لبّى عدد كبير من الوجوه الزحلية والبقاعية الروميّة الكاثوليكية دعوة رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران عصام يوحنا درويش الى لقاء تحت عنوان ” الهوية الملكية في وقتنا الحاضر ” اقيم في مطرانية سيدة النجاة بمناسبة الذكرى الخامسة لتوليته مطراناً على ابرشية زحلة.
حضر اللقاء الوزير السابق سليم جريصاتي، مدير عام امن الدولة اللواء جورج قرعة، مدير عام وزارة الزراعة المهندس لويس لحود، مدعي عام البقاع القاضي فريد كلاس، المدعي العام لدى ديوان المحاسبة القاضي فوزي خميس، القاضي جورج عقيص، مستشارة قائد الجيش السيدة بتي الهندي، السيدة ماغدا رزق، المهندس ميشال سكاف، الصناعي ميشال ضاهر، الدكتور جوزف معلوف وعدد من المحامين، المهندسين، رجال الأعمال والوجوه الزحلية والبقاعية.
بداية اللقاء مع صلاة افتتاحية ومن ثم كلمة ترحيبية للمطران درويش شكر فيها الحضور على تلبيتهم الدعوة، وأكد ان هذا اللقاء هو مقدمة للقاءات تالية تجمع كل ابناء الطائفة في زحلة والبقاع.
ومما قال :”الملكيون الحاليون هم ورثة الجماعات المسيحية للكنائس الرسولية في الاسكندرية وانطاكية واورشليم. وبدء تاريخهم هو نفسه بدء تاريخ الكنيسة الاولى الجامعة.الكنيسة الملكية الانطاكية أغنت الكنيسة الجامعة بتراثها الليترجي واللاهوتي والفني. والمسيحيون فيها تركوا ارثاً روحياً غنياً ورغم تنوع الإثنيات حافظوا على وحدة الايمان فيما بينهم ومع بطريركية الاسكندرية وباقي الكنائس الكاثوليكية.”
وعن نشأة الروم الكاثوليك قال درويش ” عام 451 عُقد المجمع المسكوني الرابع في خلقدونية واكد الآباء فيه أن للمسيح طبيعتين: الهية وانسانية، متحدتين من غير اختلاط ولا تمازج ولا تشويش.
عندما أقر الملك نتائج المجمع، انقسمت البطريركية الانطاكية الى فرعين:
الاول: الذين ساندوا الملك مركيانوس ووافقوا على تعاليم المجمع.
والثاني: هم الذين خالفوا المجمع وقد سموا الذين وافقوا الملك “بالملكيين”
آنذاك صارت الكنيسة الملكية هي كنيسة الدولة المعترف بها دون سواها.
عام 1724 نشأت كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك عندما أعلن البطريرك كيرلس طاناس الاتحاد مع رومة. ومنذ ذلك الوقت انقسم الملكيون الى قسمين كاثوليكي وارثوذكسي.”
وعن ميزات الكنيسة الرومية الملكية الكاثوليكية اوضح “
1 – الانفتاح: لازم الانفتاح الكنيسة الملكية منذ نشأتها “اننا كاثوليك متعلقون الى اقصى الحدود بالكنيسة الرومانية وبأولوية الأب الاقدس، كما أننا في الوقت نفسه شرقيون متعلقون كل التعلق بتقاليدنا الشرقية وتقاليد الآباء القديسين” (البطريرك مكسيموس الرابع)
2 – نهج الوحدة: منذ القرن الخامس لم تكف الكنيسة الملكية عن السعي من اجل وحدة الكنيسة. عام 1724 انطلقت الافكار الوحدوية من الشعب الذي لم يعد يجد مبرراً لاستمرار الانفصال.
3 – تراث شرقي:المحافظة علىالليترجيا والايقونات، اللاهوت …
4 – العمل الانساني والاجتماعي
5 – كنيسة منفتحة على العالم الاسلامي”
وعن خصوصية مدينة زحلة اكد درويش ان ” زحلة عاصمة الكثلكة حافظت على هذا التراث ” وتسائل ” لماذا لا يوجد إلا في زحلة مجلس اساقفة موحد؟لماذا لا يوجد إلا في زحلة قداديس مشتركة؟لماذا في زحلة فقط، يصلي الكاثوليكي على مذبح الارثوذكسي والارثوذكسي على مذبح الكاثوليكي؟ لماذا لا يوجد إلا في زحلة تجمع الكهنة والرهبان والراهبات في عيدي الميلاد والفصح؟لان سيدة النجاة هي التي بادرت عبر تاريخ المدينة وما زالت تبادر. ولأننا منذ نشأتنا عندنا شغف وتوق، لكي نرى الكنيسة الشرقية موحدة فيما بينها، وموحدة مع كرسي روما. ولأننا نعتبر نفسنا جزءاً من الجسر الذي عليه يسير الاخوة ويتلاقون معاً.” وفي رد على اسئلة الحضور طمأن درويش المرجعيات الزحلية ” ان المطرانية لن تأخذ دور أحد”
وختم درويش معتبراً ان مسؤولية الجميع كبيرة وجسيمة ” ومهمتنا أن نحافظ على هذا التراث ومسؤوليتنا اكبر لأننا نريد أن نحافظ على هوية زحلة الكاثوليكية.”
