بعد كلّ اعتداء أو تفجير إرهابي، تكثر ردود الفعل وموجة الاستنكارات والإدانات التي تصف الجرائم بالوحشيّة والمريعة والرهيبة الأليمة التي لا يمكن تصوّرها. كما تكثر معها الأسئلة والتساؤلات حيال طبيعة الأزمة التي نشأ عنها ما نشهده.
فجريمة ذبح الأب هامل الأخيرة في سانت إتيان دي روفري قرب مدينة روان الفرنسيّة، كما الاعتداءات التي شهدتها ورزبرغ وميونخ وآنسباخ في ألمانيا، نفّذها شبّان تشرّبوا أفكاراً معيّنة، تتحدّى الاندماج السياسي للمسلمين في أوروبا.
إلّا أنّ هذه الاعتداءات “تسلّط الضوء على حماقة السياسة الأوروبية وقلّة أخلاقيّتها وربّما جهلها أيضاً حيال الإسلام”، بحسب رأي الأب سمير خليل سمير اليسوعي، والذي عبّر عنه ضمن مقال نشره موقع asianews.it الإلكتروني. ومن جهتنا، سنستعرض وجهة نظره ضمن مقالين، نعرض في الأوّل منهما الوقائع، على أن نفنّد في الثاني حقيقة الصورة في الغرب. تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الأب سمير هو أحد أكبر الخبراء في العالم حول الإسلام، كما وأنّه أستاذ جامعيّ في المعهد الحبري الشرقي في روما، وقد انتقل خلال الصيف إلى ألمانيا للعمل هناك.
من بين سلسلة الاعتداءات التي حصلت في ألمانيا وفرنسا، بناء على تحليلات الأب سمير، يبدو أحدها فقط غير مرتبط بالعالم الإسلامي، وهو اعتداء ميونخ، إذ أنّه ولغاية الآن، لم تجد الشرطة أيّ علاقة بين الشاب الألماني/الإيراني والدولة الإسلاميّة. علاوة على ذلك، كان الشاب يخضع لعلاج نفساني، ويبدو أنّ جريمته كانت ناجمة عن نوع من الجنون بعد أن توقّف عن حضور جلسات علاجه، ولم يكن أحد ليتوقّع هذا التطوّر الدرامي لديه.
أمّا في حالات الاعتداءات في روان ونيس والعاصمة باريس، فالصلة بالدولة الإسلامية واضحة، بحيث أنّه تمّ تأكيد صلة الشاب الذي جرح 5 أشخاص على متن قطار في ورزبرغ بداعش، والوضع نفسه ينطبق على من فجّر نفسه في آنسباخ. لكنّ المذهل هو أنّ الجميع… شبّان! شبّان يُعرَفون بعدم كونهم متعصّبين أو متديّنين بشكل خاصّ، شبّان يأتون من خلفيّات هادئة وبدون مشاكل، شبّان يافعون لم يتدرّبوا في أيّ مخيّم، بل كانوا يقصدون المدارس، وما زال غير معلوم كيف كوّنوا صلتهم مع داعش. لكن ما هو مؤكّد هو أنّ الصلة لم تكن مباشرة، بل عبر شبكة الإنترنت حيث “العروضات العنيفة” مرئية في وضح النهار.
من ناحية أخرى، إنّ عدد الاعتداءات خلال أيّام قليلة خلق ارتباكاً في ألمانيا، مع أنّ الشرطة برهنت عن فعاليّتها خاصة في ميونخ، عندما تمكّنت من السيطرة على الوضع. وفيما يختلف الطرح في نيس حيث كان المعتدي قد عمل على أدقّ تفاصيل جريمته بعد أن أغلق حسابه المصرفيّ وأرسل 100 ألف يورو إلى أقاربه (هديّة لداعش؟؟)، لا يمكننا إلّا أن نسأل: لمَ هذا التغيّر المفاجىء والجديد وغير الاعتيادي لدى هؤلاء الشبّان؟
سنجيب عن هذا السؤال وغيره أيضاً في المقال التالي.