ثُمَّ ظَهَرَت آيَةٌ عَظيمَةٌ في السَّماء:اِمرَأَةٌ مُلتَحِفَةٌ بِالشَّمْس والقَمَرُ تَحتَ قَدَمَيها، وعلى رَأسِها إِكْليلٌ مِنِ اثَني عَشَرَ كَوكبًا.
(بقلم الأب بيار نجم، من مقال: المرأة والتنين في سفر الرؤيا، سرّ الثبات في الإيمان.)
من هي هذه المرأة؟ أهي المرأة التاريخية التي ولدت المسيح، مريم العذراء؟ هل هي الجماعة الكنسية التي تتألم وتعاني مخاض الإضطهاد لتلد الأولاد الروحيين بالمعمودية؟ هل هو المؤمن الذي يسمع النص ويرى ذاته في هذا الصراع؟ هذه الأبعاد كلها تجد لها مكاناً في صورة هذه المرأة.
وفي الوقت عينه، المرأة الحامل بالابن البكر، تحوط حقيقة لم تعد خارجية أو نظرية، بل صارت جسماً، وصارت حاضرة في حشا المرأة – الكنيسة، وصارت الكنيسة مسؤولة عن حضورها في المجتمع. والحقيقة التي تنير وجود المرأة تنيرها حتى في الليل، فالقمر هو تحت قدمي المرأة وهو يسندها. إن كانت الشمس هي النيّر الأكبر الذي ينير النهار، والقمر هو النيّر الأصغر، وهو ينير الليل. المرأة تبدو معلّقة بين شمس وقمر، ولكنها ليست في الفراغ، فالقمر يسند وجودها وينيره، هي رسالة الكاتب الى الكنيسة المضطهَدة، هي تتألم، تجتاز ظلمة الليل، ولكها ليست وحيدة في ظلام الشر والألم والاضطهاد: لقد جعل الله القمر تحت قدميها، هي نعمة الله وحضوره في التاريخ، تقود الكنيسة وتديرها. القمر رمز الثبات (مز ٨٩: ٣٦) مثل القمر يثبت الى الدهر، والشاهد في السماء امين.
والعنصر الثالث المميَّز لهذه المرأة – العلامة هو اكليل الكواكب الذي يكلّل رأسها، عنصرٌ متى اجتمع مع الشمس والقمر، يعيدنا الى سفر التكوين، الى حلم يوسف. بفضل ذلك الحلم، نفهم أن العهد القديم قد ربط الكواكب الإثني عشر بأسباط اسرائيل الإثني عشر، أي كلّية الشعب. صورة وجدت اكتمالها باختبار الرب للتلاميذ الاثني عشر الذين سوف يجلسون على عروش أسباط إسرائيل ويدينون الأمم (مت ١٩: ٢٨). هو رمز لشمولية الخلاص، خلاص يتخطّى حدود اسرائيل، ليطال، عبر وفاء الإمرأة وصراعها قوى الشر، كل قبائل الأرض وأممها. لذلك تبدو المرأة مكلَّلة بالكواكب الإثني عشر، ففخرها واكليل انتصارها هو الخلاص الشامل الذي أسهمت بتحقيقه بالمولود الذي تلده مخلصاً للأمم، سوف يرعى الأمم بعصا من حديد (رؤ ١٢: ٥).
المرأة الملتحفة بالشمس أُعطيت مواصفات إلهية، مواصفات السيد الإله عينها بحسب المزمور “الملتحف بالنور كرداء”. (١٠٤، ٢ )، « الله السيّد هو شمسنا وقوّتنا » (مز ٨٤: ١١) . مواصفات المرأة، تاريخياً، مريم، لاهوتياً الكنيسة، وحياتياً كل معمّد، هي مواصفات المخلوق الذي نال هبة الدخول في علاقة مع الله، وحمل كلمته الإلهية، والنضال في سبيلها وعيشها في حياته عبر معركة ثباته في الايمان ضد كل ما يخالف مشيئة الله، وذلك لإعلان حقيقة أن الله هو الاله الأوحد، وهو المخلّص.