Love Embrace - Theology of the body - Bronze statue indicating two lovers embrace and the fruitful branches of love

Robert Cheaib - flickr.com/theologhia

لا يجب أن يوضع سفر نشيد الأناشيد في الكتاب المقدّس، لانه سفر جنسيّ لا يليقُ بالله

سؤال وجواب عالطاير

Share this Entry

يقولُ المثل : ” ما يعرفك يا لِبنْ غير إلّي يخضّك ” ! . بالفعل، فلا يعرفُ أحدٌ أمرًا ما إلاّ إن دخل في علاقة ٍ معه من الداخل واتحدَ به وتعلّم وسارَ على نغمته ! . السائل المعترض يقفُ من الخارج ويعطي طلقاتـــــه! بينما الشخص ذوي الخبرة في الكتاب المقدّس ولديه دراسات لاهوتيّة وكتابيّة، هو واقفٌ من الداخل وفاهمٌ للموضوع .
على كلّ حال، لا بدّ من توضيح عالطاير…
إن هذا الكتاب الصغير يشكّل مسألة من أشدّ المسائل المتنازَع عليها في الكتاب المقدّس. فهو قصيدة غزليّة (أو مجموعة قصائد غزليّة) في العهد القديم . فللكتاب طابع غراميّ، وهو لايتوقف إلاّ على الجمال الطبيعيّ ولا يذكر الله ولا  إنجاب الأولاد. فيه إشارات إلى جغرافية فلسطين، لا بل فيه ذكريات اسطوريّة.
هل هو  حبّ بشريّ أم إلهيّ؟
يكتشفُ قارئ سفر نشيد الأناشيد قصائد حبّ تبادلها رجل وامرأة. بينما المعترض يكتشفُ ويرى فيه كلمات جنسيّة مرضيّة !
السفرُ لا يذكر أيّة مؤسّسة دينيّة ولا أيّ شخص من شعب اسرائيل (باستثناء سليمان)، ولا يذكر اسم الله سوى مرّة واحدة، وبشكل خفيّ ( 8  : 6). ونعلمُ، من جهة أخرى، بأن نشيد الأناشيد، في نهاية القرن الأوّل، كان يغنى في الحانات اليهوديّة. ألا يمكن أن نقارنه بالمزمور 45 الذي كتب أصلا للإحتفال بزفاف أحد ملوك أورشليم من أميرة فينيقيّة؟
السؤال المهمّ هو : لماذا تعتبر قصائد الحبّ والغزل هذه غير لائقة بأن تحتلّ مكانــــا في الكتاب المقدّس؟ أليست الرغبة العاطفيّة والتنادي الجنسيّ، واقعيّا، أمورًا هامّة أرادها الخالق؟ ألم نقرأ في سفر التكوين الرواية الشامخة في خلقة المرأة، وهي الرواية الوحيدة المعروفة في الشرق القديم (تك 2 : 18 – 24)؟ إنها تشيدُ بجمال الحبّ البشريّ في حدّ ذاته. ولقد قيل عن الزوجين أنّهما ” على صورة الله ” (تك 1 : 27). هذا المعنى الحرفيّ للسفر، بما فيه العلاقة العاطفيّة الجنسيّة، لا يمكن الاستغناء عنه!
كان الرابي عقيبة في القرن الأوّل قد قال : إن العالم بأسره لا يساوي اليوم الذي أعطيَ فيه النشيد لاسرائيل، لانّ سائر الكتب كلّها مقدّسة، أما النشيد فهو قدس الأقداس . فبموجب هذه القراءة الدينية الرمزيّة، تصبح القصائد حوارًا متبادلا بين الربّ وشعبه.  وسبق الأنبياء (هوشع وارميا وحزقيال واشعيا الثاني، أن رسموا اسرائيل بمثابة ” زوجة خائنة “، طلّقها زوجها، وغفر لها من ثمّ. فالنشيد يعيد ذكر التاريخ المضطرب عن هذه العلاقات وعن البحث المتبادل الذي قام به الله وشعبه. على سبيل المثال، يوحي  ” نوم ” الحبيبة بأزمنة خياناتها، فيما يعني ” هرب ” الحبيبة محن اسرائيل، وفي مقدّمتها محنة الجلاء.
