضل الصغار ويكشف لهم أسرار ملكوت السماوات إنهم كبار في عينيه وإليهم يحدق ويختارهم لأنهم يختلفون عن كبرياء الحياة الموجودة في العالم. الصغار يتحدثون اللغة نفسها التي يتحدّث هو بها. الحب الوديع الذي يحررنا. لهذا الرب يدعو أشخاصًا بسيطين ومستعدين أن يكونوا الناطقين الرسميين باسمه. يكشف لهم عن اسمه وعن خفايا قلبه. لنفكّر مثلاً بأبناء وبنات شعبنا: الشهداء الذين يشعّون بالقوة ويدافعون عن الإنجيل….”
وتابع البابا ليقول: “بالإضافة إل ذلك، الله قريب، ملكوته قريب، الرب لا يرغب في أن يكون مخيفًا كالملوك والأباطرة العظماء ولا يرغب أن يبقى على عرش السماء أو في كتب التاريخ بل يحب أن ينسحق معنا ليسير معنا. من الجيد أن نشكر الرب الذي سار مع شعبه عندما يمسكه بيده ومرافقته بمواقف كثيرة. من هنا الكنيسة هي مدعوّة إلى الإصغاء دائمًا والانخراط والتقرّب من الآخرين من خلال مشاركة أفراح الناس وأحزانهم أي أن تكون الكنيسة متناغمة أكثر وأن تحمل الثمار من أجل إشعاع إيجابي عبر شفافية الحياة.
في الختام، الله هو ملموس. إنّ قراءات اليوم تبيّن لنا أنّ الله ملموس: الحكمة الإلهية “تلعب” (أمثال 8: 30) الكلمة صار جسدًا وولد من أم وتحت حكم الشريعة، لديه أصدقاء ويشارك في الحفلات: الخالد يخاطبنا من خلال تمضية الوقت مع أشخاص وفي مواقف ملموسة. تمامًا إنّ تاريخكم الغارق في الإنجيل والصليب والأمانة للكنيسة قد شهد العدوى الإيجابية لإيمان حقيقي متوارث من عائلة إلى عائلة ومن والد إلى ابن بالأخص من خلال الأمهات والجدات اللواتي يجب أن نشكرهنّ. لقد استطعتم بشكل خاص أن تلمسوا يد الحنان الملموسة والمملوءة من الأم الشفيعة التي أتيت من أجل تكريمها كحاج والتي حييناها في المزمور…”