وبعد كلمة درويش عرض الدكتور جوزف معلوف على الحضور دراسة اعدها خصيصاً للقاء شرح فيها اوضاع طائفة الروم الملكيين الكاثوليك والتحديات التي تواجهها.
جريصاتي
من ناحيته الوزير السابق سليم جريصاتي عرض للوضع الحالي للطائفة وقال :” هناك مقولة شهيرة أن الروم الملكيين الكاثوليك هم نخبويون. هذا كلام لا يقصد منه الإطراء الشخصي او المبالغة في التوصيف، هذا كلام مبني على احصائيات، على الأقل احصائيتين وطنيتين حصلتا في المديرية العامة للإحصاء المركزي. في الإحصائية الأولى تبين ان الطائفة الأقل بيعاً وهي فراغاً عن الأرض هي طائفة الروم الملكيين الكاثوليك، مما يعني التعلّق بالأرض والإيمان بلبنان.الإحصائية الثانية تؤكد ان الطائفة الأقل تواجداً في السجون هي طائفة الروم الملكيين الكاثوليك. بالنسبة لعدد افراد هذه الطائفة، فهم الأقل تواجداً او احتكاكاً مع القضاء الجزائي، ما يدل علناً اننا ابناء النظام واننا نتعلق بالقانون ونحترم الأنظمة.
لكن في الواقع الحالي نعيش تشرذماً في القيادات الزمنية، غياباً في ما كان يسمى القيادات الأسطورية، وترنحاً في المرجعية الروحية.”
وتابع ” كلنا نعلم انه لولا نهج سيادة المطران درويش في السينودس الأخير واترابه ممن تبع نهجه، لكان تجلّى الى العلن خلاف كبير وبشع في قلب مرجعيتنا الروحية الجامعة، سواء كانت مرجعية سياسية او مرجعية روحية.”
واعطى جريصاتي امثلة عن الوضع الراهن للطائفة فقال :
” الحوار الوطني يجري اليوم مع ممثل واحد للطائفة نكنّ له كل التقدير، ولم نستطع أن نخرق بممثل آخر لهذه الطائفة الكريمة على غرار الطائفة الدرزية التي نتساوى معها تقليدياً في التمثيل السياسي. تدخل البطريرك، تدخل سيد المدينة، ضغطنا بالمرجعيات السياسية لنخرق بمرجعية كاثوليكية اخرى فلم نستطع.
موضوع امن الدولة. الكلام صعب في حضرة مدير عام امن الدولة، الضابط المميز من طائفة الروم الكاثوليك. معركة طواحين الهواء خيضت كي يذهب نائب المدير العام من طائفة معينة الى تسريحه. ولا تزال المديرية العامة في حصار مقيت مستهجن ومقصود. اين الطائفة من كل ذلك؟ اذ لم نشهد بعض الأصوات التي تقف وتقول لا لأن في ذلك ظلماً لمديرية تبؤاها كاثوليكي ودخل الى رحاب الوطن من خلالها، وانجازاتها محققة في عهده.
الفراغات في ادارات الدولة ومؤسساتها. من منا اليوم يستطيع القول انه يملك لوائح مستحدثة عن الفراغات في وظائف طائفة الروم الملكيين الكاثوليك باستنثناء مجلس الخدمة المدنية. المجلس الأعلى للطائفة استحصل مؤخراً على لائحة مستحدثة بالشواغر في الوظائف، وتبين ان هناك فراغات مذهلة، سواء في المؤسسات العسكرية او الأمنية او الإدارية او القضائية، لماذا؟ اين الدور؟ اين المرجعية؟
المرجعيات الزمنية التي فيها شيء من المختلط مع الروحي . افكر بالمجلس الأعلى للطائفة، بالتجدد الكاثوليكي، برابطة الروم الكاثوليك. المجلس الأعلى يحتاج الى تفعيل لكي يكون حاضراً في الحياة العامة اكثر. التجدد الكاثوليكي يبحث عن مكانه تحت الشمس ولم يجد بعد هذا المحل، لكن هناك سعي دائم . رابطة الروم الكاثوليك مهمشة لست ادري لماذا؟ ولا اريد ان اذكر مجلس الشيوخ والمسرحية الكبرى في موضوع مجلس الشيوخ، والخلاف الذي طرأ في طاولة الحوار، حيث كان للكاثوليك غياب كلّي عن الدور. كنا نمنن النفس اننا سيكون لنا على الأقل ان لم يكن رئاسة مجلس الشيوخ، وهي حق من حقوقنا، نيابة الرئاسة. رفضوا الرئاسة ورفضوا نيابة الرئاسة لماذا ؟ لأنه ليس لنا دور، ليس لنا حضور، لكن في النهاية نحن طلاب حقوق.”
وختم جريصاتي ” صحيح اننا لا نريد الإنعزال في لبنان، الإنعزال قاتل. الإنخراط يجب ان يكون في نظامنا السياسي انخراطاً جدّياً ويومياً ، معركة وجودية يومية نريد القيام بها. هذا الشيء يفترض اولاً ان نسعى الى استيعاب اكبر عدد ممكن من المرجعيات الكاثوليكية. اذا اردنا الا ننعزل في محيطنا يجب الا ننعزل في طائفتنا. الإستيعاب مطلوب اكثر من اي وقت مضى. وبعد الإستيعاب نضع القدرات سوياً ونضع استراتيجية للعمل سوياً، ونضع الأهداف سوياً، يصدر كلام واحد عندما تتعرض طائفتنا في مواقعها الدستورية والقانونية والأمنية والعسكرية والإدارية والقضائية الى اي امتهان، وامتحان لقدرتنا على رد الفعل، حينئذ نستكين الى دورنا، الى وحدتنا، حينئذ نفهم ان نكون مشاركين واوّل المشاركين في القطار الموعود منذ 1926 والذي لن يرى محطة الإنطلاق( برأيي) التي هي دولة المواطنة ، حتى ذلك الوقت المطلوب عندما يتعرض الروم الملكيون الكاثوليك لأي امتهان، لأي انكار لدورهم ولوجودهم في دولة كونفدرالية الطوائف، علينا ان نعلي الصوت حتى لا يقف دورنا وبالتالي ينتفي وجودنا في هذه الدولة. “
قرعة
وتحدث في اللقاء رئيس جهاز امن الدولة اللواء جورج قرعة فقال :
“ابناء طائفة الروم الكاثوليك واعين انه لديهم مشكلة، ان هناك غبناً يلحق بهم في المجتمع اللبناني ككل. والمشكلة ان هناك تشرذماً، ليس هناك رؤية واضحة وتماسك داخل الطائفة للحفاظ على هويتها التي تتكون من الوظائف والدور السياسي لما يمكن ان تقوم به الطائفة.
اهم خطوة للقيام بعمل صحيح هي التخطيط. التخطيط ضمن الطائفة يقتصر على مبادرات فردية لم ترتق الى مستوى كيان طائفة. نحن نعيش ضمن مجتمع لبناني متنوع تغيب فيه اليوم القضية التي من اجلها يدافع المواطن ويعيش للحفاظ عليها.
على المرجعيات الزمنية والدينية اليوم ان تجد هذه القضية التي تقنع المجتمع بالدفاع عنها.
اتمنى ان يكون هذا الإجتماع بمثابة نقطة الإنطلاق وتمنى ان يكون هناك استمرارية، وان تنسحب هذه الإجتماعات على باقي ابناء الطائفة في كل لبنان.”
وكانت مداخلات ايضاً للسيدة ماغدا بريدي، السيد شفيق عاصي، الأستاذ سليم خوري، السيدة بتي الهندي، المهندس لويس لحود، القاضي جورج عقيص، السيد رولان خزاقة، الأستاذ انطوان زرزور، السيد طوني طعمة، السيد ميشال ضاهر، المهندس ميشال سكاف، الدكتور نعيم سالم، شددت جميعها على ضرورة التخطيط ووضع خارطة طريق للنهوض بالطائفة والخروج من الحالة التي تتخبط فيها، ودعت الى عقد لقاءات متتالية تشمل الجميع دون استثناء احد.
وكانت كلمة ختامية للمطران درويش شكر فيها الجميع على مساهمتهم في انجاح واغناء اللقاء مؤكداً ان ” مجرّد لقاؤنا اليوم في المطرانية هو نجاح بحد ذاته” . ودعا درويش الى تشكيل لجنة متابعة للتحضير لخارطة طريق والتواصل مع اللجان التي ستنبثق عن الإجتماعات القادمة.