آباءُ الكنيسة تبنّوا هذه القراءة الرمزيّة اليهودية وطبقوها على العهد الجديد: فسفر نشيد الأناشيد ينشد حبّ المسيح والكنيسة. وهذا التفسير الذي سيصبح تقليديّا، يستندُ إلى نصّ الرسالة إلى أهل أفسس حيث يعلّم بولس (أو أحد تلاميذه) كيف ينبغى على المسيحيّين المتزوّجين أن يعيشوا:
هذا السرّ عظيم، أقول هذا في المسيح الكنيسة ” .
هكذا، لا مجال لقراءة بيبليّة أصيلة في سفر النشيد أن تختار بين معنيين متضادّين وكأنها إزاء حبّين : الحبّ البشريّ والحبّ الإلهيّ ! ولمّا كان يسوع ” إلهــــًا حقا وإنسانــا حقا “، فلا يسوغُ للمسيحيّين  أن يفصلوا ولا أن يقيموا، بأولى حجّة، تضادّا بين الواقع البشريّ وسرّ الخلاص. ففي قلب كلّ أوجه الحياة البشريّة- وبضمنها الحبّ والجنس- يتحقّق الخلاص وتأليه أبناء الله.  وإذا كانت حياة الرجال والنساء – وبضمنها الحبّ والجنس – قد تشوّهت بفضل الخطيئة، إلاّ أنها مدعوة، بالمسيح، إلى الإهتداء وتجديد العلاقة معه والنموّ في نعمته عبر الأسرار.
تقولُ آن ماري بليتيه، استاذة في الأدب ولاهوتيّة: إن تسمية نشيد الأناشيد تقليديّة، ولكنّ الدخول من عنوانه العبريّ قد يكون مفيدًا لإنعاش معنى هذه الكلمات. ” شيرها شيريم لي شلومو” تعني حرفيّأ ” نشيد الأناشيد لسليمان “… لا بدّ من تحديد هذا النصّ، بأنه ” غناءٌ” ! فنحن لسنا أمام كلمات مكتوبة وحسب، بل مع أصوات. وهذا النصّ حافل بكلّ تغنيمات الكلام الشفهيّ، وبكلّ الإرتعاشات التي تــُحدثها مقابلة تتبادل فيها الكلمات وتتجاوب.
يتساءل المعترضون: هل من المعقول أن يَذكُر وحيٌ من الله، أوصاف أعضاء جسد المرأة: كالثديين والفخاذ، كما جاء في نشيد الأناشيد؟ .
هل ذُكرت هذه الأوصاف بطريقة مبتذلة؟ أم أنها ذكرت في قالب من الأدب الراقي، تماما كما تُذكر في كتب الطب بطريقة علمية، وكتب الشعر بطريقة بلاغية. فسفر نشيد الأناشيد هو شعر صوفيّ روحاني، مملوء بالصور البلاغيّة الرمزيّة من تشبيهات واستعارات وكنايات، فألفاظه لا تؤخذ بالمعنى الحرفي، بل كما تقول لغة البيان: لا تؤخذ بلازم معناها، وإنما لها معان أخرى تشير إليها.
وأخيرًا وليس آخرًا، لو كان هذا السفرُ (كما يقولون) جنسيّ ولا يجبُ أن يُدخَل من ضمن الأسفار المقدّسة، لماذا لم يتمّ حذفه من قبل الذين وضعوه، أو من قبل الكنيسة ؟! . إذن، إن سفرُ محبة الله للبشريّة، والجنسُ والإيحاءات التي فيه هي مقدّسة وآباءُ الكنيسة فسّروها برمزيّتها وليس بحرفيّتها لأن الحرفَ يقتل وأما الروح فيحيي (كما يقول الرسول بولس).

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير