ننقل إليكم أبرز ما أتى في عظة البابا فرنسيس اليوم في القداس الإلهي احتفالاً باليوم العالمي للشبيبة في Campus Misericordiae: “أيها الشبيبة الأعزاء، لقد أتيتم إلى كراكوف من أجل ملاقاة يسوع والإنجيل اليوم يحدّثنا عن اللقاء الذي جمع يسوع ورجل اسمه زكا. هنا لم يكتفِ يسوع بالتبشير فحسب أو بإلقاء التحية على كل شخص إنما أراد وبحسب الإنجيلي أن يجتاز المدينة. أراد يسوع بمعنى آخر، أن يقترب من حياة كل شخص وأن يسير مسيرتنا حتى النهاية فتلتقي حياتنا بحياته.
وهنا يأتي اللقاء الكبير مع زكا رئيس العشارين أي من يجمعون الضرائب. إذًا كان زكا جابي ضرائب غني يجمع الأموال للرومانيين الذين كان الجميع يكرههم؛ كان يستغلّ الشعب وبسبب سمعته السيئة لم يستطع أن يتقرّب من المعلّم. إنما اللقاء مع يسوع غيّر حياته كما حصل وربما في كل يوم معنا. من هنا، أراد زكا أن يواجه عقبات كثيرة من أجل ملاقاة يسوع؛ ثلاثة على الأقل والتي يمكن أن تقول لنا شيئًا نحن أيضًا.
العقبة الأولى كانت قامته القصيرة: لم يستطع زكا أن يرى المعلّم لأنه كان قصير القامة. واليوم أيضًا نجازف بالبقاء بعيدين عن يسوع لأننا لا نشعر بأننا على المستوى ونظنّ بأننا غير مستحقين. إنها تجربة كبيرة لا تتعلّق بتقدير أنفسنا فحسب بل بإيماننا أيضًا. فبحسب إيماننا نحن “أولاد الله ونحن كذلك بحق” (يو 3: 1): لقد خُلقنا على صورته، لقد شابهنا الله بإنسانيتنا وقلبه لن يتعب منا أبدًا؛ يرغب الروح القدس أن يسكن فينا ونحن مدعوون إلى الفرح الأبدي مع الله! هذه هي هويتنا الروحية: نحن أبناء الله المحبوبين…”
“واجه زكا عقبة ثانية على طريق ملاقاته بيسوع: الخجل الذي كبّله. يمكننا أن نتصوّر ما حصل في قلب زكا قبل أن يصعد إلى الجمّيزة وهذا كان صراع كبير بالنسبة إليه: هو من شعر بالفضول حتى يتعرّف إلى يسوع ومن جهة أخرى واجه خطر أن يجعل من نفسه أضحوكة. زكا كان شخصًا معروفًا، علم أنه إن حاول أن يتسلّق إلى الجمّيزة سيصبح ربمًا أضحوكة أمام أعين الجميع هو رئيس العشارين ورجل سلطة. إنما لقد تخطّى الخجل لأنّ جاذبية يسوع كانت أقوى. ربما عشتم هذه الخبرة عندما يصبح الإنسان مشدودًا لشخص ما بدافع الغرام: ربما يقوم بأشياء لم يعتد على القيام بها من قبل. وهذا ما حصل تقريبًا مع زكا.
أيها الشبيبة الأعزاء لا تخجلوا من أن تحملوا كل شيء إليه بالأخص نقائصنا وضعفنا وآلامنا وخطايانا في سر الإعتراف: هو سيعلم أن يحملكم ويضمّكم بغفران وسلامه. لا تخافوا أن تقولوا له “نعم” من كل قلبكم وأن تجيبوه بسخاء وأن تتبعوه! لا تخدّروا نفوسكم إنما صوّبوا على هدف الحب الحقيقي…
وتابع البابا ليتحدّث عن العقبة الثالثة التي واجهها زكا ليس في داخله إنما من حوله. إنها الجموع التي تثرثر فتوقّفت أولاً ثم بدأت تنتقده: بنظرهم لم يكن على يسوع أن يدخل بيت خاطى!1 كم يصعب علينا استقبال يسوع وكم هو أمر قاسٍ أن نقبل “إلهًا غني بمراحمه”. ربما سيمنعوكم من خلال إقناعكم أنّ الله بعيد ولا يشعر بكم وهو صالح مع الصالحين وشرير مع الأشرار. على العكس، إنّ أبانا “يشرق شمسه على الأشرار والأخيار” وهو يدعونا لكي نكون أقوى من الشر من خلال محبة الآخرين حتى الأعداء بينهم.
ثم دعا البابا الشبيبة أن يتمثّلوا بزكا الذي تجاوز كل العقبات لأنّ هدفه واحد وهو اللقاء بيسوع المسيح وقال: “يسوع يوجّه لك الدعوة نفسها: اليوم يجب أن أسكن في بيتك. إنّ الأيام العالمية للشبيبة تبدأ اليوم وتستمرّ غدًا في البيت لأنّ هناك يسوع يريد أن يلتقي بك ابتداءً من الآن. لا يريد الرب أن يبقى في هذه المدينة الجميلة أو في ذكرياتكم الحلوة بل هو يرغب أن يأتي إليك وأن يسكن في حياتك في كل يوم: في الدراسة والسنوات الأولى من العمل والصداقات والعواطف والمشاريع والأحلام. كم يحلو له أن نحمل كل هذه الأمور في صلاتنا ونسلّمه إياها.
وختم البابا بالقول: “بينما يطلب منك أن تأتي إليه، يدعوك يسوع باسمك مثلما فعل مع زكا. إنّ اسمك ثمين بالنسبة إليه. يعني اسم زكا ذكرى الله… لنحاول نحن أيضًا اليوم أن نتمثّل بالذكرى الأمينة لله وأن نحافظ على كلّ الخير الذي ورثناه في هذه الأيام. لنتذكّر بصمت هذا اللقاء ولنحافظ على ذكرى حضور الله وكلمته، لننعش في نفوسنا صوت يسوع الذي يدعونا باسمنا.