الصداقة الروحية… من وحي العلاقة بين القديس فرنسيس والقديسة كلارا

لا شك أن توصيف ”الصداقة ” بات غريباً في أيامنا هذه: فوسائل التواصل الاجتماعي تسهل إضافة ”الأصدقاء“ الى قائمة يومياتنا وب ”نقرة“ على أزرار جهاز الكمبيوتر الخاص بنا أو الهاتف الذكي، تطول لا ئحة ”الأصدقاء“ أو تقصر… لذا قد يكون من الجيد […]

Share this Entry

لا شك أن توصيف ”الصداقة ” بات غريباً في أيامنا هذه: فوسائل التواصل الاجتماعي تسهل إضافة ”الأصدقاء“ الى قائمة يومياتنا وب ”نقرة“ على أزرار جهاز الكمبيوتر الخاص بنا أو الهاتف الذكي، تطول لا ئحة ”الأصدقاء“ أو تقصر…
لذا قد يكون من الجيد أن يُسلّط الضوء على نوع حقيقي و عميق من الصداقات و هي ”الصداقات الروحية“ و التي من شأنها الولوج إلى مكان عميق داخل نفوسنا، فوق منطق المصالح المشتركة، والنوادي المقفلة و ما يشابهها..
ترتبط الصداقة، بشكل عام، بوجودنا الإنساني إذ لم نخلق لنحيا منعزلين، بل في تواصل مع آخرين.وفي حياتنا نختبر أن هذه العلاقة لا يعزلها أو يستبدلها لا الحب الزوجي ولا الارتباط الرهباني … و قد يكون من أبهى وجوه الصداقة هذه : الصداقة الروحية. والكتاب المقدس يشير إليها، إذ نقرأ مثلاً في سفر يشوع بن سيراخ 14:6_ الصديق الأمين معقل حصين، ومن وجده فقد وجد كنزاً_ و هنا نحن لا نتحدث عن مجرد أي صديق جيد بل عمن لديه ”الجوع“ لله كما ذاك الجوع الذي يقطن قلوبنا و في حجه نحو الله هو يشابه بخطواته مسيرنا…
قديسة اليوم، كلارا الأسيزية، إختبرت بعمق جمال هذه الصداقة التي جمعت روحها بروح القديس فرنسيس الأسيزي الذي كان معلمها و مرشد مسيرتها الروحية. فالرباط الذي جمع روحيهما كان ذاك التوق الى المحبة والكمال المسيحي… تشابهت نظرتهما الى ما تسميه القديسة ”مرآة الأبدية“.
في إحدى عظاته يفيدنا البابا فرنسيس أن ”الصداقة بين هذين القديسين بغاية الروعة والأهمية. ففي الواقع، عندما تلتقي روحان نقيتان وملتهبتان بمحبة المسيح عينها، فهاتان تغرفان من صداقتهما المتبادلة تشجيعاً عميقاً للسير على درب الكمال. فالصداقة هي أحد المشاعر “البشرية الأكثر نبلاً وسمواً التي تطهرها النعمة الإلهية “

و كم هي ثمينة هذه الصداقة لأنها تأتي من الله، لأنها تتجه إلى الله، ولأن الله هو الرابط فيها… نعم، بذلك تصبح ثمينة وأبدية، تتميز بتفاعل روحي وحوار متزن فيه يترفع الصديقان عن الانزلاق في فخ الغرائز والرغبات. ففي ربوع هذه الصداقة تصبح العاطفة نقاء روحياً و تتحوّل ،كالرب محرّكها، محبة صافية… في فقرهما المقدس، و عدم رغبتهما بإمتلاك الآخر، ربح القديسان فرنسيس و كلارا كنز هذه الصداقة الروحية . و هذا المثال ينطبق أيضاً على القديسين يوحنا الصليب و تريزيا الأفيلية و أيضاً القديسة جان دي شانتال والقديس فرنسيس دو سال الذي كتب يوماً : “من الرائع أن نستطيع أن نحب على هذه الأرض كما نحب في السماء، وأن نتعلم أن نحب بعضنا بعضاً في هذا العالم كما سنفعل في العالم الآخر إلى الأبد. هنا لا أتحدث عن محبة الرأفة لأن هذه يجب أن تكون موجهة لجميع البشر؛ وإنما أتحدث عن الصداقة الروحية التي في إطارها يتبادل شخصان التفاني والمودة الروحية ويصبحان روحاً واحدة ”.. هي الصداقة الروحية :
مجانية في العطاء الروحي و محبة صافية تلهب النفس شوقاً نحو الفضيلة و تواصل يقوى على قيود النفعية و حتى على تلك القيود المرتبطة بحكم جغرافيّة الزمان والمكان لأن هذا التواصل ينسقه سيد الزمان !
يقول الأب نادر ميشيل اليسوعي أن ”غاية محبة الله لنا هي أن يدخلنا في دائرة الصداقة التي تجمع الآب والابن في الروح القدس، وأن تتحول إلى دينامية حب وبذل وعطاء في واقعنا الإنساني وعلاقاتنا كافة..“ و من هنا نفهم أن قوة الصداقة الروحية تكمن في أنها تلج هذا المنطق بالذات: الدخول معاً في سر قلب الله بمعيّة نعمة الله.

في حقول الحياة و حتى التكنولوجية منها، نعم تلك التكنولوجية نفسها التي تبدو في بعض الأحيان هدّامة للعلاقات الإنسانية، من الممكن أن تتشكل مساحة لقاء بين أصدقاء روحيين . فالإستخدام المنتظم للفيسبوك أو غيره يمكن أن يسمح بتبادل القصص ونوايا الصلاة، أو المحادثات البنّاءة التي يمكن أن توفر الإلهام والدعم. فقط علينا العمل ألا تبقى الصداقات الروحية تلك ، حصراً، في العالم الافتراضي. فهي ، و لو قويت على محدودية الزمان أو المكان إلا أنها تتطلب ببعض الأحيان تلك المواقف ”الحيّة المباشرة“ التي تنبع من القلب إلى القلب بوضوح المشاعر ونقائها…. ليصبح السير معاً مباركاً و مثمراً تزهر خطاه تقدماً صوب الهدف النهائي:
ألا وهو الاتحاد بالله.

Share this Entry

أنطوانيت نمّور

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير