عندما حملت الأم العذراء كلمة الله في أحشائها، إبتهجت بالروح وهتفت نشيدها الشهير تمجد به إله خلاصنا الذي ” رفع المتَّضعين“ (لو 1: 52).
نعم فقد حسن لدى الرب أن يختار المتواضعين …. و إبنة العذراء : مريم ليسوع المصلوب الراهبة الكرملية ليست بإستثناء. فالتي سارت على مثال أمها تريزيا الأفيلية سالكةً الى جانب طريق التأمّل والصلاة، حياة العمل والإنتاج و مزهرةً للفضائل الإنجيلية؛ شاء الرب أن يزيّنها، هي من أطلقت على نفسها لقب ” العدم الصغير“ ، بالكثير من المواهب والخبرات الروحية العميقة. يعدد المطران حبيب باشا في كتابه عن ”زنبقة فلسطين“ مواهب عشر خارقة جعلت من الراهبة الأمية حاملة لمشعل الروح و شاهدة لقوة مواهبه في الكنيسة:
من الإنخطافات ، الإنجذاب، الإتسام بالسمات و جرح القلب، الى المشاهدات الغيبية، الرؤى، معرفة السرائر، إزدواجية المكان، الإستحواذ الملائكي، و موهبة الشعر.
و الإنجذابات كانت أيضاً إحدى الظواهر التي كانت تحدث للقديسة فترتفع في الجو من غير مرتكز منظور. تؤكد رئيسة المبتدئات أنه في 22 حزيران 1873،رأت بأم عينيها مريم في حديقة كرمل بو تتمايل على غير مرتكز فوق قمة شجرة من أشجار الزيزفون و هي تردد : ”الحب، الحب“!! و بعد الحادثة سألتها الأم ” كيف تمّ لك الصعود هكذا؟ فأجابت ”لقد مد الحمل إلي يديه“…
و قد إقتنت العربية الصغيرة موهبة الشعر مع أنها كانت أميّة ! فكانت في ساعات إنخطافها ترتجل الأمثال و الأناشيد و القصائد و المزامير … و هكذا عاين الكرمل الفتاة الريفية المتواضعة الآتية من هضاب الجليل شاعرة ذات عمق فكري و روحي فريدين. إن رينيه شووب و هو كاتب يهودي شهير إهتدى الى المسيحية ، لم يستطع أن يكتم إعجابه بقصائد مريم ليسوع المصلوب و أضاف يوماً :“ فليؤذن لنا بالتمني بأن تصبح هذه الفتية الأمية، عندما يتم إعلان قداستها، شفيعة المثقفين،لإنها وحدها الكفيلة بأن تجردهم من الخيلاء“….
نعم، أن شهادة تواضع مريم ليسوع المصلوب فوق خوراق حياتها لهو تحد صارخ بوجه عصرنا الذي يضع جانباً عالم الروح و يغرق في كبرياء فكري … فهي تشهد كيف أن الخالق يفتح أسرار الألوهة للبسطاء الذين يتقنون لغة الحب في وقت يحجب كبرياء ” فهماء ” هذا العالم روعة السماء. و ليس في الأمر دعوة لإسقاط دور العقل و العقلانية، فتلك صنيعة الرب الذي يدعونا الى إستخدامها كوسائل تساعدنا لإكتشاف حقيقته ومعرفة دوره في حياتنا… و لكن!! حذار من إسقاط الإيمان من معادلة البحث عن الحقيقة. مريم اليوم تدعونا الى خبرة ”الإنجذاب“ الذي عاشته … رفعها الحمل بيديه، لأنها إرتضت أن تقتني قلب طفل، فعاينت الرؤى السماوية… إن الرب في الإنجيل أعطى الطوبى للأطفال والبسطاء، لا لأنه لا يحب الحكماء، بل ليفهمنا أن من يتكل ، حصراً على قوة عقله ليصل الى الحقيقة، سوف يسقط في هوة العدم أما من يتواضع أمام الرب فيمنحه القدير جناحي الإيمان و الحب ليحلّق بهما في عالم أزلي أبدي لا يزول!!!